الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّاني: الفُرقةُ بالطَّلاقِ بعدَ العَقدِ والخَلوةِ وقَبلَ الدُّخولِ


يَجِبُ الصَّداقُ كامِلًا إذا خلا الرَّجُلُ بامرأتِه بعد العَقدِ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [2026]   ((مختصر القدوري)) (ص: 150)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (5/585)، ((الفتاوى الهندية)) (1/524). ، والحَنابِلةِ [2027]   ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (4/116)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/680). ، وقَولُ الشَّافعيِّ في القَديمِ [2028]   ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/540). ، وبه قال طائِفةٌ مِنَ السَّلَفِ [2029]   قال الماوردي: (به قال من الصَّحابةِ: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عنهم، ومن التابعين: الزُّهري، ومن الفقهاء: الثوري). ((الحاوي الكبير)) (9/540). ، وحُكِيَ الإجماعُ في ذلك [2030]   قال الكاساني: (لها المهرُ كامِلًا، وعليها العِدَّةُ بالإجماعِ إن كان الزَّوجُ قد خلا بها). ((بدائع الصنائع)) (2/326). ونقل ابنُ قُدامةَ إجماعَ الصَّحابةِ في ذلك، فقال: (لنا: إجماعُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم؛ روى الإمامُ أحمد والأثرم بإسنادِهما عن زُرارةَ بنِ أوفى، قال: قضى الخُلَفاءُ الرَّاشِدونَ المَهديُّون أنَّ مَن أغلق بابًا أو أرخى سِترًا، فقد وَجَب المهرُ، ووجَبَت العِدَّةُ. ورواه الأثرمُ أيضًا عن الأحنف، عن عمر، وعلي، وعن سعيد بن المسيب، وعن زيد بن ثابت: عليها العِدَّةُ، ولها الصَّداقُ كامِلًا. وهذه قضايا تشتَهِرُ، ولم يخالِفْهم أحَدٌ في عَصرِهم؛ فكان إجماعًا). ((المغني)) (7/249). كما نقل ابنُ الهمام عن الطحاوي إجماعَ الصَّحابةِ في ذلك، فقال: (يُجابُ بأنَّ ثُبوتَ الكَمالِ في الصُّورةِ المذكورةِ بالإجماعِ؛ للإجماعِ على أنَّه حينئذ تَسليمُ المُبدَلِ مع ادِّعاءِ الإجماعِ على وُجوبِ كمالِه بالخَلوةِ، كما نقَلَه الشيخ أبو بكر الرازي في أحكامِه؛ حيث قال: هو اتِّفاقُ الصَّدرِ الأوَّلِ، وحكى الطحاويُّ فيه إجماعَ الصَّحابةِ). ((فتح القدير)) (3/332).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [البقرة: 20-21]
أوجهُ الدَّلالةِ:
1- عُمومُ قَولِه تعالى: فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا  إلَّا ما خصَّه دليلٌ [2031]   ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/541).
2- في قَولِه تعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ إيجابُ الصَّداقِ كامِلًا بالإفضاءِ، وهو الخَلوةُ؛ لأنَّه من الدُّخولِ في الفَضاءِ، وهو الموضِعُ الواسِعُ الخالي [2032]   ((تفسير الماوردي)) (1/467)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/541)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (3/332).
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عن عُمَرَ وعليٍّ رضي اللَّه عنهما قالا: (من أغلق بابًا، وأرخى سِترًا، فلها الصَّداقُ كامِلًا، وعليها العِدَّةُ) [2033]   أخرجه من طرُقٍ عن عمر وعن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهما: ابنُ أبي شيبة في ((المصنف)) (16957)، والدارقطني (3/307)، والبيهقي (14875). قال ابنُ عبد البَرِّ في ((الاستذكار)) (4/436): رُوِيَ من وجوه هذا أحسَنُها. وقال ابنُ كثير في ((مسند الفاروق)) (1/433): له طرقٌ يشُدُّ بعضُها بعضًا. وصَحَّح الأثر الألباني في ((إرواء الغليل)) (1937).
ثالثًا: النِّكاحُ عَقدٌ على مَنفعةٍ، فوجب أن يكونَ التمكينُ مِن المنفعةِ بمنزلة استيفائِها في استقرارِ بدلِها كالإجارةِ [2034]   ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/541).
رابعًا: لأنَّ التسليمَ المستحَقَّ بالعقدِ قد وُجِدَ من جهتِها، فوجب أن يستقِرَّ العِوَضُ لها، أصلُه: إذا وَطِئَها [2035]   ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/541).
خامسًا: لأنَّ المهرَ في مقابلةِ الإصابةِ، كما أنَّ النَّفَقةَ في مُقابلةِ الاستمتاعِ، ثمَّ ثبت أنَّ التمكينَ مِن الاستمتاعِ شَرطٌ بمنزلةِ الاستِمتاعِ في استقرارِ النَّفَقةِ؛ فوجب أن يكونَ التَّمكينُ مِن الإصابةِ بمنزلةِ الإصابةِ في استقرارِ المهرِ [2036]   ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/541).

انظر أيضا: