الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الثَّالثُ: شَهادةُ امرَأتَينِ مع يَمينِ المُوصَى له


اختلَفَ العُلماءُ في حُكمِ شَهادةِ امرَأتَينِ مع يَمينِ المُوصَى له؛ على قَولَينِ:
القولُ الأوَّلُ: تَصِحُّ شَهادةُ امرَأتَينِ على الوَصيَّةِ، وتَثبُتُ بها مع يَمينِ المُوصَى له، وهو مَذهبُ المالِكيَّةِ [524] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/187)، ((منح الجليل)) لعُلَيْش (8/450). ، واختارَهُ ابنُ حزمٍ [525] قال ابنُ حزمٍ: (لا يُقبَلُ في سائرِ الحقوقِ كلِّها؛ مِنَ الحُدودِ والدِّماءِ، وما فيه القِصاصُ، والنِّكاحِ، والطَّلاقِ، والرَّجعةِ، والأموالِ، إلَّا رجُلانِ مُسلِمانِ عَدلانِ؛ أو رجُلانِ وامرأتانِ كذلك، أو أربَعُ نِسْوةٍ كذلك، ويُقبَلُ في كلِّ ذلك -حاشا الحدودِ- رجُلٌ واحدٌ عدلٌ، أو امرأتانِ كذلك مع يمينِ الطَّالبِ). ((المحلى)) (8/476). ، وابنُ تَيميَّةَ [526] نقَله عنه تلميذُه ابنُ القيِّمِ، فقال: (الحُكم بشَهادةِ امرأتَينِ ويَمينِ المدَّعِي في الأموالِ وحقوقِها: وهذا مذهَبُ مالكٍ، وأحَدُ الوجهَينِ في مذهبِ الإمامِ أحمدَ، حكاه شَيخُنا واختارَه، وظاهِرُ القرآنِ والسُّنَّةِ يدُلُّ على صِحَّةِ هذا القَولِ؛ فإنَّ اللهَ سبحانه أقامَ المرأتَينِ مَقامَ الرجُلِ). ((الطرق الحكمية)) (ص 135). ويُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (31/293) و(35/394). ، وابنُ القيِّمِ [527] ((الطرق الحكمية)) لابن القيم (ص 135). ، والشَّوكانِيُّ [528] قال الشَّوكانيُّ: (اختَلَفوا: هل يَجوزُ الحُكمُ بشَهادةِ امرأتَينِ مع يمينِ المُدَّعي كما جازَ الحُكمُ برجُلٍ مع يَمينِ المُدَّعي؟ فذهَب مالكٌ والشَّافعيُّ إلى أنَّه يَجوزُ ذلك؛ لأنَّ اللهَ سبحانه قد جعَل المرأتَينِ كالرجُلِ في هذه الآيةِ. وذهَب أبو حنيفةَ وأصحابُه إلى أنَّه لا يَجوزُ ذلك. وهذا يَرجِعُ إلى الخِلافِ في الحُكمِ بشاهِدٍ مع يمينِ المُدَّعي، والحقُّ أنَّه جائزٌ؛ لِوُرودِ الدَّليلِ عليه، وهو زيادةٌ لم تخالِفْ ما في الكِتابِ العزيزِ؛ فيَتعيَّنُ قَبولُها). ((فتح القدير)) (1/346). ، وابنُ عُثَيمينَ [529] قال ابنُ عُثيمين: (المالُ يثبُتُ برَجُلينِ، وأربَعِ نِساءٍ، ورجُلٍ وامرأتَينِ، ورجُلٍ ويمينِ المدَّعي، وامرأتَينِ ويمينِ المُدَّعي). ((الشرح الممتع)) (15/453).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [البقرة: 282]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تعالى أقامَ المَرأتَينِ مقامَ الرَّجُلِ [530] ((الطرق الحكمية)) لابن القيم (ص 135).
ثانيًا: مِن السُّنةِ
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أَليسَ شَهادةُ المَرأةِ مِثلَ نِصفِ شَهادةِ الرَّجلِ؟ قُلْنَ: بلى )) [531] أخرجه مطوَّلًا البخاريُّ (304) واللفظُ له، ومسلمٌ (80) من حديث أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه.
وَجْهُ الدَّلالةِ:
دلَّ هذا الحَديثُ بمَنطوقِهِ على أنَّ شَهادَتَها وَحْدَها على النِّصفِ، وبمَفهومِه على أنَّ شَهادَتَها مع مِثلِها كشَهادةِ الرَّجُلِ [532] ((الطرق الحكمية)) لابن القيم (ص 135).
ثالثًا: لأنَّ قَبولَ شَهادَتِهِما لم يَكُن لمَعنَى الرَّجُلِ، بل لمَعنًى فيهِما، وهو العَدالةُ، وهذا مَوجودٌ فيما إذا انفَرَدَتَا، وإنَّما يُخشَى مِن سوءِ ضبطِ المَرأةِ وَحْدَها وحِفظِها؛ فقُوِّيَت بامرَأةٍ أُخرَى [533] ((الطرق الحكمية)) لابن القيم (ص 135).
القَولُ الثَّاني: لا تَصِحُّ شَهادةُ امرَأتَينِ حتَّى مع يَمينِ المُوصَى له، وهو مَذهبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّةِ [534] ((الهداية)) للمَرْغِيناني (3/116، 117). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/279). ، والشَّافعيَّةِ [535] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (13/50)، ((روضة الطالبين)) للنووي (11/287). ، والحَنابِلةِ [536] ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (3/600، 601)، ((مطالب أولي النهى)) للرُّحَيْباني (6/632).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِنَ الكِتابِ
قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ [البقرة: 282]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
نصَّتِ الآيةُ على اعتِبارِ شَهادةِ النِّساءِ مع الرِّجالِ، ولم تَدُلَّ على شَهادةِ النِّساءِ مُنفَرِداتٍ، وسِياقُ الآيةِ في الدَّينِ، وأُلحِقَ به سائرُ الأموالِ [537] ((مطالب أولي النهى)) للرُّحَيْباني (6/632).
ثانيًا: أنَّ شَهادةَ المَرأتَينِ ضَعيفةٌ؛ فقُوِّيَت بالرَّجُلِ، واليَمينُ ضَعيفةٌ؛ فلا يُضَمُّ ضَعيفٌ إلى ضَعيفٍ [538] ((الطرق الحكمية)) لابن القيم (ص 135).

انظر أيضا: