الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّالِثُ: الطَّلاقُ بألفاظٍ مُتكَرِّرةٍ مع العَطفِ


اختَلَف العُلَماءُ في حُكمِ طَلاقِ الثَّلاثِ في حَقِّ غيرِ المدخولِ بها بلَفظِ: أنت طالقٌ وطالِقٌ وطالِقٌ؛ على قولينِ:

القول الأول:
يقَعُ ثلاثًا، وتَحرُمُ المرأةُ غيرُ المدخولِ بها، ولا تَحِلُّ له حتى تَنكِحَ زَوجًا غَيرَه، وهذا مَذهَبُ المالِكيَّةِ [1890]   ((التاج والإكليل)) للمواق (4/58). ، والحَنابِلةِ [1891]   ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/99)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/371). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (7/480). ، وقَولٌ عندَ الشَّافعيِّ في القَديمِ [1892]   ((روضة الطالبين)) للنووي (8/79). ؛ وذلك لأنَّ الواوَ تقتضي الجَمعَ، ولا ترتيبَ فيها، فيكونُ مُوقِعًا للثَّلاثِ جميعًا، فيَقَعْنَ عليها [1893]   ((المغني)) لابن قدامة (7/480).

القول الثاني:
لا يَقَعُ إلَّا طَلقةٌ واحِدةٌ، وهذا مَذهَبُ الحَنَفيَّة [1894]   ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/80)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/98). ، والشَّافِعيَّةِ [1895]   ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (9/10)، ((روضة الطالبين)) للنووي (8/79)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (3/339). ، وهو قَولُ ابنِ تيميَّةَ [1896]   قال ابنُ تَيميَّةَ: (إن طَلَّقها ثلاثًا في طُهرٍ واحِدٍ بكَلِمةٍ واحدةٍ أو كَلِماتٍ، مِثلُ أن يقولَ: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا، أو أنتِ طالِقٌ وطالِقٌ وطالِقٌ، أو أنتِ طالِقٌ ثمَّ طالِقٌ ثمَّ طالِقٌ، أو يقولَ: أنتِ طالِقٌ، ثمَّ يقولَ: أنتِ طالِقٌ، ثمَّ يقولَ: أنتِ طالِقٌ، أو يقولَ: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا. أو عَشرَ طَلَقاتٍ أو مِئةَ طَلقةٍ أو ألفَ طَلقةٍ، ونحو ذلك من العباراتِ: فهذا للعُلماءِ مِن السَّلَفِ والخَلَفِ فيه ثلاثةُ أقوالٍ، سواءً كانت مدخولًا بها أو غيرَ مَدخولٍ بها... الثالث: أنَّه محرَّمٌ، ولا يلزَمُ منه إلَّا طَلقةٌ واحِدةٌ... وهو الذي يدُلُّ عليه الكِتابُ والسُّنَّةُ؛ فإنَّ كُلَّ طلاقٍ شَرَعه الله في القرآنِ في المدخولِ بها إنَّما هو الطَّلاقُ الرَّجعيُّ، لم يَشرَعِ الله لأحدٍ أن يُطَلِّقَ الثلاثَ جميعًا، ولم يَشرَعْ له أن يُطَلِّقَ المدخولَ بها طلاقًا بائنًا، ولكِنْ إذا طَلَّقَها قبل الدُّخولِ بها بانت منه). ((مجموع الفتاوى)) (33/7). ، وابنِ عثيمين [1897]   قال ابنُ عثيمين: (لأنَّ غيرَ المدخولِ بها إذا طَلَّقها مرَّةً بانت، ولا يَلحَقُها طلاقُه ثانيةً؛ لأنَّه لا عِدَّةَ لها، فلو أنَّ رَجُلًا قال لزوجتِه التي لم يَدخُلْ بها: أنتِ طالِقٌ، ثمَّ قال حالًا: أنتِ طالِقٌ، فالثانية لا تَقَعُ؛ لأنَّها بانت منه بالأولى، فلا يَلحَقُها طلاقٌ). ((الشرح الممتع)) (13/139). ، وبه أفَتت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [1898]   ورد سؤالٌ لِلَّجنةِ الدَّائمةِ بأنَّ السَّائِلَ طَلَّقَ زَوجتَه أربَعَ طَلَقاتٍ، وقال: طالِقٌ ثمَّ طالِقٌ ثمَّ طالِقٌ ثمَّ طالِقٌ، فما الحُكمُ؟ فأجابت اللَّجنةُ: (إذا كانت هذه الزَّوجةُ لم يَدخُلْ بها السَّائِلُ فإنَّه لا يقعُ عليها إلَّا الطلقةُ الأولى، ولا عِدَّةَ لها، فتَحِلُّ له بعقدٍ ومَهرٍ جَديدَينِ إذا رَضِيَت به زوجًا لها، وإن كان قد دخَلَ بها فإنَّ طلاقَه هذا تَبِينُ به منه بينونةً كبرى، لا تَحِلُّ له إلَّا بعد زوجٍ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (20/138). ؛ وذلك لأنَّها قد بانت بالأُولى قبلَ ذِكرِ الثَّانيةِ، فصادَفَتْها الثَّانيةُ وهي أجنبيَّةٌ، فلم تَقَعْ [1899]   ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/80).

انظر أيضا: