الموسوعة الفقهية

 المطلب الثاني: سؤرُ ما لا يُؤكَل لحمُه


الفرع الأول: حُكمُ سُؤرِ الكَلبِ والخِنزيرِ
سؤرُ الكَلبِ والخِنزيرِ نجسٌ عند جُمهورِ الفُقَهاءِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/134)، ((المبسوط)) للسرخسي (1/48). والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/32)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/317). والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/224، 248)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/310). ، ومال إليه ابنُ رشدٍ الحفيدُ، من المالكيَّة قال ابن رشد: (ولعلَّ الأرجَحَ أن يُستثنى من طهارةِ آسارِ الحيوانِ: الكَلبُ والخِنزيرُ...) ((بداية المجتهد)) (1/30).
أدلَّة نجاسةِ سُؤرِ الكَلبِ
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا شَرِبَ الكلبُ في إناءِ أحدِكم، فلْيغسِلْه سبعَ مرَّات )) رواه البخاري (172)، ومسلم (279) واللفظ له.
وجه الدَّلالة:
أنَّ الأمرَ بغَسل ِالإناءِ منه يدلُّ على نجاسةِ سُؤرِه.
2- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((طُهورُ إناءِ أحَدِكم إذا وَلَغ فيه الكَلبُ أن يَغسِلَه سبعَ مرَّاتٍ، أُولاهنَّ بالتُّرابِ )) رواه مسلم (279).
وجه الدَّلالة:
أنَّ حُدوثَ الطَّهارةِ في الشَّيءِ، إنَّما تكونُ بعد تقديمِ نجاسةٍ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/305).
ثانيًا: أنَّ الكَلبَ نَجِسٌ، يجب التطهُّرُ مِن سُؤرِه كسائِرِ النَّجاسات، ولولا نجاسَتُه لم يكن للأمرِ بتطهيرِ الإناءِ مِن وُلوغِه معنًى ((معالم السنن)) للخطابي (1/39) ، فالتَّعليلُ بالتَّنجيسِ أقوى؛ لأنَّه في معنى المنصوصِ ((فتح الباري)) لابن حجر (1/276)
دليلُ نجاسةِ سُؤرِ الخِنزير:
قوله تعالى: فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام: 145]
فالخنزيرُ نَجِسُ العينِ، ولُعابُه يتولَّدُ مِن لَحمِه النَّجِسِ قال الطبريُّ: (بينَّا معنى الرِّجس فيما مضى من كتابنا هذا، وأنَّه النَّجِسُ والنَّتِن، وما يُعْصى اللهُ به، بشواهده) ((جامع البيان)) (12/194). وقال الشوكاني: (الرِّجس: النَّجِس) ((فتح القدير)) (2/172). وقال السَّعديُّ: (أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ، أي: فإنَّ هذه الأشياءَ الثَّلاثةَ؛ رِجسٌ، أي: خَبَثٌ نَجِسٌ مُضِرٌّ) ((تفسير السعدي)) (ص: 277). وقال ابن عثيمين: (أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ، أي: نَجِسٌ خَبيثٌ) ((تفسير القرآن الكريم- الفاتحة والبقرة)) (1/198).
الفرع الثَّاني: حُكمُ سُؤرِ سِباعِ البَهائِمِ وجوارِحِ الطَّيرِ باستثناء الكَلبِ والخنزير، فقد سبق بحثُ سُؤرِهما.
أسآرُ سِباعِ البهائِمِ كالذِّئابِ والنُّمور والأُسود، وجوارِحِ الطَّيرِ كالصُّقور؛ طاهرةٌ كلُّها، وهذا مَذهَبُ المالكية ((الشرح الكبير)) للدردير (1/34، 35)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/107)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/115). ،والشافعية ((المجموع)) للنووي (1/171)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/18). ، وروايةٌ عن أحمد ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/310). ، واختاره ابنُ المُنذِر قال ابن المُنذِر: (ثابتٌ عن نبيِّ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الله أنَّه قال في الهِرَّة: ((ليست بنَجِسٍ؛ إنَّها من الطوَّافينَ عليكم والطوَّافاتِ))؛ فحكمُ أسآرِ الدوابِّ التي لا تؤكَل لحومُها، حُكمُ سُؤرِ الهرِّ، على أنَّ كلَّ ماءٍ على الطَّهارةِ إلَّا ما أجمَعَ أهلُ العِلمِ عليه أنَّه نَجِسٌ، أو يدلُّ عليه كتابٌ أو سنَّة) ((الإشراف)) (1/160). ، وابنُ حَزمٍ قال ابن حزم: (سؤرُ كُلِّ كافرٍ أو كافرةٍ، وسؤرُ كُلِّ ما يؤكَلُ لَحمُه أو لا يؤكَلُ لَحمُه؛ من خنزيرٍ أو سَبُعٍ أو حمارٍ أهليٍّ أو دجاج مخلًّى أو غير مخلًّى- إذا لم يظهَر هنالك لِلُعابِ ما لا يؤكَلُ لحمُه أثَرٌ- فهو طاهرٌ حلالٌ، حاشا ما ولغ فيه الكَلبُ فقط) ((المحلى)) (1/138). ، وابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (الظاهِرُ أنَّ الصحيحَ هو أنها- أي: أسْآر سِباعِ البهائم وجوارح الطير- طاهرةٌ؛ لأنَّنا لو قلنا بأنها نجِسةٌ لأدَّى ذلك إلى مشقَّةٍ على الناس؛ فإنَّه يوجَدُ مِنَ الغُدران في البرِّ ما هو دون القُلَّتينِ، ولا شكَّ أنَّ السِّباعَ والطيور ترِدُ هذا الماءَ، فإذا قلنا بأنَّه نَجِسٌ صار بهذا مشقَّة على الناس، والنبيُّ عليه الصلاة والسلام- فيما يظهر لنا- أنَّه كان يمرُّ بهذه المياهِ، ويتوضَّأُ منها) ((الموقع الرسمي لابن عثيمين- من أشرطة شرح الطهارة من كتاب الكافي)). وفي موضع آخر قيَّده بكثرة الماء، فقال: (إِن كان الماءُ كثيرًا لا يتغيَّر بالشُّربِ؛ فلا بأس به، ويكون طَهورًا. وإِن كان يسيرًا، وتغيَّر بسبَبِ شُربِها منه؛ فإنَّه نجِسٌ) ((الشرح الممتع)) (1/461- 463). وبه صدرت فتوى اللَّجنة الَّدائمةِ قالت اللجنة الدائمة: (الراجِحُ طَهارةُ سُؤرِ البَغلِ والحِمارِ الأهليِّ وسِباع البهائم، كالذِّئبِ والنَّمِرِ والأسدِ، وجوارح الطَّير كالصَّقر والحِدَأة) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (5/380 رقم 8052).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
عُمومُ قَولِه تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78]
ففي تنجيسِ سُؤرِ هذه الحيواناتِ حَرَجٌ؛ فإنَّه يعسُرُ الاحترازُ عن بعضِها، لا سيَّما أهلُ الباديةِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/312).
ثانيًا: القياسُ على طهارةِ سُؤرِ بَهيمةِ الأنعامِ، فهو حيوانٌ يجوزُ بَيعُه، فكان سُؤرُه طاهرًا، مِثلُه مِثلُ بهيمةِ الأنعامِ، ولا فَرقَ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/311).
ثالثًا: قياسًا على طَهارةِ سُؤرِ الهرِّ، فهو في معناه، فالهرُّ سَبُعٌ يأكل النَّجاسةَ، وحَكم الشَّارِعُ بطهارةِ سُؤرِه ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/311).
الفرع الثالث: سُؤرُ الحيواناتِ الطوَّافة قال ابن عثيمين: (الرَّاجح: أن العِلَّة التي يجِبُ أن تُتَّبعَ؛ مَا علَّلَ به النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهي: أنَّها من الطَّوَّافين علينا. وعلى هذا: كلُّ ما يُكثِرُ التَّطوافَ على الناس ممَّا يشقُّ التَّحرُّزُ منه، فحكمه كالهِرَّة. لكن يُستثنى من ذلك ما استثناه الشَّارِعُ، وهو الكَلبُ، فهو كثيرُ الطَّوافِ على النَّاس، ومع ذلك قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا ولَغ الكلبُ في إناءِ أَحَدِكم، فلْيغسلْه سبعًا، إحداهنَّ بالتُّراب)).) ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)) (1/460). وعن ضابط التحرُّز قال: (يرُجَعُ إلى العُرف) (الموقع الرسمي لابن عثيمين – من أشرطة شرح الطهارة من كتاب الكافي).
المسألة الأولى: حُكمُ سُؤرِ الهِرَّة
سؤرُ الهرَّةِ طاهرٌ، وهو مذهَبُ جُمهورِ: المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/108)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (1/324). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/33)، ((المجموع)) للنووي (1/172). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/195)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/312)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/458). ، وأبي يوسفَ مِن الحنفيَّة ((شرح معاني الآثار)) للطحاوي (1/19)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/65)، وانظر: ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (1/325). ، وهو قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ قال محمَّد بن نصر المروزيُّ: (الذي صار إليه جُلُّ أهل الفتوى من علماء الأمصارِ مِن أهل الأثر والرأي جميعًا: أنه لا بأس بسُؤرِ السِّنَّور؛ اتباعًا للحديثِ الذي رويناه) ينظر: ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (1/324). وقال ابن قدامة: (السِّنَّورُ وما دونها في الخِلقة; كالفأرةِ, وابن عِرسٍ, فهذا ونحوه من حَشراتِ الأرض، سؤرُه طاهِرٌ, يجوز شُربُه والوضوء به، ولا يُكرَه، وهذا قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ; من الصَّحابة, والتابعين, من أهل المدينة, والشام, وأهل الكوفة أصحاب الرأي, إلَّا أبا حنيفة, فإنَّه كَرِهَ الوضوءَ بسُؤرِ الهرِّ, فإنْ فعل أجزأه) ((المغني)) (1/38). وبه قال الأوزاعي، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيدة، وجماعة أصحاب الحديث. ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (1/323، 324)، ((المجموع)) للنووي (1/173) وانظر: ((شرح السنة)) للبغوي (2/74)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدِّين ابن قدامة (1/312). وقال ابن عبدِ البَرِّ: (الحُجَّة عند التنازعِ والاختلافِ؛ سنَّةُ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد صحَّ عنه من حديث أبي قتادة، وعليه اعتمادُ الفقهاءِ في كلِّ مصرٍ، إلَّا أبا حنيفة ومَنْ قال بقوله، ولا أعلم لمن كره سؤر الهرِّ حُجَّةً أحسن من أنه لم يبلغْه حديثُ أبي قتادة، وبلَغَه حديثُ أبي هريرة في الكلْبِ، فقاس الهرَّ على الكَلبِ) ((التمهيد)) (1/324، 325).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
 عن كبشةَ بنتِ كعبِ بنِ مالك: ((أنَّ أبا قتادةَ دخل عليها، فسكبتْ له وضوءًا، قالت: فجاءت هِرَّةٌ، فأصغى لها الإناءَ حتى شرِبت، قالت كبشة: فرآني أنظُرُ إليه، قال: أتعجبينَ يا ابنةَ أخي؟ فقلت: نعم، فقال: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: إنَّها ليسَتْ بنَجِسٍ، إنَّها من الطوَّافينَ عليكم والطوَّافاتِ )) رواه أبو داود (75)، والترمذي (92)، والنَّسائي (68)، وابن ماجه (367)، وأحمد (22633)، ومالك في ((الموطأ)) (2/30)، والدارمي (1/203) (736). قال البخاريُّ كما في ((السنن الكبرى)) للبيهقي (1/245): جوَّد مالكٌ هذا الحديث، وروايته أصحُّ من رواية غيره، وقال الترمذيُّ، حسن صحيح، وقال العقيليُّ في ((الضعفاء الكبير)) (2/142): إسناده ثابت صحيح، وقال الدارقطني كما في ((المحرر)) (38): رواته ثقات معروفون، واحتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (1/117)، وصحَّحه ابن عبدِ البَرِّ في ((التمهيد)) (1/318)، والنووي في ((المجموع)) (1/117)، وابن دقيق في ((الاقتراح)) (126)، وابن حجر في ((المطالب العالية)) (1/59)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (75).
وجه الدَّلالة:
أنَّ قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ليستْ بنَجِسٍ)) دلَّ على طهارة عينِها، كما دلَّ الحديثُ على طهارةِ سُؤرِها؛ إذ أصْغى لها أبو قتادة الإناءَ.
ثانيًا: أنَّ كراهةَ سُؤرِها فيه حرجٌ ومشقَّة؛ لأنَّه ممَّا يكثُرُ في البيوتِ؛ ولهذا جاءت الإشارةُ إليه في قول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّها من الطوَّافينَ عليكم والطوَّافاتِ)) رواه أبو داود (75)، والترمذي (92)، والنَّسائي (68)، وابن ماجه (367)، وأحمد (22633)، ومالك في ((الموطأ)) (2/30)، والدارمي (1/203) (736). قال البخاريُّ كما في ((السنن الكبرى)) للبيهقي (1/245): جوَّد مالكٌ هذا الحديث، وروايته أصحُّ من رواية غيره، وقال الترمذيُّ، حسن صحيح، وقال العقيليُّ في ((الضعفاء الكبير)) (2/142): إسناده ثابت صحيح، وقال الدارقطني كما في ((المحرر)) (38): رواته ثقات معروفون، واحتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (1/117)، وصحَّحه ابن عبدِ البَرِّ في ((التمهيد)) (1/318)، والنووي في ((المجموع)) (1/117)، وابن دقيق في ((الاقتراح)) (126)، وابن حجر في ((المطالب العالية)) (1/59)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (75).
المسألة الثانية: حُكمُ سُؤر ِالبَغلِ والحِمارِ الأهليِّ
سؤرُ البَغلِ والحِمارِ الأهليِّ؛ طاهِرٌ، وهو مذهَبُ المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/71)، وينظر: ((المدوَّنة)) لسحنون (1/115). والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/172)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/317). وروايةٌ عن أحمد ((الإنصاف)) للمرداوي (1/245-246)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/36). ، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلف (وبه قال من الصحابة: عمر، وعلي، وأبو هريرة، ومن التابعين: عطاء بن أبي رباح، وقاسم بن محمد، والحسن البصري). ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/317)، و(عن يحيى بن سعيد وبكير بن عبد الله بن الأشج أنَّهما كانَا يقولان: لا بأس أن يتوضَّأ الرجل بفَضلِ سُؤرِ الحمير والبغال وغيرهما من الدواب. وقال ابنُ شهاب مِثلَه في الحِمارِ. وقال عطاء بن أبي رباح وربيعة بن أبي عبد الرحمن وأبو الزناد في الحمارِ والبَغلِ مِثلَه) ((المدونة)) لسحنون (1/116). ، واختاره ابنُ قدامة قال ابن قدامة: (والصَّحيح عندي: طهارةُ البَغلِ والحمار; لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يركَبُها, وتُركَب في زمنه, وفي عصر الصَّحابة, فلو كان نجِسًا لبيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك; ولأنَّهما لا يمكِنُ التحرُّز منهما لمُقتَنيهما؛ فأشبها السِّنَّورَ) ((المغني)) (1/37). ، وابنُ باز قال ابن باز: (لا حرج في الشُّرب من الماءِ الذي تشرب منه الدوابُّ من الإبِلِ، أو البَقَر، أو الغَنَم؛ لأنها طيِّبة ومباحة، وهكذا الحُمُرُ والبغال؛ لو شربت فإنَّها لا تضرُّ الماءَ، فالماء طَهورٌ، ولو شرب منه البغلُ والحِمارُ، كانت تشرب من مياه الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والصَّحابةِ. والصواب: أنَّ سؤرَ البَغلِ والحِمارِ لا حرج فيه) ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز بعناية الشويعر (5/390). ، وابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (ولكنَّ ظاهِرَ الحديث: أنَّ طهارَتَها لمشقَّة التحرُّزِ منها؛ لكونها من الطوَّافين علينا؛ فيكثر تردُّدها علينا، فلو كانت نجسةً؛ لشقَّ ذلك على الناس، وعلى هذا يكونُ مناطُ الحكمِ التَّطوافَ الذي تحصل به المشقَّةُ بالتحرُّز منها، فكلُّ ما شقَّ التحرُّز منه، فهو طاهِرٌ؛ فعلى هذا؛ البغل والحمار طاهران، وهذ هو القولُ الرَّاجِحُ الذي اختاره كثيرٌ من العلماء) ((الشرح الممتع)) (1/444). ، وبه أفتت اللَّجنةُ الدائمةُ قالت اللجنة: (الراجِحُ طَهارةُ سُؤرِ البغل والحمار الأهلي وسِباع البهائم، كالذئبِ والنَّمِر والأسد، وجوارِحِ الطير كالصقر والحِدَأة، وهذا هو الذي صحَّحه أبو محمَّد بن قدامة رحمه الله في المغني) ((فتاوى اللجنة الدائمة- 1)) (5/416)
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن عَمرِو بنِ الحارِثِ بنِ المصطَلِق رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((ما ترَك النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دِينارًا، ولا دِرهمًا، ولا عَبدًا، ولا أمَةً، إلَّا بغْلتَه البيضاءَ التي كان يركَبُها، وسلاحَه، وأرضًا جعَلَها لابنِ السَّبيلِ صدقةً )) رواه البخاري (4461).
2- عن معاذِ بنِ جَبلٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنتُ رِدْفَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على حِمارٍ يقال له: عُفيرٌ.. )) رواه البخاري (2856) واللفظ له، ومسلم (30).
3- عن عبدِ الله بن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((أقبلتُ راكبًا على حمارٍ أتانٍ، وأنا يومئذٍ قد ناهزتُ الاحتلامَ، ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي بالنَّاسِ بمنًى إلى غيرِ جِدارٍ، فمررتُ بين يَدَي بعضِ الصَّفِّ، فنزلتُ وأرسلتُ الأتانَ ترتَعُ، ودخلتُ في الصفِّ، فلم يُنكِرْ ذلك عليَّ أحدٌ )) رواه البخاري (493) واللفظ له، ومسلم (504).
4- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((نزَل أهلُ قُريظةَ على حُكمِ سعدِ بنِ مُعاذِ. فأرسلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى سعدٍ، فأتاه على حِمارٍ..)) رواه البخاري (4121)، ومسلم (1768) واللفظ له.
وجهُ الدَّلالة من هذه الأحاديث:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يركَبُ الحُمُر والبِغال, كما أنَّها كانت تُركَبُ في زمنه, وفي عصر الصحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، ولا يخلو راكبُها من ملامسةِ لُعابِها وعَرَقِها، وغير ذلك، ولو كانتْ نجسةً لتحرَّزَ منها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولأمَرَ بالتحرُّزِ منها ((المغني)) لابن قدامة (1/37).
ثانيًا: قياسًا على الهرَّةِ، فالبِغالُ والحُمُرُ الأهليَّةُ في حُكمِ الطوَّافينَ؛ لكثرةِ الملابسةِ، فيشقُّ التحرُّز منها ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (21/621).

انظر أيضا: