الموسوعة الفقهية

المبحث الرابع: انقطاعُ دم الحيض أو النِّفاس


يجِبُ الغُسلُ بانقطاعِ دَمِ الحَيضِ أو النِّفاسِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222]
وجه الدَّلالة:
أنَّ معنى قوله: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ؛ أي: فإذا اغتسَلْن؛ وذلك للإجماعِ على أنَّها لا تصيرُ بالوضوءِ بالماءِ طاهرًا الطُّهرَ الذي يَحِلُّ لها به الصَّلاةُ ((تفسير الطبري)) (4/387).
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على وجوبِ الغُسلِ فيهما: ابنُ حزمٍ قال ابن حزم: (النِّفاسُ حيضٌ صحيح، وحُكمه حُكمُ الحَيضِ في كلِّ شيء؛ لقولِ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعائشة: ((أَنفِسْتِ قالت: نعمْ؛ فسمَّى الحيضَ نفاسًا))، وكذلك الغُسلُ منه واجِبٌ بإجماع). ((المحلى)) (1/400). ، والكاسانيُّ قال الكاسانيُّ: (ولا نصَّ في وجوبِ الغُسلِ مِن النِّفاس، وإنَّما عُرِفَ بإجماعِ الأمَّة، ثمَّ إجماعُ الأمَّة يجوزُ أن يكونَ بناءً على خَبَرٍ في الباب، لكنَّهم تركوا نقله اكتفاءً بالإجماعِ عن نَقْلِه؛ لكون الإجماعِ أقوى، ويجوز أنَّهم قاسوا على دَمِ الحيضِ؛ لكون كلِّ واحدٍ منهما دمًا خارجًا من الرَّحِم، فبَنَوا الإجماعَ على القياس؛ إذ الإجماعُ ينعقِدُ عن الخَبَر وعن القياسِ، على ما عُرِفَ في أصولِ الفِقه). ((بدائع الصنائع)) (1/38-39). ، وابنُ قدامة قال ابن قدامة: (لا خلافَ في وجوبِ الغُسلِ بالحَيضِ والنِّفاس). ((المغني)) (1/154). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (أجمَعَ العُلَماءُ على وجوبِ الغُسلِ بسبَبِ الحَيضِ وبسبَبِ النِّفاسِ، وممَّن نقل الإجماعَ فيهما: ابن المُنذِر، وابن جرير الطبريُّ، وآخَرون). ((المجموع)) (2/148).
مسألة: تعدُّد مُوجباتِ الغُسلِ
إذا تعدَّدت مُوجباتُ الغُسلِ، فيُكتَفى بغسلٍ واحد، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/79)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/169). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبدِ البَرِّ (1/153)، وينظر: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/23). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/536)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/61). ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (3/182)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/54).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أنسِ بنِ مالك رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ يَطُوفُ على نِسائِه بغُسْلٍ واحدٍ )) رواه البخاري (268)، ومسلم (309) واللفظ له.
2- حديثُ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنه، حيث قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى... )) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).
وجه الدَّلالة:
عمومُ هذا الحديثِ يقتضي بأنَّه في حالِ نوى الغُسلَ عن عِدَّة مُوجِباتٍ للغُسلِ، أجزأه ذلك؛ لأنَّ الأعمالَ بالنيَّات ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/201).
ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يكُن يغتسِلُ من الجِماع إلَّا غُسلًا واحدًا، مع أنَّ الجماعَ في غالِبِ الأحوالِ يتضمَّن شيئينِ، هما التِقاءُ الختانين وإنزالُ المنيِّ؛ وهما سببانِ يُوجبان الغُسل؛ ممَّا يدلُّ على أنَّ الغُسلَ الواحِدَ يُجزئ عنهما ((المغني)) لابن قدامة (1/162).

انظر أيضا: