الموسوعة الفقهية

المبحث الخامس: المستحاضة غير المعتادة ولا المميِّزة


مَن لم تكُن لها عادةٌ ولا تمييزٌ صالِحٌ للدَّم، فإنَّها تعمَلُ بعادةِ غالِبِ النِّساء، فيكونُ حَيضُها ستَّةَ أيَّام أو سبعةً مِن كلِّ شهر، يبتدئُ مِن أوَّل المدَّةِ التي رأت فيها الدَّمَ، وما عداه استحاضةٌ، وهذا مَذهَبُ الحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/262)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/209). ، ووجه للشافعيَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/408)، وينظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (1/442). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (العادةُ الغالبة أنَّها تحيضُ رُبُعَ الزَّمانِ سِتَّةً أو سبعةً، وإلى ذلك ردَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المستحاضةَ التي ليس لها عادةٌ ولا تمييزٌ). ((مجموع الفتاوى)) (19/238). وقال أيضًا: (المستحاضة تُردُّ إلى عادتِها، ثمَّ إلى تمييزِها، ثمَّ إلى غالِبِ عادات النِّساء، كما جاءت في كلِّ واحدةٍ من هؤلاء سُنَّةٌ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد أخذ الإمامُ أحمد بالسُّنن الثَّلاث، فقال: الحيضُ يدورُ على ثلاثة أحاديثَ: حديثِ فاطمةَ بنتِ أبي حُبيش، وحديثِ أمِّ حبيبةَ، وحديث حَمْنَةَ، واختلفت الرِّوايةُ عنه في تصحيحِ حَديثِ حَمْنة). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 400). ، وابنُ رجب قال ابن رجب في القاعدة (159) (إذا تعارض الأصل والظَّاهر): (القِسم الثَّالث: ما عُمِل فيه بالظَّاهر، ولم يُلتفَت إلى الأصل، وله صُورٌ... ومنها: أنَّ المستحاضةَ المعتادةَ ترجِع إلى عادتِها، وإنْ لم تكُن لها عادةٌ فإلى تمييزِها، وإنْ لم يكن لها عادةٌ وتمييزٌ، رجَعت إلى غالِبِ عاداتِ النِّساءِ، وهي ستٌّ أو سَبعٌ على الصَّحيح؛ لأنَّ الظَّاهِرَ مساواتُها لهنَّ، وإن كان الأصلُ عدَم فراغِ حَيضِها حينئذٍ). ((القواعد)) (ص: 371). ، وابنُ باز قال ابن باز: (...أن تكون مُبتدَأةً، فعليها أن تجلِسَ ما تراه من الدَّمِ كلَّ شهر، فلا تصلِّي ولا تصومُ، ولا يحلُّ لزَوجِها جِماعُها، حتَّى تطهُر، إذا كانت المدَّة خمسةَ عشرَ يومًا أو أقلَّ، عند جمهور أهل العلم؛ فإن استمرَّ معها الدَّم أكثرَ من خمسةَ عشرَ يومًا، فهي مستحاضة، وعليها أن تَعتبِرَ نفسَها حائضًا ستَّة أيَّام، أو سبعةَ أيَّام بالتحرِّي والتأسِّي بما يحصُلُ لأشباهِها من قريباتها، إذا كان ليس لها تمييزٌ بين دمِ الحَيضِ وغيره). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/223). ، وابنُ عُثيمين قال ابن عثيمين: (الحالة الثالثة: ألَّا يكونَ لها حيضٌ معلوم، ولا تمييزٌ صالح، بأن تكونَ الاستحاضةُ مُستمرَّةً من أوَّل ما رأت الدَّمَ، ودمُها على صفةٍ واحدة أو على صفاتٍ مُضطربة، لا يمكنُ أن تكونَ حيضًا، فهذه تعملُ بعادة غالبِ النِّساء، فيكونُ حيضُها ستَّةَ أيَّام أو سبعةً من كلِّ شهر، يبتدئُ من أوَّل المدَّة التي رأت فيها الدَّمَ، وما عداه استحاضةٌ). ((رسالة في الدماء الطبيعية للنساء)) (ص42، 43). وقال أيضًا: (ترجع إلى عادة النِّساء؛ ستَّة أيَّام أو سبعة، من أوَّل وقتٍ أتاها الحيض فيه، فإذا قدِّرَ أنَّه أوَّل ما رأت هذا الدَّم في الخامِسَ عشر من الشَّهرِ، نقول: كلَّما جاء الخامس عشر من الشَّهر تجلِسُ ستَّة أيَّام أو سبعة، فإنْ قالت: نسيتُ متى أتاني الدَّم أوَّل مرَّةٍ، نقول: ترجِعُ إلى أوَّل شهرٍ هلاليٍّ، كلَّما دخلَ الشَّهر جلست ستَّة أيَّام أو سبعة، والباقي تصلِّي). ((الشرح الممتع)) (13/368). وقال أيضًا: (ترجِع إلى غالب عادة نسائها، على القول الرَّاجِح). الشرح الممتع (1/494).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن حَمْنةَ بنتِ جَحش رَضِيَ اللهُ عنها: أنَّها قالت: ((يا رسولَ الله، إنِّي أُستحاضُ حيضةً كبيرةً شديدةً؛ فما ترى فيها، قد منعتني الصَّلاةَ والصِّيام؟ فقال: أنعَتُ لك الكُرسُفَ قوله: ((أنعَتُ لك الكُرسف))، أي: أصِفُ لك استعمالَ القُطنِ، تضعينَه على الفرْج؛ فإنَّه يُذهِبُ الدَّمَ. ((الصحاح)) للجوهري (4/1421) ((رسالة في الدماء الطبيعية للنساء)) (ص: 43). ، قالت: هو أكثَرُ من ذلك)) وفيه قال: ((إنَّما هذا ركْضَةٌ من رَكَضاتِ الشَّيطان، فتحيَّضي ستَّةَ أيَّامٍ أو سبعةً في عِلم الله تعالى، ثمَّ اغتسلي حتَّى إذا رأيتِ أنَّكِ قد طهُرتِ واستنقَيتِ، فصلِّي أربعًا وعشرينَ، أو ثلاثًا وعشرينَ ليلةً وأيَّامَها، وصومي))، وفي رواية: ((تَلجَّمي وتحيَّضي في كلِّ شهرٍ في عِلم اللهِ ستَّةَ أيَّام، أو سبعةَ أيَّام قوله: ((ستَّة أيَّام أو سبعة)): ليس للتخييرِ، وإنما هو للاجتهادِ، فتنظر فيما هو أقربُ إلى حالِها ممَّن يشابِهُها خِلْقَةً، ويقارِبُها سِنًّا ورحمًا، وفيما هو أقربُ إلى الحيضِ مِن دَمِها، ونحو ذلك من الاعتباراتِ، فإنْ كان الأقربُ أن يكون ستَّةً، جعَلَته ستَّةً، وإنْ كان الأقربُ أن يكونَ سبعةً، جعَلَتْه سبعةً. ((رسالة في الدماء الطبيعية للنساء)) (ص: 43، 44)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) (1/408). )) رواه أبو داود (287)، والترمذي (128)، وابن ماجه (622)، وأحمد (27514). قال الإمام أحمد والبخاريُّ والترمذيُّ كما في ((سنن الترمذي)) (128): حسن صحيح، وصححه النووي في ((المجموع)) (2/533)، وقال محمَّد ابن عبد الهادي في ((المحرر)) (81): صحَّحه أحمد بن حنبل، وحسَّنه البخاري.
ثانيًا: أنَّ فيه اعتبارَ غالِبِ عادة النِّساء؛ والأصلُ إلحاقُ الفردِ بالأعمِّ الأغلَبِ ((مجموع الفتاوى)) (21/630).

انظر أيضا: