الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: من ما تَثبُتُ به الحُرمةُ مِنَ الرَّضاعِ: التَّحريمُ بلَبَنِ المَرأةِ


 إذا أرضَعَت امرأةٌ طِفلًا، يكونُ ابَنَها مِنَ الرَّضاعِ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ النساء: 23.
وَجهُ الدَّلالةِ:
 الآيةُ نصٌّ على التَّحريمِ بلَبَنِ الأمِّ [520]     ((تفسير السعدي)) (ص: 173).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عُروةَ عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّها أخبَرَته أنَّ عَمَّها مِنَ الرَّضاعةِ -يُسَمَّى أفلَحَ- استأذَنَ عليها فحجَبَتْه، فأخبَرَت رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال لها: لا تحتَجِبي منه؛ فإنَّه يَحرُمُ مِنَ الرَّضاعةِ ما يَحرُمُ مِنَ النَّسَبِ )) [521]     أخرجه مسلم (1445).
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه: ((يَحرُمُ مِنَ الرَّضاعةِ)) دَليلٌ على أنَّ حُرمةَ الرَّضاعِ كحُرمةِ النَّسَبِ في المناكِحِ، وأنَّ المرأةَ التي أرضَعَت طِفلًا: يَحرُمُ عليه كُلُّ ما يَحرُمُ على ولَدِها مِنَ النَّسَبِ؛ فدَلَّ على التَّحريمِ بلَبَنِها [522]     ((شرح المشكاة)) للطِّيبي (7/2294).
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: الماوَرديُّ [523]     قال الماوردي: (إذا تقَرَّر ما وصَفْنا من هذا الأصلِ الذي عليه مَدارُ الرَّضاعِ وبه يُعتَبَرُ حُكْماه في التَّحريمِ والمُحَرَّم، فانتِشارُهما من جهةِ المُرضِعةِ مُتَّفَقٌ عليه). ((الحاوي الكبير)) (11/358). ، وابنُ حَزمٍ [524]     قال ابنُ حزم: (كلُّ مَن أرضعت الرَّجُلَ حَرُمت عليه؛ لأنَّها أمُّه مِنَ الرَّضاعةِ، وحَرُمَ عليه بناتُها؛ لأنَّهنَّ أخواتُه، سواءٌ في ذلك مَن وُلِدَت قَبلَه، أو مَن وُلِدَت بَعدَه مِنَ الرَّضاعةِ، وحُرِّمَت عليه أخواتُها؛ لأنَّهنَّ خالاتُه مِنَ الرَّضاعةِ، وكُلُّ هذا فلا خلافَ فيه). ((المحلى بالآثار)) (10/177). ، وابنُ عبدِ البَرِّ [525]     قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (المرأةُ تُرضِعُ الطِّفلَ فيكونُ ابنَها؛ ابنَ رَضاعةٍ بإجماعِ العُلَماءِ). ((التمهيد)) (8/237). ، والسَّمرقَنديُّ [526]     قال السمرقندي: (التَّحريمُ في جانبِ المُرضِعةِ مُجمَعٌ عليه). ((تحفة الفقهاء)) (2/235). ، وابنُ رُشدٍ [527]     قال ابنُ رشد: (اتَّفقوا على أنَّ الرَّضاعَ بالجُملةِ يَحرُمُ منه ما يَحرُمُ مِنَ النَّسَبِ، أعني: أنَّ المُرضِعةَ تُنَزَّلُ مَنزِلةَ الأمِّ، فتَحرُمُ على المُرضَعِ هي وكُلُّ مَن يَحرُمُ على الابنِ مِن قِبَلِ أمِّ النَّسَبِ). ((بداية المجتهد ونهاية المقتصد)) (3/59). ، وابنُ قُدامةَ [528]     قال ابنُ قدامة: (جملةُ ذلك: أنَّ المرأةَ إذا حَمَلت من رجلٍ وَثابَ لها لَبَنٌ، فأرضعت به طِفلًا رَضاعًا مُحَرِّمًا؛ صار الطِّفلُ المُرتَضِعُ ابنًا للمُرضِعةِ بغيرِ خلافٍ). ((المغني)) (8/176). ، والنَّوويُّ [529]     قال النووي: (قال: ((إنَّه عَمُّكِ؛ فَلْيَلِجْ عليكِ)) هذه الأحاديثُ مُتَّفِقةٌ على ثُبوتِ حُرمةِ الرَّضاعِ، وأجمَعَت الأمَّةُ على ثُبوتِها بينَ الرَّضيعِ والمُرضِعةِ، وأنَّه يصيرُ ابنَها، يَحرُمُ عليه نِكاحُها أبدًا، ويحِلُّ له النَّظَرُ إليها والخَلوةُ بها والمُسافَرةُ). ((شرح النووي على مسلم)) (10/19). ، وابنُ تَيميَّةَ [530]     قال ابنُ تَيميَّةَ: (إذا ارتضع الرَّضيعُ مِنَ المرأةِ خَمسَ رَضَعاتٍ في الحولَينِ، صارت المرأةُ أمَّه، وصار زَوجُها -الذي جاء اللَّبَنُ بوَطئِه- أباه؛ فصار ابنًا لكُلٍّ منهما مِنَ الرَّضاعةِ، وحينئذٍ فيكونُ جميعُ أولادِ المرأةِ مِن هذا الرَّجُلِ ومِن غَيرِه، وجميعُ أولادِ الرَّجُلِ منها ومِن غَيرِها: إخوةً له، سواءٌ وُلِدوا قبلَ الرَّضاعِ أو بَعْدَه؛ باتِّفاقِ الأئمَّةِ). ((مجموع الفتاوى)) (34/37). ، والزَّركشيُّ [531]     قال الزركشي: (لا نزاعَ بينَ أهلِ العِلمِ في أنَّ حُرمةَ الرَّضاعِ تنتَشِرُ مِن جِهةِ المرأةِ). ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (5/156). ، وابنُ حَجَرٍ [532]     قال ابنُ حجر: (قَولُه: «الرَّضاعةُ تُحَرِّمُ ما تُحَرِّمُ الوِلادةُ»، أي: وتُبيحُ ما تُبيحُ، وهو بالإجماعِ فيما يتعَلَّقُ بتحريمِ النِّكاحِ وتوابِعِه، وانتشارِ الحُرمةِ بينَ الرَّضيعِ وأولادِ المُرضِعةِ، وتَنزيلِهم مَنزلةَ الأقارِبِ؛ في جوازِ النَّظَرِ، والخَلوةِ، والمُسافَرةِ). ((فتح الباري)) (9/141).

انظر أيضا: