الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: الطَّواف


يحرُم على الجنُبِ الطَّوافُ بالبَيتِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ قال ابنُ القيِّم: (أمَّا طوافُ الجنُبِ والحائِض، والمحدِث، والعُريان، بغير عُذرٍ؛ ففي صحَّته قولانِ مَشهوران، وإن حصَل الاتِّفاقُ على أنَّه منهيٌّ عنه في هذا الحالِ). ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) (3/22). قال ابن عبدِ البَرِّ: (فالسنَّةُ المجتمَعُ عليها أنَّه لا ينبغي أن يكونَ الطوافُ إلَّا على طهارةٍ؛ لقوله عليه السَّلامُ للحائِضِ من نِسائه: اقضِي ما يقضي الحاجُّ، غيرَ ألَّا تطوفي، هذا هو الاختيارُ عندهم، واختلفوا فيمَن طاف على غَيرِ طَهارةٍ...). ((الاستذكار)) (4/205). : الحنفيَّة ((تبيين الحقائق للزيلعي وحاشية الشلبي)) (1/56)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/52). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/138)، وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/343)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/238). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/156)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (2/196). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/16)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/197).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
عمومُ قَولِ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء: 43]
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها حاضت وهي مُحرِمةٌ، فقال لها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((افعلِي ما يفعَلُ الحاجُّ، غيرَ ألَّا تطوفِي بالبيتِ حتى تَطَّهَّري))، وفي رواية ((حتى تغتسلِي )) رواه البخاري (305)، ومسلم (1211) واللفظ له.
وجه الدَّلالة:
 أنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رخَّص لعائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنْ تفعَلَ- وهي حائضٌ- كلَّ ما يفعَلُه الحاجُّ، غيرَ الطَّوافِ؛ فإنَّه جعَلَه مقيَّدًا باغتسالِها وطهارَتِها من الحَيضِ، فدلَّ على اشتراط الطَّهارة للطَّواف، وفي معنى الحائض: الجُنُب والمُحدِث ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/51)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/208).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ صفيَّةَ حاضت، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّها لحابِسَتُنا، فقالوا: يا رسولَ الله، قد زارتْ يومَ النَّحرِ، قال: فلتنفِرْ معكم )) رواه البخاري (1733)، ومسلم (1211) واللفظ له
وجه الدَّلالة:
أنَّ هذا الحديثَ يدلُّ على أنَّ الحائِضَ تنتظِرُ حتى تطهُرَ، ثم تطوف، وهذا يدلُّ على اشتراطِ الطَّهارة ((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/208).
ثالثًا: من الآثار
عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (الطَّوافُ بالبَيتِ صلاةٌ...) رواه النَّسائي في ((السنن الكبرى)) (3944)، والبيهقي (9573) موقوفًا على ابن عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما. صحَّحه موقوفًا على ابن عبَّاس: البيهقي ((السنن)) (5/87)، والنوويُّ في ((المجموع)) (8/14)، وابن العراقيِّ في ((طرح التثريب)) (5/120)، وذكر ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (17/213) أنَّ الموقوفَ أصَحُّ إسنادًا، وهو في حكمِ المرفوع.
وجه الدَّلالة:
أنَّه شبَّه الطَّوافَ بالصَّلاة؛ فدلَّ ذلك على أنَّ للطَّوافِ جميعَ أحكام الصَّلاة- إلَّا ما دلَّ الدَّليلُ على استثنائِه، كالمشيِ، والكلامِ وغَيرِه- ومن ذلك الطَّهارةُ؛ لقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَقبَلُ اللهُ صلاةً بغيرِ طُهورٍ )) رواه مسلم (224) من حديث عبد الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عنهما.

انظر أيضا: