الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّلُ: حُكمُ الرَّجعةِ


يُباحُ للزَّوجِ إن طَلَّق زوجتَه طَلقةً أو طلقتَينِ، وكان قد دخل بها، ولم يكن بعِوَض، أن يُراجِعَها قبل انقِضاءِ العِدَّةِ [2086]   الأصلُ في الرَّجعةِ: الإباحةُ، وتجِبُ أو تُسَنُّ -على خلافٍ- لِمن طُلِّقَت في الحيضِ أو النِّفاسِ، وتَحرُمُ لقَصدِ الضَّرَرِ، وتُندَبُ في حالةِ ندَمِ الزَّوجينِ بعدَ وقوعِ الطَّلاق، وتُكرَهُ إذا ظنَّ أنَّه لا يُحسِنُ إلى زوجتِه. يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/180)، ((العناية)) للبابرتي (4/158)، ((حاشية ابن عابدين)) (3/233)، ((منح الجليل)) لعليش (4/36)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (4/295)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/240)، ((تفسير القرطبي)) (3/123)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (6/299)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (22/106).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا [البقرة: 228]
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه تعالى: أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ أي: في العِدَّةِ   إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا أي: رَجعةً [2087]   ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/335).
2- قال تعالى: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة: 229]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الإمساكَ مُفَسَّرٌ بأنَّه الرَّجعةُ [2088]   ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/335).
3- قال تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة: 231]
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه تعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أي: بالرَّجعةِ، ومعناه: إذا قارَبْنَ بُلوغَ أجَلِهنَّ، أي: انقِضاءَ عِدَّتِهنَّ [2089]   ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (8/470).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن ابنِ عبَّاسٍ، عن عُمَرَ: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَلَّق حَفصةَ ثمَّ راجَعَها )) [2090]   أخرجه أبو داود (2283)، والنسائي (3560)، وابن ماجه (2016). أخرجه ابن حبان في ((صحيحه)) (4275)، وقال ابنُ كثير في ((مسند الفاروق)) (1/421): إسناده جيِّدٌ قويٌّ ثابت. وحَسَّن إسناده ابن حجر في ((فتح الباري)) (9/197)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (2/7): صالحٌ للاحتجاج. وصَحَّح الحديث الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2283).
2- عن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ، أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: ((طَلَّقتُ امرأتي وهي حائِضٌ، فذكَرَ ذلك عُمَرُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتغَيَّظَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! ثمَّ قال: مُرْه فلْيُراجِعْها حتى تحيضَ حَيضةً أُخرى مُستَقبَلةً سِوى حيضتِها التي طلَّقَها فيها، فإنْ بدا له أن يُطَلِّقَها فلْيُطَلِّقْها طاهِرًا مِن حَيضتِها قبل أن يمَسَّها؛ فذلك الطَّلاقُ للعِدَّةِ كما أمَرَ اللهُ، وكان عبدُ اللهِ طَلَّقها تطليقةً واحِدةً، فحُسِبَت مِن طَلاقِها، وراجَعَها عبدُ الله كما أمَرَه رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم )) [2091]   أخرجه البخاري (4908)، ومسلم (1471) واللفظ له.
3- عن فاطِمةَ بنتِ قَيسٍ رضي اللهُ عنها قالت: ((أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقُلتُ: أنا بنتُ آلِ خالدٍ، وإنَّ زوجي فلانًا أرسل إليَّ بطَلاقي، وإنِّي سألتُ أهلَه النَّفقةَ والسُّكنى، فأبَوا عليَّ. قالوا: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه قد أرسَلَ إليها بثلاثِ تَطليقاتٍ. قالت: فقال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّما النَّفَقةُ والسُّكنى للمرأةِ إذا كان لزَوجِها عليها الرَّجعةُ )) [2092]   أخرجه النسائي (3403) واللفظ له، وأحمد (27100). قال ابنُ القطان في ((الوهم والإيهام)) (4/477): لا يصِحُّ. وقال الذهبي في ((تنقيح التحقيق)) (2/221): مجالِدٌ ليس بحُجة. وصَحَّح إسنادَه ابن القيم في ((تهذيب السنن)) (6/392)، والصنعاني في ((العدة على الإحكام)) (4/143)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (7/108): تفرَّدَ برفعه مجالِدُ بن سعيد، وهو ضعيف. وذكر أنَّ له مُتابعةً ترفعه لدرجة الاعتبار. وصَحَّح الحديث الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3403).
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ [2093]   قال ابنُ المنذر: (أجمع كُلُّ من نحفَظُ عنه من أهلِ العِلمِ على أنَّ الحُرَّ إذا طلَّق زوجتَه الحُرَّةَ -وكانت مدخولًا بها- تطليقةً أو تطليقتينِ: أنَّه أحَقُّ برَجعتِها حتى تنقَضيَ العِدَّةُ). ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (5/378). ، والغزالي [2094]   قال الغزالي: (كُلُّ من طَلَّق زوجتَه طلاقًا مُستَعقِبًا للعِدَّةِ ولم يكُنْ بعِوَضٍ ولم يستوفِ عَدَدَ الطَّلاقِ: ثبتت له الرَّجعةُ... بإجماعِ الأمَّةِ). ((الوسيط)) (5/457).

انظر أيضا: