الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الثَّاني: من حقوق الزوج: ألَّا تأذَنَ المرأةُ لأحدٍ في الدُّخولِ لبيتِ زَوجِها إلَّا برِضاه


يجِبُ على المرأةِ ألَّا تأذَنَ لأحدٍ في دُخولِ بَيتِ زَوجِها إلَّا بإذنِه، نَصَّ عليه الحَنابِلةُ [1079]   ((الإقناع)) للحجاوي (3/240)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/188). ، واختاره ابنُ حَزمٍ [1080]   ((المحلى)) لابن حزم (9/227). ، وابن الجوزي [1081]   قال ابن الجوزي: (لا يجوز لها أن تأذن في بيته إلا بإذنه). ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/497). ، والعينيُّ [1082]   قال العيني: (لا تأذَنُ المرأةُ في بيت زوجِها، لا لرجلٍ ولا لامرأةٍ يكرَهُها زوجُها؛ لأنَّ ذلك يوجِبُ سوءَ الظَّنِّ، ويبعَثُ على الغَيرةِ التي هي سَبَبُ القَطيعةِ). ((عمدة القاري)) (20/185). ، وابنُ عُثيمين [1083]   قال ابن عثيمين: («وألَّا يأذَنَّ في بيوتِكم لِمن تكرَهون»، يعني: لا يُدخِلْن أحدًا البيتَ وأنت تكرَهُ أن يدخُلَ، حتى لو كانت أمَّها أو أباها، فلا يحِلُّ لها أن تُدخِلَ أمَّها أو أباها، أو أختَها أو أخاها، أو عَمَّها أو خالها، أو عمَّتها أو خالتَها، إلى بيتِ زَوجِها إذا كان يكرَهُ ذلك). ((شرح رياض الصالحين)) (3/126). ، وذكَرَه النوويُّ عن الفُقَهاءِ [1084]   قال النووي: (هذا حُكمُ المسألةِ عند الفقهاء: أنَّها لا يحِلُّ لها أن تأذَنَ لرجُلٍ أو امرأةٍ ولا مَحرَمٍ ولا غيرِه في دُخولِ منزل الزَّوجِ، إلَّا مَن عَلِمَت أو ظَنَّت أنَّ الزوجَ لا يكرَهُه؛ لأنَّ الأصلَ تحريمُ دُخولِ منزل الإنسانِ حتى يوجَدَ الإذنُ في ذلك منه أو ممَّن أذِنَ له في الإذنِ في ذلك، أو عُرِفَ رضاه باطِّرادِ العُرفِ بذلك ونحوه، ومتى حصل الشكُّ في الرضا ولم يترجَّحْ شَيءٌ ولا وُجِدَت قرينةٌ، لا يحِلُّ الدُّخولُ ولا الإذنُ، والله أعلم). ((شرح النووي على مسلم)) (8/184). وقال أيضًا: (فيه إشارةٌ إلى أنَّه لا يُفتاتُ على الزَّوجِ وغَيرِه من مالكِي البُيوتِ وغَيرِها، بالإذنِ في أملاكِهم إلَّا بإذنِهم، وهذا محمولٌ على ما لا يُعلَمُ رِضا الزَّوجِ ونحوه به؛ فإنْ عَلِمَت المرأةُ ونحوُها رضاه به جاز). ((شرح النووي على مسلم)) (7/115).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يحِلُّ للمَرأةِ أن تصومَ وزَوجُها شاهِدٌ [1085]   شاهِدٌ: أي: حاضِرٌ معها في بلَدِها. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (4/1407)، ((سبل السلام)) للصنعاني (1/585)، (( نيل الأوطار)) للشوكاني (6/252). إلَّا بإذنِه، ولا تأذَنَ في بيتِه إلَّا بإذنِه [1086]   قال العراقي: (في روايةِ المصنِّفِ ومُسلمٍ: تقييدُ المنعِ بكونِ الزَّوجِ شاهِدًا، أي: حاضِرًا، ومقتضاه أنَّ لها الإذنَ في غَيبتِه مِن غيرِ استئذانِه، ولم يُذكَرْ هذا القيدُ في رواية البخاري، والأخذُ بالإطلاقِ هنا أَولى؛ فإنَّ غَيبتَه في ذلك كحُضورِه، بل أَولى بالمنعِ؛ فقد يَسمَحُ الإنسانُ بدُخولِ النَّاسِ مَنزِلَه في حضورِه، ولا يَسمَحُ بذلك في غَيبتِه، وحينئذٍ فذِكرُ القَيدِ في روايةِ المصنِّف ومسلمٍ خرجَ مخرجَ الغالِبِ في أنَّ الإذنَ للضِّيفانِ ونحوِهم إنَّما يكونُ مع حُضورِ صاحِبِ المنزِلِ، أمَّا إذا كان مسافِرًا فالغالِبُ ألَّا يُطرَقَ مَنزِلُه أصلًا، ولو طُرِقَ لم تأذَنِ المرأةُ في دخولِه، وقد قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «إيَّاكم والدُّخولَ على الْمُغِيباتِ»، وهنَّ اللاتي غاب عنهن أزواجُهنَّ، وما خرج مخرجَ الغالِبِ لا مفهومَ له، كما تقرَّر في علمِ الأصولِ. وقد يُقالُ: هذا القَيدُ مَعمولٌ به؛ فإنَّه إذا حضر يَعسُرُ استئذانُه، وإذا غاب تعَذَّر، وقد تدعو الضَّرورةُ إلى الدُّخولِ عليها، فيُباحُ لها حينئذٍ ذلك؛ للاحتياجِ إليه مع عدمِ الاستئذانِ؛ لتعذُّرِه، والأوَّلُ أقرَبُ. والله أعلمُ). ((طرح التثريب)) للعراقي (4/143). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (9/296). ، وما أنفَقَت مِن نَفَقةٍ عن غيرِ أمرِه، فإنَّه يؤدَّى إليه شَطرُه )) [1087]   أخرجه البخاري (5195) واللفظ له، ومسلم (1026).
2- عن سُلَيمانَ بنِ عَمرِو بنِ الأحوَصِ قال: ((حدَّثني أبي أنَّه شَهِدَ حَجَّةَ الوَداعِ مع رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه، وذكَّرَ ووعَظ، فذكَرَ في الحديثِ قِصَّةً فقال: ألا واستوصُوا بالنِّساءِ خَيرًا، فإنَّما هنَّ عَوانٍ عِندكم، ليس تَملِكون منهنَّ شَيئًا غيرَ ذلك، إلَّا أن يأتينَ بفاحشةٍ مُبَيِّنةٍ، فإنْ فعَلْنَ فاهجُروهنَّ في المضاجِعِ، واضربوهنَّ ضَربًا غيرَ مُبَرِّحٍ، فإنْ أطَعْنكم فلا تَبغُوا عليهنَّ سَبيلًا. ألَا إنَّ لكم على نسائِكم حَقًّا، ولنِسائِكم عليكم حقًّا؛ فأمَّا حَقُّكم على نسائِكم فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكم مَن تكرَهونَ، ولا يأذَنَّ في بُيوتِكم لِمَن تكرهونَ، ألَا وحَقُّهنَّ عليكم أن تُحسِنوا إليهنَّ في كِسوَتهنَّ وطَعامِهنَّ )) [1088]   أخرجه الترمذي (3087)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (9169)، وابن ماجه (3055). قال الترمذي: حسن صحيح. وصحَّحه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (6/179)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3087).
ثانيًا: لأنَّ ذلك يُوجِبُ سُوءَ الظَّنِّ، ويبعَثُ على الغَيرةِ التي هي سَبَبُ القطيعةِ [1089]   يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (20/185).

انظر أيضا: