الموسوعة الفقهية

المطلَبُ الأولُ: الوقْفُ على النفْسِ


يصِحُّ وقْفُ الإنسانِ على نفْسِه، وهو المُفْتَى به عندَ الحنفيَّةِ [250] وهو قول أبي يوسفَ، واعتمَده الحنفيَّةُ. ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (5/238)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/384). ، وقولُ طائفةٍ مِن الشافعيَّةِ [251] ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/380). ويُنظر: ((النجم الوهاج)) للدَّمِيري (5/466). ، وروايةٌ عن أحمدَ اختارَها طائفةٌ مِن أصحابِه [252] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/15)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/402). ، وهو قولُ طائفةٍ مِن السلَفِ [253] منهم: ابنُ أبي ليلى، وابنُ شُبْرُمةَ، ومحمَّدُ بنُ عبدِ الله الأنصاريُّ شيخُ البُخاريِّ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/403)، ((تكملة المجموع)) للمطيعي (15/330). ، واختيارُ ابنِ حزْمٍ [254] قال ابنُ حزم: (وجائزٌ للمَرءِ أن يَحبِسَ على مَن أحَبَّ، أو على نفْسِه، ثمَّ على مَن شاء). ((المحلى)) (8/149). ،وابنِ تَيميَّةَ [255] قال ابنُ تيميَّةَ: (ويصِحُّ الوقفُ على النفْسِ، وهو أحدُ الروايتَينِ عن أحمدَ، واختارها طائفةٌ مِن أصحابِه). ((الفتاوى الكبرى)) (5/425). ويُنظر: ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/16). ، وابنِ القيِّمِ [256] قال ابن القيِّمِ: (يصِحُّ وَقْفُ الإنسانِ على نفْسِه، على أصحِّ الروايتَينِ، ويَجوزُ اشتِراطُالنظَرِ لنفْسِه، ويجوزُ أن يَستثنيَ الإنفاقَ منه على نفْسِه ما عاشَ، أو على أهْلِه، وغيرُنا يُنازِعُنا في ذلك). ((إغاثة اللهفان)) (2/715). ، وابنِ عُثيمين [257] قال ابن عُثيمين: (القولُ الثاني: أنَّه يصِحُّ الوقفُ على النفْسِ، اختارَه شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ رحمه الله، وجماعةٌ مِنَ العلماءِ المحقِّقينَ؛ لأنَّ الوقفَ على النفْسِ فيه فائدةٌ، وهي الامتِناعُ مِنَ التصرُّفِ فيه؛ فلا يَبيعُه ولا يَهَبُه ولا يَرْهَنُه، وأنَّه إذا مات صُرِف مَصرفَ الوقفِ المنقطِعِ، ولم يكُنْ مِيراثًا للورثةِ. ولكنْ لو فَعَل هذا تحيُّلًا لإسقاطِ حقِّ الغُرماءِ -مثل أن يكونَ رجُلًا مَدينًا، فأوقف بيتَه على نفْسِه؛ لئلَّا يُباعَ في دَينِه- فالوقفُ هنا غيرُ صحيحٍ، حتى لو فُرِض أنَّه وقَفه على غيرِ نفْسِه حِيلة ألَّا يُباعَ في الدَّينِ؛ فإنَّه لا يصِحُّ الوقفُ، وهذا هو القولُ الرَّاجحُ). ((الشرح الممتع)) (11/27).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن السُّنة
عن جابرٍ رضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجُلٍ: ((ابدَأْ بنفْسِك فتَصدَّقْ عليها، فإنْ فضَلَ شَيءٌ فلأهْلِك، فإنْ فضَلَ عن أهْلِك شَيءٌ فلِذي قَرابتِك، فإنْ فَضَلَ عن ذي قَرابتِك شَيءٌ فهكذا وهكذا. يقول: فبيْن يَدَيْك، وعن يَمينِك، وعن شِمالِك )) [258] أخرجه مسلم (997).
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قولِه: ((ابدَأْ بنفْسِك فتَصدَّقْ عليها)) جوازُ أنْ يُسبِّلَ المرْءُ على نفْسِه [259] ((المحلَّى)) لابن حزم (8/159)، ((فتح الباري)) لابن حجر (5/403).
عن أبي هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ رأى رجُلًا يَسوقُ بَدَنةً، فقال: ركَبْها. فقال: إنَّها بَدَنةٌ. فقال: اركَبْها. قال: إنَّها بَدَنةٌ. قال: اركَبْها، وَيْلَك! في الثَّالثةِ أو في الثَّانيةِ )) [260] أخرجه البخاري (1689) واللفظُ له، ومسلم (1322).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جعَلَ له الانتِفاعَ بما أخْرَجَه مِن مالِه للهِ تَعالى [261] ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (7/525).
عن أنسٍ رضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّه أعتَقَ صَفيَّةَ، وجَعَلَ عِتْقَها صَداقَها )) [262] أخرجه البخاري (947) مطوَّلًا، ومسلم (1365) واللفظ له.
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَعَل عِتْقَها صِداقَهَا، وجَعْلُ عِتْقِها صَداقَها مُعادٌ إليه بعْدَ أنْ أخرَجَه للهِ [263] ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (7/525).
ثانيًا: لأنَّ الوقْفَ إزالةُ الملْكِ إلى اللهِ تَعالى على وجْهِ القُربةِ، فإذا شرَطَ البعضَ أو الكلَّ لنفْسِه فقد شرَطَ ما صار للهِ تعالى لنفْسِه، وهو جائزٌ [264] ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (3/328).
ثالثًا: أنَّ له فائدةً ومصلحةً؛ فإنَّ استِحقاقَ الشَّيءِ وقْفًا غيرُ استِحقاقِه ملْكًا، وقد يَقصِدُ حبْسَه ومنْعَ نفْسِه مِن التصرُّفِ المُزيلِ للملْكِ [265] ((النجم الوهاج)) للدَّمِيري (5/466)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/380).

انظر أيضا: