الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الأوَّلُ: رُجوعُ الأبِ في هِبتِه لأولادِه


يجوزُ للأبِ الرُّجوعُ في هبتِه لأولادِه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ [1497]   ولهم شروطٌ لرُجوعِ الأبِ في هِبتِه لأولادِه، وتختَلِفُ مِن مذهَبٍ لآخَرَ. يُنظر: ((منح الجليل)) لعليش (8/207)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/402)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/313). : المالِكيَّةِ [1498]   ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/110)، ((منح الجليل)) لعليش (8/205، 206). ، والشَّافِعيَّةِ [1499]   ((روضة الطالبين)) للنووي (5/379)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/309). ، والحَنابِلةِ [1500]   ((المبدع)) لابن مفلح (5/289)، ((الإنصاف)) للمرداوي (7/110)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/313). ، ومَذهَبُ الظَّاهِريَّةِ [1501]   قال ابن حزم: (مَن وهَبَ هِبةً صَحيحةً لم يجُزْ له الرجوعُ فيها أصلًا مذ يلفِظُ بها إلَّا الوالِدَ والأمَّ فيما أعطَيَا، أو أحَدَهما لولَدِهما؛ فلهما الرُّجوعُ فيه أبدًا، الصَّغيرُ والكبيرُ سواءٌ... وهو قولُ الشافعي، وأبي سليمان، وأصحابهما). ((المحلى)) (8/71). ، وهو قَولُ بَعضِ السَّلَفِ [1502]   وهو قَولُ الأوزاعيِّ، وإسحاقَ، وأبي ثورٍ. يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/55).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن ابنِ عُمَرَ وابنِ عبَّاسٍ يرفعانِ الحَديثَ، قالا: ((لا يحِلُّ للرَّجُلِ أن يُعطِيَ عَطيَّةً ثمَّ يَرجِعَ فيها، إلَّا الوالِدَ فيما يُعطي وَلَدَه...)) [1503]   أخرجه أبو داود (3539)، والترمذي (2132) واللفظ له، والنسائي (3690)، وابن ماجه (2337)، وأحمد (2119). قال الترمذي: حسن صحيح. وصَحَّح إسناده ابن عبد البر في ((الاستذكار)) (6/244)، وأحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (7/242)، وصحَّح الحديث الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2132)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (641).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ هذا الحَديثَ يُخَصِّصُ عُمومَ حديثِ ((العائِدُ في هِبَتِه...))، فيَخرُجُ الوالِدُ فيما يعطي لوَلَدِه مِن عُمومِه [1504]   ((المغني)) لابن قدامة (6/55).
2- عن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رضي الله عنه قال: ((أتى بي أبي إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنِّي نَحَلْتُ ابني هذا غُلامًا، فقال: أكُلَّ بَنِيك نحَلْتَ؟ قال: لا. قال: فاردُدْه )) [1505]   أخرجه مسلم (1623).
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: ((فاردُدْه)) أمَرَه بالرُّجوعِ في هِبَتِه، وأقَلُّ أحوالِ الأمرِ الجوازُ، وقد امتثَلَ بَشيرُ بنُ سَعدٍ في ذلك، فرجَعَ في هبتِه لوَلَدِه [1506]   ((المغني)) لابن قدامة (6/55).
3- عن جابرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنه أنَّ رَجُلًا قال: ((يا رَسولَ اللهِ، إنَّ لي مالًا وولدًا، وإنَّ أبي يريدُ أن يَجتاحَ مالي، فقال: أنتَ ومالُك لأبيك )) [1507]   أخرجه ابن ماجه (2291)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (6728) واللفظ لهما، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (6150). قال ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (7/665): إسنادُه صحيحٌ جليل. وصَحَّح إسناده ووثَّق رجاله البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (2/25) وقال: له شاهد. ووثَّق رجاله ابن حجر في ((الدراية)) (2/102)، وقال الشوكاني في ((السيل الجرار)) (4/367): حديثٌ تقومُ به الحُجَّة. وجوَّده ابن باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (20/483) وقال: لا بأس به. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2291).
وَجهُ الدَّلالةِ:
دلَّ الحديثُ على أنَّ للأبِ أن يتمَلَّكَ مِن مالِ ولَدِه ما شاء، فإذا كان له أن يتمَلَّكَ ما شاء فرُجوعُه فيما وهَبَه لابنِه مِن بابِ أَولى [1508]   ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (11/90).
ثانيًا: لأنَّه جادَ بكَسْبِه على كَسْبِه، فيتمَكَّنُ مِن الرُّجوعِ فيه، كما لو وهَبَ لعَبدِه. ومعنى هذا أنَّ الوَلَدَ كَسْبُه [1509]   ((المبسوط)) للسرخسي (12/49).

انظر أيضا: