الموسوعة الفقهية

المبحث السَّابعُ: الوَصيَّةُ بالمالِ لِمَن يَقرأُ له القُرآنَ


لا تَصِحُّ الوَصيَّةُ بالمالِ لِمَن يَقرأُ له القُرآنَ بعْدَ مَوتِه، وهو مذهبُ الحَنفيَّةِ [855] ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (8/518)، ((الفتاوى الهندية)) (6/96). ، والحَنابِلةِ [856] يمنعُ الحنابلةُ الاستِئجارَ على القراءةِ للمَيتِ؛ لأنَّها قُربةٌ، وهذا يقتضي عدَمَ صحَّةِ الوَصيَّةِ به. ((الفروع)) لابن مُفلِح (3/431)، ((مطالب أولي النهى)) للرُّحَيْباني (3/637، 639). ، واختارَه ابنُ تَيميَّةَ [857] سُئل ابنُ تيميَّةَ عن رجُلٍ أوصى زوجتَه عندَ موتِه: أنَّها لا تُوهِب شَيئًا مِن مَتاعِ الدُّنيا لِمَن يَقرأُ القرآنَ ويُهدي له، وقد ادَّعى أنَّ في صَدرِه قرآنًا يَكفيه، ولم تكُنْ زوجتُه تَعلَمُ بأنَّه كان يَحفَظُ القرآنَ. فهل أصاب فيما أَوْصى؟ وقد قصَدَتِ الزَّوجةُ الموصَى إليها أنَّها تُعطِي شيئًا لِمَن يَستحِقُّه يَستعينُ به على سبيلِ الهَديَّةِ، ويقرأُ جزءًا مِن القرآنِ ويُهديه لمَيتِها. فهل يُفسَحُ لها في ذلك؟ فأجاب: (إنَّ إعطاءَ أُجرةٍ لِمَن يَقرأُ القرآنَ ويُهديه للميتِ بِدعةٌ، لم يُنقَلْ عن أحدٍ مِنَ السَّلفِ...). ((الفتاوى الكبرى)) (4/375). ويُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (31/315، 316). ،  والألبانيُّ [858] ذكَرَ الألبانيُّ أنَّ مِن بِدَعِ الجنائزِ: (الوَصيَّةَ باتِّخاذِ الطَّعامِ والضِّيافةِ يَومَ مَوتِه أو بعْدَه، وبإعطاءِ دَراهمَ مَعدودةٍ لِمَن يَتْلو القرآنَ لِرُوحِه، أو يُسبِّحُ له أو يُهَلِّلُ). ((أحكام الجنائز)) (ص: 256). ،  وابنُ بازٍ [859] قال ابنُ باز -في جوابِه عن سؤالٍ في بيانِ مَصرِفِ وَصيَّةِ مَن أَوْصى بقراءةِ القرآنِ له بعْدَ وفاتِه-: (غيرُ مشروعٍ قراءةُ القرآنِ للأمواتِ، ولكنْ هذه الأرضُ تُصرَفُ غَلَّتُها في جماعةِ تعليمِ القرآنِ، تُصرَفُ عنها للذين يُعلِّمون القرآنَ، ولها أجْرُها العظيمُ، تُعينُ جماعةَ القرآنَ في البلدِ، أو في أيِّ بلدٍ، تُصرَفُ الغَلَّةُ للقائمينَ بتعليمِ القرآنِ حتَّى يَستَعينوا بها في أُجورِ المدرِّسينَ، أو شِراءِ الكتبِ، ونحوِ ذلك، أمَّا يقرأُ للميتِ فلا). ((فتاوى نور على الدرب)) (19/430). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ [860] جاء في فتوى اللَّجنةِ الدَّائمةِ: (استِئجارُ مَن يَقرأُ قُرآنًا على نيَّةِ المَيتِ تنفيذًا لوصيَّتِه الَّتي أَوْصى بها مِن الأمورِ المُبتدَعةِ؛ فلا يَجوزُ ذلك، ولا يَصِحُّ؛ لِقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن عَمِل عملًا ليس عليه أمْرُنا فهو رَدٌّ»، وقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن أحدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليس مِنه فهو رَدٌّ». والمالُ الَّذي وصَّى به هذا الميتُ لِيُدفَعَ أجرةً لقارئٍ على نيَّتِه تُصرَفُ غلَّتُه في وُجوهِ الخَيرِ؛ فإن كان له ذُرِّيَّةٌ فُقراءُ تُصُدِّقَ عليهم منه بقَدرِ ما يَدفَعُ حاجتَهم، وهكذا مَن يَحتاجُ إلى المُساعَدةِ مِن مُتعلِّمي القرآنِ وطَلَبةِ العِلمِ الشَّرعيِّ؛ فإنَّهم جَديرون بالمُساعَدةِ مِن هذا المالِ، وهكذا بقيَّةُ وُجوهِ الخَيرِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (9/38). ، وهو الظَّاهرُ مِن قَولِ ابنِ عُثَيمينَ [861] قال ابنُ عُثيمين: (ما يَفعَلُه بعضُ النَّاسِ: يَستأجِرُ قارئاً يَقرأُ القرآنَ للميتِ؛ فإنَّ هذا مِنَ البِدَعِ، وليس فيه أجْرٌ، لا للقارئِ ولا للميتِ). ((فتاوى نور على الدرب)) (6/178). وقال: (ما يَفعَلُ بعضُ النَّاسِ مِنَ التِّلاوةِ للميتِ بعْدَ مَوتِه بأُجرةٍ، مِثلُ أن يُحضِرَ قارئًا يَقرأُ القرآنَ بأُجرةٍ؛ لِيَكونَ ثوابُه للمَيتِ؛ فإنَّ هذا بدعةٌ). ((فقه العبادات)) لابن عُثيمين (ص: 106).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِن السُّنةِ
عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيسَ عَليهِ أَمرُنا فهُوَ ردٌّ )) [862] أخرجه البخاريُّ معلَّقًا بصيغة الجَزمِ قبْلَ حديث (2142)، وأخرجه موصولًا مسلمٌ (1718).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الوَصيَّةَ بمالٍ لقِراءةِ القُرآنِ للمَيتِ ليس على أمْرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فهو بِدعةٌ، ولم يفعَلْها أحدٌ مِنَ الخُلَفاءِ [863] ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (8/518).
ثانيًا: لأنَّ القارِئَ إذا قرأَ لأجلِ المالِ فلا ثوابَ له؛ فلا شَيءَ له يُهديهِ إلى المَيتِ، وإنَّما يصِلُ إلى المَيتِ العملُ الصَّالِحُ [864] ((حاشية ابن عابدين)) (6/57).

انظر أيضا: