الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّالِثُ: الحَلِفُ على فِعلِ مَكروهٍ أو تَركِ مَندوبٍ


يَنعَقِدُ الحَلِفُ على فِعلِ مَكروهٍ [111] ويَنعَقِدُ مع الكراهةِ. ، أو تَركِ مَندوبٍ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنفيَّةِ [112] ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (8/105، 106)، ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (3/137)، ((البناية شرح الهداية)) للعَيْني (6/111). ، والمالِكيَّةِ [113] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/21). ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنَّفَراوي (1/414). ، والشَّافِعيَّةِ [114] ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (10/14)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/326)، ((نهاية المحتاج)) للرَّمْلي (8/180). ، والحَنابِلةِ [115] ((الإقناع)) للحَجَّاوي (4/330)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (6/229). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/492). ، وحُكِيَ الإجماعُ على مَشروعيَّةِ الكفَّارةِ فيه [116] قال ابنُ تيميَّةَ: (فإذا حلَفَ لَيفعلَنَّ مُباحًا أو لَيترُكَنَّه، فهنا الكفَّارةُ مَشروعةٌ بالإجماعِ، وكذلك إذا كان المحلوفُ عليه فِعلَ مَكروهٍ، أو تَرْكَ مُستحَبٍّ). ((القواعد النورانية)) (ص: 314، 315).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
1- قولُه تعالى: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 224]
وَجهُ الدَّلالةِ:
المعنى: لا تَجعَلوا الحَلِفَ باللهِ حُجَّةً لكم في تَركِ فِعلِ الخيرِ فيما بيْنَكم وبيْنَ اللهِ وبيْن النَّاسِ، ولكِنْ إذا حَلَف أحدُكم فرأى الذي هو خيرٌ ممَّا حَلَف عليه مِن تَركِ البِرِّ والإصلاحِ بيْنَ النَّاسِ، فلْيَحنَثْ في يمينِه، ولْيَبَرَّ، ولْيتَّقِ اللهَ، ولْيُصلِحْ بيْن النَّاسِ، ولْيُكفِّرْ عن يمينِه [117] ((تفسير الطبري)) (4/424، 425).
2- قولُه تعالى: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا [النور: 22]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ المرادَ بقَولِه: وَلَا يَأْتَلِ، أي: لا يمتَنِعْ عن فِعلِ الطَّاعةِ بسَبَبِ يَمينِه، ولكِنْ يُكَفِّرُ ويَترُكُ ما حَلَف عليه، وهذا يعني أنَّها يَمينٌ مُنعَقِدةٌ [118] ((المغني)) لابن قدامة (9/492).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ سَمُرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا عبدَ الرَّحمنِ بنَ سَمُرةَ، لا تَسألِ الإمارةَ؛ فإنَّك إنْ أُوتيتَها عن مسألةٍ وُكِلْتَ إليها، وإن أُوتيتَها من غيرِ مسألةٍ أُعِنْتَ عليها، وإذا حَلَفْتَ على يمينٍ، فرَأيتَ غَيرَها خَيرًا منها، فكَفِّرْ عن يمينِك، وَأْتِ الَّذي هو خَيرٌ )) [119] أخرجه البخاري (6622)، ومسلم (1652).
2- عن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنِّي واللهِ -إنْ شاء اللهُ- لا أَحلِفُ على يمينٍ، فأَرى غَيْرَها خَيرًا منها، إلَّا أَتَيْتُ الَّذي هو خَيرٌ، وتحلَّلْتُها )) [120] أخرجه البخاري (3133)، ومسلم (1649).
ثالثًا: أنَّ اليَمينَ على ذلك مانِعةٌ مِن فِعلِ الطَّاعةِ، أو حامِلةٌ على فِعلِ المكروهِ؛ فتكونُ مَكروهةً [121] ((المغني)) لابن قدامة (9/492)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (6/229).

انظر أيضا: