الموسوعة الفقهية

المَبحثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: الوَصيَّةُ بولايةِ النِّكاحِ


اختلَف العُلماءُ في الإيصاءِ بولايةِ النِّكاحِ؛ على قَولَين:
القَولُ الأوَّلُ: لا يصِحُّ الإيصاءُ بوِلايةِ النِّكاحِ، وهو مَذهبُ الحَنفيَّةِ [486] ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (4/204)، ((البناية)) للعَيْني (5/106)، ((حاشية ابن عابدين)) (3/79، 80). ، والشَّافعيَّةِ [487] ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص 194)، ((روضة الطالبين)) للنووي (6/315)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/90). ، والظاهريَّةِ [488] قال ابنُ حزمٍ: (وممَّن قال: لا مدخَلَ للوصيِّ في الإنكاحِ: أبو حنيفةَ، والشافِعيُّ، وأبو سُليمانَ، وأصحابُهم... ومَن أوصى إذا مات أن تُزوَّجَ ابنتُه البِكرُ الصغيرةُ أو البالغُ فهي وَصيَّةٌ فاسدةٌ لا يَجوزُ إنفاذُها). ((المحلى)) (9/46). ، ورِوايةٌ عن أحمدَ [489] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلِح (7/36)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (8/65). ، وهو قولُ بعضِ السلفِ [490] قال ابنُ قُدامةَ: (وعنه: لا تُستفادُ بالوَصيَّةِ. وبه قال الثَّوْريُّ، والشَّعبيُّ، والنَّخَعيُّ، والحارثُ العُكْليُّ). ((المغني)) (7/20). ويُنظر: ((شرح السنة)) للبَغَوي (9/37، 38)، ((البناية)) للعَيْني (5/106). ، وهو اختيارُ الشَّوكانيِّ [491] قال الشَّوكانيُّ: (وأمَّا إثباتُ الولايةِ لوصيِّ مَن إليه الولايةُ فلا أراه صحيحًا؛ لأنَّ الولايةَ إنَّما هي للأولياءِ الأحياءِ، ومَن مات منهم انقطعَت ولايتُه بمَوتِه؛ فلا تثبُتُ ولايةٌ لوصيِّه في النِّكاحِ). ((السيل الجرار)) (ص: 358).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِن السُّنةِ
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا نِكاحَ إلَّا بوَلِيٍّ )) [492] أخرجه أبو داود (2085)، والترمذيُّ (1101)، وابن ماجه (1881)، وأحمدُ (19518) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. صحَّحه ابنُ مَعِينٍ كما في ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (5/48)، وعليُّ بنُ المَدِينيِّ كما في ((السنن الصغير)) للبيهقي (3/17)، وابنُ القيِّمِ في ((تهذيب السنن)) (6/102)، وابنُ المُلَقِّنِ في ((البدر المنير)) (7/543)، وابنُ حجَرٍ في ((موافقة الخُبْرِ الخَبَرَ)) (2/372): والألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1881)، والوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (822)، وقال: (ولا يُعَلُّ بإرسالِ مَن أرسَلَه).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الوَلِيَّ شرطٌ لصِحَّةِ النِّكاحِ، والوَصيُّ ليس بوَلِيٍّ [493] ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (4/204).
ثانيًا: لأنَّها وِلايةٌ لها مَن يَستحِقُّها بالشَّرعِ؛ فلم يَملِكْ نَقْلَها بالوَصيَّةِ، كالحَضانةِ [494] ((الكافي)) لابن قُدامة (2/267).
القَولُ الثَّاني: يصِحُّ الإيصاءُ بوِلايةِ النِّكاحِ، وهو مَذهبُ المالِكيَّةِ [495] ((الكافي)) لابن قُدامة (2/1032)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/223) و(4/451)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/43، 369). ، والحَنابِلةِ [496] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلِح (7/36)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/222)، (8/65). ، ورِوايةٌ عن أبي حَنيفةَ [497] ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (3/135)، ((حاشية ابن عابدين)) (3/80). ، وهو قَولُ بعضِ السَّلفِ [498] وهو قولُ الحسَنِ، وحمَّادِ بنِ أبي سُلَيمانَ، وابنِ أبي ليلى، وشُرَيحٍ. يُنظر: ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (4/204)، ((شرح السنة)) للبغوي (9/38)، ((المغني)) لابن قُدامة (7/20). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ [499] جاء في فتوى اللَّجنةِ الدَّائمةِ: (الولايةُ على المرأةِ في عقدِ النِّكاحِ تكونُ للأبِ، ثمَّ لِوَصيِّهِ فيه، ثمَّ للجَدِّ مِن قِبَلِه، ثمَّ لبقيَّةِ العَصَبةِ الأقرَبِ فالأقرَبِ كالميراثِ، وعدَمُ قيامِ الأبِ بالإنفاقِ على ابنتِه لا يُسقِطُ ولايتَه عليها). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (18/144).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّها وِلايةٌ ثابِتةٌ، فجازَتِ الوَصيَّةُ بها، كوِلايةِ المالِ [500] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلِح (7/36).
ثانيًا: لأنَّ له أن يَستَنيبَ في حياتِه، فكذا بعدَ مَماتِه، كالمالِ [501] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلِح (7/36).
ثالثًا: لأنَّ وَصِيَّ كلِّ وَلِيٍّ يقومُ مَقامَه، فهو كالوكيلِ [502] ((المغني)) لابن قُدامة (7/20).

انظر أيضا: