الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الأولُ: وقْفُ المنافِعِ


يصِحُّ وقْفُ المنفعةِ وحْدَها [602] كأن يَقِفَ ثمرَ شجرٍ أو بُستانٍ، أو مَنفعةَ عَينٍ مستأجَرةٍ؛ كالدارِ. ويُقاسُ على ذلك بعضُ المسائلِ المعاصرةِ؛ كوقفِ الحقوقِ المعنويَّةِ: وقْفِ حقوقِ التأليفِ والابتِكارِ أو الاختراعِ، ووقْفِ الأسماءِ أو العلاماتِ التِّجاريَّةِ، والوقْفِ الرَّقمي؛ وهو كلُّ ما أُنشِئَ أو وُضِعَ في الأجهزةِ الرقميَّةِ الحديثةِ -كالحاسِبِ والجوَّالِ- من مُحتوياتٍ؛ كالكتبِ ومواقعِ الشبكةِ العَنكبوتيَّةِ، والوسائطِ المرئيَّةِ والمسموعةِ، وغيرِها. يُنظر: ((قرارات منتدى قضايا الوقف الفقهية الثالث المعقود في المدة 11-13 ربيع الثاني 1428هـ بالكويت)) (ص: 405)، ويُنظر للتوسع: كتاب ((الأوقاف الرقمية وأحكامها الفقهية)) لسهيل بن سليمان الشايع (ص: 29). ، وهو مَذهبُ المالكيَّةِ [603] لا يُشترَطُ عندَ المالكيَّةِ التأبيدُ في الوقفِ، ويجوزُ وقْفُ المنفعة التي تَنتهي؛ كإجارة أرضٍ لبناءِ مسجدٍ عليها مدَّةً معلومةً، وأجازوا أيضًا وقْفَ الطعامِ والشَّرابِ، ويكونُ وقْفُها بإقراضِها، ويُنزَّلُ ردُّ بدَلِ القرضِ مَنزلةَ بقاءِ العَينِ، أمَّا وقْفُ الطعامِ مع بقاءِ عينِه فلا يَجوزُ عندَهم. ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (4/76)، ((منح الجليل)) لعُلَيْش (8/111، 110). ، واختارَهُ ابنُ تَيميَّةَ [604] قال ابن تيميَّةَ: (ولو وقَفَ منفعةً يملِكُها -كالعبد الموصَى بخِدمتِه، أو منفعةِ أُمِّ ولدِه في حياتِه، أو منفعة العَينِ المستأجَرةِ- فعلَى ما ذَكَره أصحابنُا لا يصِحُّ. قال أبو العبَّاسِ: وعِندي هذا ليس فيه فِقهٌ؛ فإنَّه لا فرْقَ بيْن وقفِ هذا ووقْفِ البناءِ والغِراسِ، ولا فرْقَ بيْن وقْفِ ثوبٍ على الفقراء يَلبَسونه، أو فرَسٍ يَركَبونه، أو رَيحانٍ يشُمُّه أهلُ المسجدِ، وطِيبُ الكعبةِ حُكْمُه حُكمُ كِسوتِها؛ فعُلِمَ أنَّ الطِّيبَ منفعةٌ مقصودة، لكنْ قد يَطولُ بقاءُ مدَّةِ التطيُّبِ، وقد يَقصُر، ولا أثَرَ لذلك). ((الفتاوى الكبرى)) (5/426). ، وابنُ عُثيمين [605] قال ابن عُثيمين: (فالصَّوابُ أنَّه يَجوزُ وقْفُ الشَّيءِ الذي لا يُنتفَعُ به إلَّا بتلَفِه، فإذا قال: هذاالجِرابُ مِن التَّمرِ وقْفٌ على الفقراءِ، قُلْنا: جزاك اللهُ خيرًا، وقَبِل منك، وهو بمَنزلةِ الصدَقةِ. وهذا اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّةَ رحمه الله، وهو الصَّوابُ؛ أنَّه يجوزُ وقْفُ الشَّيءِ الذي يُنتفَعُ به مع تلَفِ عَينِه). ((الشرح الممتع)) (11/18). ؛ وذلك لأنَّ المقصودَ مِن الوقْفِ المنفعةُ، فلا فرْقَ بيْنَ كَونِها منفعةَ عَينٍ دائمةً، وبيْنَ كونِها مَنفعةً مُؤقَّتةً؛ لعدَمِ الدليلِ [606] ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيميَّة (5/426).

انظر أيضا: