الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الأولُ: وقْفُ النُّقود


يصِحُّ وقْفُ النُّقودِ، وهو مَذهبُ المالكيَّةِ [588] ويكون وقْفُها بإقراضِها، ويُنزَّلُ ردُّ بدَلِ القرضِ مَنزلةَ بقاءِ العَينِ. ((التاج والإكليل)) للمَوَّاق (6/21)، ((الشرح الكبير)) للدَّرْدِير (4/77)، ((منح الجليل)) لعُلَيْش (8/112)، ((كشاف القِناع)) للبُهُوتي (4/244). ، وقولٌ للحنفيَّةِ [589] بِناءً على جوازِ وقْفِ المنقولِ، وهو قولُ محمَّدِ بنِ الحسَنِ، ويَكونُ وقْفُها بإقراضِها، أو بأن تُدفَعَ مُضارَبةً إلى مَن يَعمَلُ بها، ويُوقِفَ رِبحَها. ((البناية)) للعيني (7/441)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/363). ويُنظر: ((درر الحكام)) لمُلَّا خُسْرُو (2/137). ، ووجْهٌ للشافعيَّةِ [590] ((روضة الطالبين)) للنووي (5/315)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/377). ، ورِوايةٌ عن أحمدَ [591] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/11، 10). ، واختارَهُ ابنُ تيميَّةَ [592] قال ابن تَيميَّةَ: (ولو قال الواقفُ: وقفتُ هذه الدراهمَ على قرْضِ المحتاجينَ، لم يكنْ جوازُ هذا بعيدًا، وإذا أطلَقَ وقْفًا لنَقدينِ ونحوِهما ممَّا يمكِنُ الانتِفاعُ ببَدلِه، فإنَّ منْعَ صِحَّةِ هذا الوقفِ فيه نظَرٌ، خصوصًا على أصْلِنا؛ فإنَّه يجوزُ عندَنا بيعُ الوقفِ إذا تعطَّلت منفعتُه، وقد نصَّ أحمدُ في الذي حبَس فرسًا عليها حِليةٌ محرَّمةٌ: أنَّ الحِليةَ تُباعُ ويُنفَقُ عليها، وهذا تصريحٌ بجوازِ وقْفِ مِثلِ هذا). ((الفتاوى الكبرى)) (5/425، 426). ويُنظر: ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/11). ، وهو قرارُ مَجمَع الفِقهِ الإسلاميِّ [593] جاء في قراراتِ مجْمعِ الفقهِ الإسلاميِّ، قرار رقْم 140 (6/15) بشأن الاستثمارِ في الوقف وفي غَلاتِه ورَيْعِه، ما يلي: (وقْفُ النقودِ جائزٌ شرعًا؛ لأنَّ المقصَدَ الشرعيَّ من الوقفِ -وهو حبْسُ الأصلِ وتَسبيلُ المنفعةِ- مُتحقِّقٌ فيها، ولأنَّ النُّقودَ لا تَتعيَّن بالتعيينِ، وإنَّما تَقومُ أبدالُها مقامَها. يَجوزُ وقْفُ النُّقودِ للقرْضِ الحسَنِ، وللاستِثمارِ: إمَّا بطريقٍ مباشرٍ، أو بمُشارَكةِ عددٍ مِنَ الواقفينَ في صندوقٍ واحدٍ، أو عن طريقِ إصدارِ أسهُمٍ نَقديَّةٍ وقْفيَّةٍ؛ تَشجيعًا على الوقفِ، وتحقيقًا للمُشارَكةِ الجماعيَّةِ فيه. إذا استُثْمِر المالُ النَّقديُّ الموقوفُ في أعيانٍ -كأن يشتريَالناظرُ به عقارًا، أو يَستصنِعَ به مَصنوعًا- فإنَّ تلك الأصولَ والأعيانَ لا تكونُ وقْفًا بِعَيْنِها مكانَ النقْدِ، بل يجوزُ بَيعُها لاستِمرارِ الاستِثمارِ، ويكونُ الوقفُ هو أصلَ المبلغِ النقديِّ). ((الموقع الرسمي لمجمع الفقه الإسلامي)). ، واختيارُ ابنِ عُثيمين [594] قال ابنُ عُثيمين: (فإنْ وقَف دراهمَ للقَرضِ، وقال: هذه وقْفٌ لإقراضِ المحتاجينَ، فهل يصِحُّ أو لا يصِحُّ؟ على المذهبِ: لا يصِحُّ؛ لأنَّه لا يمكِنُ أن يُنتفَعَ بالدراهمِ إلا بتلَفِها، يأخُذُها المستقرِضُ ويشتري بها حاجاتِه، فتَتلَفُ. والصَّحيحُ: أنَّ هذا جائزٌ؛ لأنَّه إذا جاز وقْفُ المعيَّنِ الذي يَتلَفُ بالانتِفاعِ به، فوقْفُ مِثلِ هذا مِن بابِ أَولى؛ لأنَّه إذا استَقرَضه سيَرُدُّ بدَلَه ويكونُ دائمًا. إذَنِ الصوابُ جوازُ وقْفِ الدَّراهمِ لإقراضِها المحتاجينَ، ولا حرَجَ في هذا، ولا دليلَ على المنْعِ، والمقصودُ إسداءُ الخَيرِ إلى الغَيرِ). ((الشرح الممتع)) (11/18).
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّ الدَّراهمَ لا تَتعيَّنُ بالتَّعيينِ، فهي وإنْ كانت لا يُنتفَعُ بها مع بقاءِ عَينِها، لكنَّ بدَلَها قائمٌ مقامَها؛ لعدَمِ تعيُّنِها، فكأنَّها باقيةٌ [595] ((حاشية ابن عابدين)) (4/364).
ثانيًا: أنَّ المقصدَ الشرعيَّ مِن الوقْفِ هو حبْسُ الأصلِ وتَسبيلُ المنفعةِ، وهو مُتحقِّقٌ في وقْفِ النُّقود [596] ((الموقع الرسمي لمجمع الفقه الإسلامي)).

انظر أيضا: