الموسوعة الفقهية

المبحث الرابع: عَدَم إِفشَاء أسرار الزَّوجيَّةِ


يَحرُمُ إفشاءُ أسرارِ الزَّوجيَّةِ مِن أمورِ الاستِمتاعِ ووَصفِ تفاصيلِ ذلك، وهو قَولٌ عند الحنابلةِ [1155]   ((الإقناع)) للحجاوي (3/242)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/194). ، وبَعضِ الحَنَفيَّةِ [1156]   ((حاشية ابن عابدين)) (1/350). ، وبه قال النَّوويُّ [1157]   قال النووي في حديثِ أبي سعيدٍ رَضِيَ الله عنه: (وفي هذا الحديثِ تحريمُ إفشاءِ الرَّجُلِ ما يجري بينه وبين امرأتِه مِن أمورِ الاستمتاعِ ووَصفِ تفاصيلِ ذلك، وما يجري من المرأةِ فيه مِن قَولٍ أو فعلٍ ونَحوِه، فأمَّا مجرَّدُ ذِكرِ الجِماعِ فإن لم تكُنْ فيه فائدةٌ ولا إليه حاجةٌ، فمكروهٌ؛ لأنَّه خِلافُ المروءةِ). ((شرح صحيح مسلم)) (10/8). ، والصَّنعانيُّ [1158]   قال الصنعانيُّ في حديثِ أبي سعيدٍ رَضِيَ الله عنه: (والحديثُ دَليلٌ على تحريمِ إفشاءِ الرَّجُلِ ما يقعُ بينه وبين امرأتِه مِن أمورِ الوِقاعِ ووَصفِ تفاصيلِ ذلك، وما يجري من المرأةِ فيه من قَولٍ أو فِعلٍ ونحوِه، وأمَّا مجرَّدُ ذِكرِ الوِقاعِ فإذا لم يكنْ لحاجةٍ فذِكرُه مكروهٌ؛ لأنه خلافُ المروءةِ، وقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «من كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيقُلْ خيرًا أو لِيَصمُتْ»، فإن دعت إليه حاجةٌ أو ترتَّبت عليه فائدةٌ، بأن كان يُنكِرُ إعراضَه عنها أو تدَّعي عليه العَجزَ عن الجِماعِ أو نحوِ ذلك؛ فلا كراهةَ في ذِكرِه، كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنِّي لأفعَلُه أنا وهذه»، وقال لأبي طلحةَ: «أعْرَسْتُم الليلةَ؟»، وقال لجابرٍ: «الكَيْسَ الكَيْسَ»، وكذلك المرأةُ لا يجوزُ لها إفشاءُ سِرِّه، وقد ورد به نصٌّ أيضًا). ((سبل السلام)) (2/206). ، والشَّوكانيُّ [1159]   قال الشوكاني: (والحديثانِ يدُلَّانِ على تحريمِ إفشاءِ أحَدِ الزَّوجَينِ لِما يقعُ بينهما من أمورِ الجِماعِ؛ وذلك لأنَّ كونَ الفاعِلِ مِن أشَرِّ النَّاسِ، وكَونَه بمنزلةِ شيطانٍ لقيَ شيطانةً فقضى حاجتَه منها والنَّاسُ ينظُرونَ: مِن أعظَمِ الأدِلَّةِ الدالَّةِ على تحريمِ نَشرِ أحدِ الزَّوجينِ للأسرارِ الواقعةِ بينهما، الرَّاجعةِ إلى الوَطءِ ومُقَدِّماتِه؛ فإنَّ مجرَّدَ فِعلِ المكروهِ لا يصيرُ به فاعِلُه مِن الأشرارِ فَضلًا عن كَونِه مِن شَرِّهم). ((نيل الأوطار)) (6/237). ، والألبانيُّ [1160]   قال الألباني: (ويحرُمُ على كُلٍّ منهما أن يَنشُرَ الأسرارَ المتعَلِّقةَ بالوِقاعِ). ((آداب الزفاف)) (ص: 142). ، وابنُ باز [1161]   قال ابن باز: (الواجِبُ على الرَّجُلِ أن يكونَ كاتِمًا للسِّرِّ، وهكذا المرأةُ، وليس له وليس لها إفشاءُ السِّرِّ... في صِفةِ الِجماعِ، أو ما يقعُ عند الجِماعِ مِمَّا يُستحيا منه، أو غير هذا مما لا ينبغي إبرازُه وإظهارُه، كلُّ واحدٍ منهما عليه أن يحفَظَ السِّرَّ، أمَّا ما جرت العادةُ بإظهارِه ولا حياءَ فيه، فلا بأسَ). ((فتاوى نور على الدرب)) (21/233). ، وابنُ عثيمين [1162]   قال ابن عثيمين: (يجِبُ على كُلٍّ منهما أن يحفَظَ الآخَرَ في مالِه وسِرِّه، فلا يحدِّثَ أحدًا بذلك؛ فقد صَحَّ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: «إنَّ مِن شَرِّ النَّاسِ مَنزلةً عندَ اللهِ يومَ القيامةِ الرَّجُلَ يُفضي إلى امرأتِه وتُفضي إليه، ثمَّ يَنشُرُ أحَدُهما سِرَّ صاحِبِه»). ((الضياء اللامع من الخطب الجوامع)) (8/603).
الأدِلَّةُ مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ الله عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ مِن أشَرِّ النَّاسِ عندَ اللهِ مَنزِلةً يَومَ القيامةِ الرَّجُلَ يُفْضي إلى امرأتِه وتُفْضي إليه، ثمَّ يَنشُرُ سِرَّها )) [1163]   أخرجه مسلم (1437).
2- عن أسماءَ بنتِ يَزيدَ رَضِيَ الله عنها: أنَّها كانت عندَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والرِّجالُ والنِّساءُ قُعودٌ عِندَه، فقال: ((لعَلَّ رَجُلًا يقولُ ما يَفعَلُ بأهلِه، ولعلَّ امرأةً تُخبِرُ بما فعَلَت مع زَوجِها! فأرَمَّ القَومُ [1164]   فأَرَمَّ القَومُ: أي: سَكتوا ولم يُجيبوا. ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/267). ، فقُلتُ: إي واللهِ يا رَسولَ اللهِ، إنهُنَّ لَيَقُلْنَ، وإنَّهم لَيَفعَلونَ! قال: فلا تفعَلوا؛ فإنَّما مَثَلُ ذلك مَثَلُ الشَّيطانِ لَقِيَ شَيطانةً في طَريقٍ فغَشِيَها والنَّاسُ يَنظُرونَ)) [1165]   أخرجه أحمد (27583) واللَّفظُ له، والطبراني (24/162) (414). ذكر المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/127) أنَّ فيه شَهرَ بنَ حَوشَب. وقال الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (4/297): فيه شَهرُ بنُ حَوشَب، وحديثُه حَسَنٌ، وفيه ضَعفٌ. وقال الألباني في ((آداب الزفاف)) (71): صحيحٌ أو حسنٌ على الأقَلِّ بشواهِدِه.

انظر أيضا: