الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: وَقفُ المالِ الحرامِ المأخوذِ بغيرِ رِضا صاحِبِه


لا يَصِحُّ وَقفُ المالِ الحرامِ المأخوذِ بغيرِ رضا صاحِبِه؛ كالمسروقِ، والمَغصوبِ، ويَجِبُ رَدُّه إلى صاحِبِه أو إلى وَرَثتِه، ويُتصَدَّقُ به إذا تعَذَّرَ رَدُّه لصاحِبِه [511] وذلك على الفُقَراءِ والمساكينِ، وفي مصالحِ المُسلِمينَ العامَّةِ، ومنها: صَرفُه في الأوقافِ، وهذا على سبيل التخَلُّصِ منه، وليس على سبيلِ القُربةِ.  سُئلَ الإمامُ أحمد: (عَمَّن بيَدِه أرضٌ أو كَرمٌ ليس أصلُه طَيِّبًا ولا يَعرِفُ رَبَّه. فقال: يُوقِفُه على المساكينِ). ((الفروع)) لابن مفلح (7/249). وقال عمَّن غَصَب شَيئًا وجَهِلَ صاحِبَه: (يتصَدَّقُ أو يَشتري به كُراعًا أو سِلاحًا يُوقِفُه، هو مصلحةٌ للمسلمينَ). ((الفروع)) لابن مفلح (4/384). ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [512] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/27)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/385). ، والمالكيَّةِ [513]((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (3/12)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/419). ويُنظر: ((شرح التلقين)) للمازري (2/96)، ((الذخيرة)) للقرافي (13/320)، ((المدخل)) لابن الحاج (2/22). ، والشَّافعيَّةِ [514] ((المجموع)) للنووي (9/351). ، والحنابلةِ [515] ((الفروع)) لابن مفلح (4/ 398) و (7/248، 249)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (4/67). ، وهو قَولُ طائفةٍ مِن السَّلَفِ [516] قال النووي: (... ونقَلَه الغزالي أيضًا عن معاويةَ بنِ أبي سفيانَ وغَيرِه مِنَ السَّلَفِ، عن أحمدَ بنِ حَنبلٍ والحارثِ المحاسبيِّ وغَيرِهما من أهلِ الوَرَعِ؛ لأنَّه لا يجوزُ إتلافُ هذا المالِ ورَميُه في البَحرِ، فلم يَبْقَ إلَّا صَرفُه في مصالحِ المسلمينَ. واللهُ سبحانه وتعالى أعلمُ). ((المجموع)) (9/351). وهو قولُ عطاءٍ، والزُّهْريِّ، ومجاهِدٍ. يُنظر: ((مصنف ابن أبي شيبة)) (4/561). ، ونُقِلَ الإجماعُ على وُجوبِ رَدِّ المغصوبِ لصاحِبِه [517] قال ابنُ حزم: (ومَن غَصَب دارًا فتهَدَّمت كُلِّفَ رَدَّ بِنائِها كما كان، ولا بُدَّ...  وهو... وإجماعِ أهلِ الإسلامِ مأمورٌ برَدِّها في كلِّ وَقتٍ إلى صاحِبِها). ((المحلى)) (6/441). وقال ابنُ رُشدٍ: (الواجِبُ على الغاصِبِ إن كان المالُ قائمًا عندَه بعَينِه لم تَدخُلْه زيادةٌ ولا نُقصانٌ: أن يَرُدَّه بعَينِه، وهذا لا خلافَ فيه). ((بداية المجتهد)) (2/317). وقال ابنُ قُدامةَ: (مَن غَصَب شيئًا لَزِمَه رَدُّه ما كان باقيًا، بغيرِ خِلافٍ نَعلَمُه). ((المغني)) (5/177). وقال ابنُ عادل: (أجمع المسلِمونَ على أنَّه لا يجوزُ للغاصِبِ أن يُنفِقَ [مِمَّا أخَذَه]، بل يجِبُ رَدُّه). ((اللباب في علوم الكتاب)) (1/292).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ[النساء: 29]
ثانيًا: مِن السُّنة
1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ الله عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَطَب النَّاسَ يومَ النَّحرِ، فقال: ((فإنَّ دِماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحُرمةِ يَومِكم هذا، في بَلَدِكم هذا، في شَهْرِكم هذا )) [518] أخرجه البخاري (1739).
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من كانت له مَظلَمةٌ لأحَدٍ مِن عِرْضِه أو شَيءٍ فلْيَتحَلَّلْه منه اليومَ قبل ألَّا يَكونَ دِينارٌ ولا دِرْهمٌ! إن كان له عَمَلٌ صالحٌ أُخِذَ منه بقَدْرِ مَظلَمَتِه، وإن لم تَكُنْ له حَسَناتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئاتِ صاحِبِه فحُمِلَ عليه! )) [519] أخرجه البخاري (2449).
ثالثًا: لأنَّ حَقَّ المغصوبِ منه متعَلِّقٌ بعَينِ مالِه وماليَّتِه، ولا يتحَقَّقُ ذلك إلَّا برَدِّه [520] ((المغني)) لابن قدامة (5/177).
رابعًا: أنَّ تصَدُّقَه به عن صاحِبِ المالِ إذا جَهِلَه؛ لأنَّ المالَ يُرادُ لمَصلحةِ المعاشِ أو المعادِ، ومَصلحةُ المعادِ أَولى المصلحتَينِ، وقد تعَيَّنَت هاهنا لتعَذُّرِ الأُخرى [521] ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/114).

انظر أيضا: