الموسوعة الفقهية

المبحثُ الثالثُ: وقْتُ اعتِبارِ ثُلثِ الوصيَّةِ


اختلَفَ العلماءُ في اعتبارِ وقْتِ ثلُثِ الوصيَّةِ؛ على قَولينِ:
القولُ الأولُ: يُعتبَرُ وقتُ ثلُثِ الوصيَّةِ بالمَوتِ، وهو مَذهبُ الشافعيَّةِ [43] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/22، 23)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/47). ، والحنابلةِ [44] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلِح (6/61)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (4/377). ، وهو قولُ علِيِّ بنِ أبي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنه، وجَماعةٍ منَ التابعينَ [45] قال ابنُ حجرٍ: (واختَلَفوا أيضًا: هل يُعتبَرُ ثُلثُ المالِ حالَ الوصيَّةِ، أو حالَ الموتِ؟ على قولينِ... وقال بالثاني أبو حَنيفةَ، وأحمدُ، والباقون، وهو قولُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنه، وجماعةٍ مِن التابعينَ). ((فتح الباري)) (5/369). ، وهو اختيارُ الشَّوكانيِّ [46] قال الشوكانيُّ: (قولُه: «ومَن أوصَى ولا يَملِكُ شَيئًا» إلخ، فوجهُه: أنَّ وقتَ المَوتِ هو وقتُ النُّفوذِ؛ فالاعتِبارُ به وُجودًا أو عدَمًا، وزِيادةً ونقصًا). ((السيل الجرار)) (ص: 927). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدائمةُ [47] جاء في فتوى اللجنة الدائمة: (إذا كان الواقعُ كما ذُكِر مِن زيادةِ ثُلثِ المالِ يومَ وَفاتِه عن تقديرِه يومَ أنْ أَوْصى، فالمُعتَبرُ مِقدارُ ثُلُثِ مالِه يومَ وفاتِه، لا يومَ صُدورِ الوصيَّةِ عنه بالثُّلثِ؛ فيكونُ مِقدارُ الوصيةِ فيما ذُكِر في السؤالِ مئتَيْ ألفِ لِيرةٍ سُورية؛ لأنَّ الوصيَّةَ واجِبةُ التَّنفيذِ بعدَ مَوتِ المُوصِي لا قبْلَه). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/298).
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّ الوصيَّةَ تَمليكٌ بعْدَ المَوتِ، فلو أوْصى بعَبدٍ ولا عبْدَ له، ثمَّ مَلَكَ عندَ الموتِ عبدًا؛ تعلَّقتِ الوصيَّةُ به، ولو زاد مالُه تَعلَّقتِ الوصيَّةُ به [48] ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/47)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (6/55).
ثانيًا: لأنَّ المَوتَ هو حالُ لُزومِ الوصيَّةِ؛ فيُعتبَرُ قِيمةُ المالِ فيه [49] ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (4/377).
القولُ الثاني: يُعتبَرُ وقتُ ثُلُثِ الوصيَّةِ عندَ القِسمةِ، وهو مَذهبُ الحنَفيَّةِ [50] ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (29/13)، ((البناية)) للعَيْني (11/408). ، والمالكيَّةِ [51] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/227)، ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (4/439)، ((منح الجليل)) لعُلَيْش (9/513). ؛ وذلك لأنَّ حقَّ الموصَى له في الثلُثِ بمَنزلةِ حقِّ الورَثةِ في الثلُثينِ، وإنَّما يتِمُّ سَلامةُ الثُّلُثينِ للورَثةِ عندَ القِسمةِ؛ فكذلك سَلامةُ الثلُثِ للموصَى له [52] ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (29/13)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/393).

انظر أيضا: