الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: الإشهادُ على الرَّجعةِ


يُستَحَبُّ الإشهادُ على الرَّجعةِ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [2211]   ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/252)، ((الفتاوى الهندية)) (1/468). ، والمالِكيَّةِ [2212]   ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (4/261)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/424)، ((منح الجليل)) لعليش (4/194). ، والشَّافِعيَّةِ -في الأظهَرِ عندَهم- [2213]   ((روضة الطالبين)) للنووي (8/216)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (4/301). ، والحَنابِلةِ [2214]   ((الإقناع)) للحجاوي (4/66)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/342). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [2215]   قال شمس الدين ابن قدامة: (لا خلافَ بين أهلِ العِلمِ في استحبابِ الإشهادِ). ((الشرح الكبير)) (8/473). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (7/523). ورُوِيَ عن أحمدَ أنَّها تجِبُ، وهو قولٌ للشافعي؛ قال ابنُ قدامة: (فأمَّا الشهادةُ ففيها روايتان: إحداهما: تجِبُ، وهذا أحَدُ قولَيِ الشَّافعيِّ). ((المغني)) (7/522). ويُنظر: ((إعانة الطالبين)) لبكري الدمياطي (4/36).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ [البقرة: 229]
2- قال عزَّ وجلَّ: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة: 228]
3- قال سُبحانَه وتعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة: 231]
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الآياتِ:
أنَّه تعالى أجاز الرَّجعةَ في هذه الوُجوهِ مِن غَيرِ ذِكرِ إشهادٍ؛ فوجب جوازُها؛ لعُمومِ هذه الآياتِ [2216]   ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/140).
4- قال تعالى: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطَّلاق: 2]
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ عَطفٌ على الرَّجعةِ في قَولِه تعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الطَّلاق: 2] ، وعلى الطَّلاقِ في قَولِه: أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ثمَّ لم تَجِبْ في الطَّلاقِ، وهو أقرَبُ المذكورَينِ، فكان بألَّا تَجِبَ في الرَّجعةِ -لِبُعدِها- أولى؛ فعلى هذا تكونُ الشَّهادةُ عليها نَدبًا [2217]   ((الحاوي الكبير)) للماوردي (10/319).
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
أنَّ عِمرانَ بنَ حُصينٍ سُئلَ عن الرَّجُلِ يُطلِّقُ امرأتَه ثمَّ يقَعُ بها، ولم يُشهِدْ على طلاقِها، ولا على رجْعتِها، فقال: (طَلَّقتَ لِغَيرِ سُنَّةٍ، وراجعْتَ لغيرِ سُنَّةٍ؛ أشهِدْ على طلاقِها وعلى رَجعتِها، ولا تَعُدْ ) [2218]   أخرجه أبو داود (2186) واللفظ له، وابن ماجه (2025). حسَّنَه ابن القطَّان في ((الوهم والإيهام)) (5/29)، وقال محمد بن عبد الهادي في ((المحرر)) (376): رواته ثقاتٌ مخرَّجٌ لهم في الصحيح. وجَوَّدَ إسناده ابن الملقِّن في ((تحفة المحتاج)) (2/402)، وصَحَّح إسناده موقوفًا ابنُ حجر في ((بلوغ المرام)) (325)، وصَحَّح إسناده الشوكاني في ((السيل الجرار)) (2/409)، وابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (620)، وصَحَّح الحديث الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2186).
ثالثًا: أنَّ الرَّجعةَ حَقٌّ للزَّوجِ، وليس في الأصولِ كَونُ الإشهادِ شَرطًا في استيفاءِ حَقِّ الإنسانِ لِنَفسِه [2219]   ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/141).
رابِعًا: أنَّ الفُرقةَ لَمَّا صَحَّت بغيرِ إشهادٍ كانت الرَّجعةُ كذلك؛ إذ كُلُّ واحدٍ منهما مُتعَلِّقٌ بفِعلِه دونَ غَيرِه [2220]   ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/141).
خامِسًا: لأنَّ الرَّجعةَ لا تَفتَقِرُ إلى قَبولٍ مِنَ المرأةِ، فلم تفتَقِرْ إلى شهادةٍ، كسائِرِ حُقوقِ الزَّوجِ [2221]   ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (8/473).
سادسًا: لأنَّ ما لا يُشتَرَطُ فيه الوَليُّ لا يُشتَرَطُ فيه الإشهادُ، كالبَيعِ [2222]   ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (8/473).
سابعًا: لأنَّها في حُكمِ الزَّوجاتِ؛ بدَليلِ ثُبوتِ التَّوارُثِ، ولُحوقِ الطَّلاقِ والظِّهارِ والإيلاءِ، والانتقالِ إلى عِدَّةِ الوفاةِ إذا مات الزَّوجُ. والإشهادُ إنَّما أُمِرَ به للاحتياطِ؛ مخافةَ أن تُنكِرَ المرأةُ الرَّجْعةَ، فتنقَضيَ العِدَّةُ فتَنكِحَ زَوجًا آخَرَ [2223]   ((التفسير البسيط)) للواحدي (21/505).

انظر أيضا: