الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: ما يُشتَرَطُ في الزَّوجةِ المُرتَجَعةِ


المسْأَلة الأُولى: رَجعةُ المُرتَدَّةِ
يُشتَرَطُ في المُرتَجَعةِ أن تكونَ مُسلِمةً زَمَنَ الرَّجعةِ؛ فلا تَصِحُّ رَجعةُ مُرتَدَّةٍ، نصَّ عليه الجمهورُ: المالِكيَّةُ [2125]   ((التاج والإكليل)) للمواق (6/284)، ((منح الجليل)) لعليش (9/213). ويُنظر: ((الإشراف على نكت مسائل الخلاف)) للقاضي عبد الوهاب (2/759). ، والشَّافِعيَّةُ [2126]   ((منهاج الطالبين)) للنووي (241)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/149)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/60). ، والحَنابِلةُ [2127]   ((الإقناع)) للحجاوي (4/66)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/344). ؛ وذلك لأنَّ مَقصَدَ الرَّجعةِ حِلُّ الزَّوجةِ، والرِّدَّةُ تُنافيه [2128]   ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/149)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/60).
المسْأَلة الثَّانية: أن تكونَ الرَّجعةُ فيما دونَ ثلاثِ تَطليقاتٍ
تكون الرَّجعةُ للمَرأةِ بعد طَلقةٍ أو طلقَتينِ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة: 228]
2- قال تعالى: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة: 229]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الطَّلاقَ الذي تكونُ فيه الرَّجعةُ هو ما وقعَ مَرَّةً أو مرَّتينِ [2129]   ((الأم)) للشافعي (5/275).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن الحَسَنِ: ((أنَّ مَعقِلَ بنَ يَسارٍ كانت أختُه تحتَ رَجُلٍ فطَلَّقَها، ثمَّ خَلَّى عنها حتى انقَضَت عِدَّتُها، ثمَّ خَطَبَها، فحَمِيَ مَعقِلٌ مِن ذلك أنَفًا، فقال: خلَّى عنها وهو يَقدِرُ عليها، ثمَّ يَخطُبُها! فحال بينه وبينها، فأنزل الله: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة: 232] إلى آخِرِ الآيةِ، فدعاه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقرَأَ عليه، فتَرَك الحَمِيَّةَ واستقاد لأمرِ اللهِ )) [2130]   أخرجه البخاري (5331).
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ [2131]   قال ابنُ المنذر: (أجمع كُلُّ مَن نحفَظُ عنه مِن أهلِ العِلمِ على أنَّ الحُرَّ إذا طَلَّق زَوجتَه الحُرَّةَ -وكانت مدخولًا بها- تطليقةً أو تطليقَتينِ: أنَّه أحَقُّ برَجعتِها حتى تنقَضيَ العِدَّةُ). ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (5/378). ، وابنُ حَزمٍ [2132]   قال ابنُ حزم: (وأمَّا طلاقُ الموطوءةِ واحدةً أو اثنتينِ: فللمُطَلِّقِ مراجعتُها -أحبَّت أم كَرِهَت- بلا صَداقٍ، ولا وليٍّ، ولكِنْ بإشهادٍ فقط، وهذا ما لا خلافَ فيه). ((المحلى)) (10/25). ، والغزالي [2133]   قال الغزالي: (كلُّ من طلَّق زوجته طلاقًا مُستَعقِبًا للعِدَّةِ، ولم يكُنْ بعِوَضٍ ولم يستوفِ عدَدَ الطَّلاقِ: ثَبَتت له الرَّجعةُ... بإجماعِ الأمَّةِ). ((الوسيط)) (5/457). ، والقُرطبي [2134]   قال القرطبي: (أجمع العُلَماءُ على أنَّ الحُرَّ إذا طلَّق زوجته الحرَّةَ -وكانت مدخولًا بها- تطليقةً أو تطليقتينِ: أنَّه أحَقُّ برجعتِها). ((تفسير القرطبي)) (3/120). ، وابنُ تَيميَّةَ [2135]   قال ابنُ تَيميَّةَ: (الطَّلاقُ ثلاثةُ أنواعٍ باتِّفاقِ المُسلِمينِ: الطَّلاقُ الرَّجعيُّ: وهو الذي يمكِنُه أن يَرتجِعَها فيه بغيرِ اختيارِها). ((الفتاوى الكبرى)) (3/278). ، وابنُ حَجَرٍ [2136]   قال ابنُ حجر: (وقد أجمعوا على أنَّ الحُرَّ إذا طلَّق الحُرَّةَ بعد الدُّخولِ بها تطليقةً أو تطليقتينِ، فهو أحَقُّ برجعتِها). ((فتح الباري)) (9/483).
المسْأَلة الثَّالِثة: أن تَحصُلَ الرَّجعةُ بعد الدُّخولِ بالزَّوجةِ المُطَلَّقةِ
تكونُ الرَّجعةُ للزَّوجةِ المدخولِ بها، ولا رَجعةَ لغيرِ المدخولِ بها.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب: 49]
وَجهُ الدَّلالةِ:
بيَّنَ اللهُ سُبحانَه أنَّه لا عِدَّةَ على غيرِ المدخولِ بها، فتَبِينُ بمُجَرَّدِ طَلاقِها وتصيرُ كالمدخولِ بها بعدَ انقِضاءِ عِدَّتِها؛ لا رَجعةَ عليها ولا نَفقةَ لها [2137]   ((المغني)) لابن قدامة (7/515).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ نصرٍ المروزيُّ [2138]   قال ابنُ نصر المروزي: (أجمع أهلُ العِلمِ على أنَّ الرجُلَ إن طلَّقَ امرأتَه تطليقةً ولم يدخُلْ بها: أنَّها قد بانت منه، وليس له عليها رجعةٌ، وليس عليها عِدَّةٌ). ((اختلاف الفقهاء)) (ص: 245). ، وابنُ المنذِرِ [2139]   قال ابنُ المنذر: (أجمع كُلُّ مَن نحفَظُ عنه مِن أهلِ العِلمِ على أنَّ الحُرَّ إذا طَلَّق زَوجتَه الحُرَّةَ -وكانت مدخولًا بها- تطليقةً أو تطليقَتينِ: أنَّه أحَقُّ برَجعتِها حتى تنقَضيَ العِدَّةُ). ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (5/378). ، وابنُ حَزمٍ [2140]   قال ابنُ حزم: (أجمعوا أنَّ التي طُلِّقَت ولم تكن وُطِئَت في ذلك النِّكاحِ ولا طالت صُحبتُه لها بعد دُخولِه بها، ولا طَلَّقَها في مرَضِه: فلا عِدَّةَ عليها أصلًا، وأنَّ لها أن تَنكِحَ حينئذٍ مَن يحِلُّ له نِكاحُها إن أحَبَّت، وكانت ممَّن لها الخيارُ، ولا رَجَعَت للمُطَلِّقِ عليها إلَّا كالأجنبيِّ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 76).
المسْأَلة الرَّابِعة: أن تكونَ المُطَلَّقةُ في العِدَّةِ
الرَّجعةُ لا تكونُ إلَّا في العِدَّةِ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا [البقرة: 228]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ المرادَ بـ ذَلِكَ العِدَّةُ [2141]   ((الإشراف على مذاهب العلماء)) لابن المنذر (5/378).
2- قال تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة: 231]
وَجهُ الدَّلالةِ:
المرادُ بالإمساكِ الرَّجعةُ، والمعنى: إذا قارَبْنَ بلوغَ أجَلِهنَّ، أي: انقِضاءَ عِدَّتِهنَّ [2142]   ((المغني)) لابن قدامة (7/515).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ نصرٍ المروزيُّ [2143]   قال ابنُ نصر المروزي: ( أجمع أهلُ العِلمِ على أنَّ الرجُلَ إذا أراد أن يُطَلِّقَ امرأتَه للسُّنَّةِ وهي ممَّن تحيضُ: أنَّه إن أمهلَها حتى تَطهُرَ مِن حيضِها، ثمَّ طلَّقَها مِن قَبلِ أن يجامِعَها واحدةً، ثمَّ تركَها حتى تنقضيَ عِدَّتُها ولم يُطَلِّقْها غيرَ تلك التطليقةِ: أنَّه مُطَلِّقٌ للسنَّةِ، وهو أملَكُ برجعتِها ما دامت في العِدَّةِ، فإذا انقَضَت عِدَّتُها فهو خاطِبٌ مِن الخُطباءِ). ((اختلاف الفقهاء)) (ص: 236). ، وابنُ المنذِرِ [2144]   قال ابنُ المنذر: (أجمع كُلُّ مَن نحفَظُ عنه مِن أهلِ العِلمِ على أنَّ الحُرَّ إذا طَلَّق زَوجتَه الحُرَّةَ -وكانت مدخولًا بها- تطليقةً أو تطليقَتينِ: أنَّه أحَقُّ برَجعتِها حتى تنقَضيَ العِدَّةُ). ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (5/378). ، وابنُ عبدِ البَرِّ [2145]   قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (الأجَلُ لو انقضى، وهو انقِضاءُ العِدَّةِ، لم يجُزْ «لهم» إمساكُهنَّ، وهذا إجماعٌ لا خِلافَ فيه). ((التمهيد)) (10/63).
المسْأَلة الخامِسةُ: ألَّا يكونَ الطَّلاقُ بعِوَضٍ
يُشتَرَطُ في الرَّجعةِ ألَّا يكونَ الطَّلاقُ بعِوَضٍ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة: 229]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تعالى أذِنَ به وسَمَّاه فِديةً، فكان بَيِّنًا في كتابِ اللهِ تعالى إذ أحَلَّ له أخذَ المالِ: أنَّه إذا ملَكَ مالًا عِوَضًا مِن شَيءٍ لم يَجُزْ أن يكونَ له على ما مَلَك به المالَ سَبيلٌ، والمالُ هو عِوَضٌ مِن بُضعِ المرأةِ، فلو كان له عليها فيه رَجعةٌ كان مَلَك مالَها ولم تَملِكْ نَفسَها دونَه [2146]   ((الأم)) للشافعي (5/275).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: الغزالي [2147]   قال الغزالي: (كلُّ مَن طلَّق زوجتَه طَلاقًا مُستَعقِبًا للعِدَّةِ، ولم يكُنْ بعِوَضٍ ولم يستوفِ عَدَدَ الطَّلاقِ: ثَبَتت له الرَّجعةُ... بإجماعِ الأمَّةِ). ((الوسيط)) (5/457). ، وابنُ قُدامةَ [2148]   قال ابنُ قدامة: (أجمع أهلُ العِلمِ على أنَّ الحُرَّ إذا طلَّق الحُرَّةَ بعد دخولِه بها أقَلَّ مِن ثلاثٍ، بغيرِ عِوَضٍ ولا أمرٍ يقتضي بينونَتَها: فله عليها الرَّجعةُ ما كانت في عِدَّتِها، وعلى أنَّه لا رجعةَ له عليها بعد قَضاءِ عِدَّتِها). ((المغني)) (7/519).
ثالثًا: أنَّ العِوَضَ في الطَّلاقِ إنَّما جُعِلَ لِتَفتديَ به المرأةُ نَفسَها مِنَ الزَّوجِ، ولا يَحصُلُ ذلك مع ثُبوتِ الرَّجعةِ [2149]   ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/342).
المسْأَلة السَّادِسةُ: أن تكونَ مُعيَّنةً
يُشتَرَطُ في المُرتَجَعةِ التَّعيينُ إذا ما طَلَّقَ الرجلُ إحدى زوجاتِه وأبهَمَ، أو طلَّقَهنَّ جَميعًا ثمَّ راجَعَ إحداهُنَّ، نَصَّ عليه الشَّافِعيَّةُ [2150]   ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/337)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (4/5). ؛ إذ ليست الرَّجعةُ في احتِمالِ الإبهامِ كالطَّلاقِ؛ لِشِبْهِها بالنِّكاحِ، وهو لا يَصِحُّ مع الإبهامِ [2151]   ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/337).

انظر أيضا: