الموسوعة الفقهية

المبحثُ الرابعُ: الوصيةُ للغَنيِّ


تَجوزُ الوَصيةُ للغَنيِّ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحنَفيَّةِ [297] ((البناية)) للعَيْني (13/473)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/648). ، والمالكيَّةِ [298] ((التاج والإكليل)) للمَوَّاق (6/375)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (3/296)، (4/423)، ((منح الجليل)) لعُلَيْش (9/504، 505، 529). ، والشَّافعيَّةِ [299] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/21)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/40). ، والحنابلةِ [300] ((مطالب أولي النهى)) للرُّحَيْباني (4/447). ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (6/180).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِن السُّنةِ
عن إسحاقَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبي طَلحةَ، أنَّه سَمِعَ أنسَ بنَ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه يقولُ: ((كان أبو طلْحةَ أكثرَ الأنصارِ بالمدينةِ مالًا مِن نخلٍ، وكان أحَبُّ أموالِه إليه بَيْرُحاءَ، وكانت مُستقبِلةَ المسجدِ، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَدخُلُها ويَشرَبُ مِن ماءٍ فيها طيِّبٍ، قال أنسٌ: فلمَّا أُنزِلتْ هذه الآيةُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92] قام أبو طَلحةَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ تَباَرك وتَعالى يقولُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وإنَّ أحبَّ أموالي إلَيَّ بَيْرُحاءُ، وإنَّها صدَقةٌ للهِ، أرْجو بِرَّها وذُخرَها عندَ اللهِ، فضَعْها يا رسولَ اللهِ حيثُ أراك اللهُ، قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: بَخْ، ذلك مالٌ رابحٌ، ذلك مالٌ رابحٌ، وقد سمِعتُ ما قلتَ، وإنِّي أرى أنْ تَجعَلَها في الأقربينَ. فقال أبو طَلحةَ: أفعَلُ يا رسولَ اللهِ. فقسَمها أبو طَلحةَ في أقاربِه، وبني عمِّه )) [301] أخرجه البخاري (1461) واللفظُ له، ومسلم (998).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه أمَرَه بتَقسيمِ هذه الصَّدقةِ على أقاربِ أبي طَلحةَ، ولم يَخُصَّ بها الفقراءَ، وفيهم أغنياءُ [302] ((التمهيد)) لابن عبد البر (1/207، 208). ، والوصيَّةُ كالصَّدقةِ.
ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حثَّ على الهديَّةِ وإنْ كانت لِغَنيٍّ [303] ((المغني)) لابن قُدامة (6/180). ، والوصيَّةُ كالهديَّةِ.
ثالثًا: لأنَّ العُلماءَ اتَّفقوا على جَوازِ إعطاءِ صَدقةِ التَّطوُّعِ للأغنياءِ [304] ((المجموع)) للنووي (6/239). ، والوصيَّةُ كالصَّدقةِ.

انظر أيضا: