الموسوعة الفقهية

الفصلُ الثالثُ: إثباتُ الوقْفِ بالنُّكولِ عن اليمينِ [723] النُّكولُ هو: الامتِناعُ عن اليمينِ إذا استحَلَفه القاضي


يَثبُتُ الوقفُ بالنُّكولِ عن اليمينِ، وهو مَذهبُ الحنَفيَّةِ [724] ((مختصر اختلاف العلماء)) للطَّحاوي (3/384)، ((الفتاوى الهندية)) (4/14). ، والحَنابلةِ [725] ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (6/338)، ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (6/519). ، واختارَهُ ابنُ تَيميَّةَ [726] فصَّلَ ابنُ تيميَّةَ في الأمرِ: إذا كان المدَّعى عليه مُنفرِدًا بمعرفةِ الحالِ، فيُقْضى عليه بالنُّكولِ، أمَّا إذا كان المدَّعي هو المنفرِدَ بالعِلمِ بالحالِ، أو كان ممَّا لا يَخفى عليه عِلمُها؛ رُدَّت عليه اليمينُ، فقال: (إنْ كان المنكِرُ هو العالِمَ دونَ المدَّعي، كما إذا ظهَرَ في المَبيعِ عَيبٌ وقد بِيعَ بالبراءةِ، فقال المشتري: أنا لم أعلَمْ به؛ فإنَّه هنا يُقال له كما قال عُثمانُ بنُ عفَّانَ لابنِ عمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما: «احلِفْ أنَّك بِعْتَه وما به داءٌ تَعلَمُه». فإنْ حلَفَ، وإلَّا قُضِيَ عليه بالنُّكولِ كما قَضى عُثمانُ على ابنِ عمَرَ بالنُّكولِ. وإنْ كان المدَّعي يقولُ: إنَّه يَعلَمُ ما ادَّعى به، كمَنِ ادَّعى على آخَرَ دَينًا أو عَينًا، فقال: أنا لا أعلَمُ ما ادَّعَيْتَه، احلِفْ وخُذْ، فإنْ لم يَحلِفْ لم يُعطَ شيئًا). ((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)) (6/466). ، وابنُ القيِّمِ [727] فصَّل ابنُ القيِّمِ في الأمرِ: إذا كان المدَّعى عليه مُنفرِدًا بمعرفةِ الحالِ، فيُقْضى عليه بالنُّكولِ، أمَّا إذا كان المدَّعي هو المنفرِدَ بالعِلمِ بالحالِ، أو كان ممَّا لا يَخفى عليه عِلمُها؛ رُدَّت عليه اليمينُ، فقال: (على أنَّ المدَّعى عليه متى نَكَلَ عن اليمينِ قُضِيَ عليه بالنُّكولِ، ولم تُرَدَّ اليمينُ على المدَّعي، لكنْ هذا فيما إذا كان المدَّعى عليه مُنفرِدًا بمَعرفةِ الحالِ، فإذا لم يَحلِفْ مع كَونِه عالمًا بصُورةِ الحالِ، قُضِيَ عليه بالنُّكولِ. وأمَّا إذا كان المدَّعي هو المنفرِدَ بالعِلمِ بالحالِ، أو كان ممَّا لا يَخْفى عليه عِلمُها؛ رُدَّت عليه اليمينُ. فمِثالُ الأولِ: قَضيَّةُ ابنِ عمَرَ هذه؛ فإنَّه هو العالِمُ بأنَّه هل كان يَعلَمُ العَيبَ أو لا يَعلَمُه، بخِلافِ زَيدِ بنِ ثابتٍ؛ فإنَّه لا يَعلَمُ عِلمَ ابنِ عمَرَ بذلك، ولا عدَمَ عِلمِه؛ فلا يُشرَعُ ردُّ اليمينِ عليه. ومثالُ الثاني: إذا ادَّعى على وارثِ مَيتٍ أنَّه أقرَضَ مُورِّثَه مئةَ دِرهمٍ، أو باعَهُ سِلعةً ولم يُقبِضْه ثمَنَها، أو أودَعَهُ وَديعةً، والوارِثُ غائبُ لا يَعلَمُ ذلك، وسأَلَ إحلافَه، فنَكَلَ عن اليمينِ؛ لم يُقْضَ عليه بالنُّكولِ، ورُدَّت اليمينُ على المدَّعي؛ لأنَّه مُنفرِدٌ بعِلمِ ذلك، فإذا لم يَحلِفْ لم يُقْضَ له). ((إعلام الموقعين)) (3/306). ، وابنُ عُثيمينَ [728] قال ابنُ عُثيمين: (قولُه: «وإنْ نَكَلَ قَضَى عليه» «إنْ نَكَلَ» يعني امتنَعَ المدَّعى عليه عن اليمينِ؛ قَضى عليه القاضي. لكن هل يَقْضي عليه فورًا؟ لا؛ يقولُ المؤلِّفُ: «فيقولُ: إنْ حلَفْتَ، وإلَّا قضَيتُ عليك» «إنْ حلَفْتَ» فِعلُ الشَّرطِ، وجوابُ الشرطِ مَحذوفٌ، تَقديرُه: خلَّيتُ سَبيلَك، وإلَّا تَحلِفْ قَضَيتُ عليك، فربَّما إذا قال له هذا القولَ يَخافُ فيَحلِفُ؛ ولهذا لا بُدَّ أنْ يقولَ له القاضي هذا القولَ، ولا يَكتفي بمُجرَّدِ نُكولهِ. قولُه: «فإنْ لم يَحلِفْ قَضى عليه» وإنْ حلَفَ خلَّى سبيلَه). ((الشرح الممتع)) (15/320). ؛ وذلك لأنَّها بيِّنةٌ في المالِ، فحُكِمَ فيها بالنُّكولِ، كما لو مات مَن لا وارثَ له، فوَجَدَ الإمامُ في دَفترِه دَينًا له على إنسانٍ، فطالَبَهُ به، فأنْكَرَه، وطلَبَ منه اليمينَ، فأنْكَرَه [729] ((المغني)) لابن قُدامة (10/211).

انظر أيضا: