الموسوعة الفقهية

المَبحثُ الثَّالثُ: الإنشادُ في الأعراسِ


يجوزُ إنشادُ الشِّعرِ الخالي مِنَ الهَجوِ، والفُحشِ، والكَذِبِ، والمعازِفِ [1423]   المؤثِّراتُ الصوتيةُ المصاحِبةُ لبعض الإنشادِ إذا كانت شبيهةً بالمعازِفِ حتى لا تكادُ تفَرِّقُ بينهما، فإنها تلحَقُ بها في الحُكمِ. قال ابن عثيمين: (هذه الأناشيدُ التي سأل عنها السائِلُ وتُسمَّى بالأناشيدِ الإسلاميَّةِ دخل فيها بعضُ ما نحذر منها؛ أنَّها تُغنَّى كغناءِ المُطرِبين الذين يغَنُّونَ بالأغاني الهابطة، ومنها أنَّها تكون بأصواتٍ جميلة جذَّابة، ومنها أنَّها أحيانًا تكون مصحوبةً بالتصفيقِ أو بالدَّقِّ على طشت أو شبهِه، والذي جاء في السؤال خالٍ عن التصفيقِ وخالٍ من الضَّربِ على الطشت وشبهِه، لكنْ يقولُ السائِلُ: إنَّه بألحانٍ كألحان الغناء الهابطِ، وإنَّه بأصواتٍ جميلة جذَّابة، وحينئذ نرى ألَّا يُستمَعَ لمثل هذا؛ لِما فيه من الفتنةِ والتشَبُّهِ بألحان الغناءِ الماجنِ، وخيرٌ من ذلك أن يستَمِعَ الإنسانُ إلى مواعِظَ نافعةٍ مأخوذةٍ مِن كتاب الله وسُنَّةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأقوالِ الصَّحابةِ والأئمة من أهل العلمِ والدين؛ فإن في ذلك غِنى وكفايةً عمَّا سواه). ((فتاوى نور على الدرب)) (12/581). وقال: (الأناشيدُ الإسلاميَّةُ كَثُر الكلامُ حولها، وأنا لم أستَمِعْ إليها إلَّا من مدة طويلة، وهي أوَّل ما خرجت لا بأسَ بها، ليس فيها دفوفٌ وتؤدَّى تأديةً ليس فيها فتنةٌ، وليست على نَغمات الأغاني المحرَّمة، لكِنَّها تطوَّرت وصارت يُسمَعُ منها قرعٌ يمكِنُ أن يكون دفًّا ويمكِنُ أن يكونَ غيرَ دُفٍّ. ثمَّ تطَوَّرت باختيارِ ذوي الأصوات الجميلة الفاتنة، ثم تطوَّرت أيضًا إلى أنَّها تؤدَّى على صفة الأغاني المحرَّمة؛ لذلك بَقِيَ في النفس منها شيءٌ وقَلَقٌ، ولا يمكِنُ للإنسانِ أن يفتيَ بأنها جائزةٌ على كُلِّ حالٍ ولا بأنَّها ممنوعةٌ على كلِّ حالٍ، لكِنْ إن خَلَت من الأمور التي أشَرْنا إليها فهي جائزةٌ، أمَّا إذا كانت مصحوبةً بدُفٍّ، أو كانت مختارًا لها ذوو الأصواتِ الجميلةِ التي تَفتِن، أو أُدِّيَت على نغماتِ الأغاني الهابطة، فإنَّه لا يجوزُ الاستماعُ لها). ((اللقاء الشهري)) رقم اللقاء (11). ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1424]   ((البناية)) للعيني (9/147)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/660). ، والمالِكيَّةِ [1425]   ((الرسالة)) لابن أبي زيد القيرواني (ص: 169)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (7/620)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/505). ، والشَّافِعيَّةِ [1426]   ((روضة الطالبين)) للنووي (11/229)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/430). ، والحَنابِلةِ [1427]   ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/593)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/368)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/619). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [1428]   قال ابن عبد البر: (هذا مِمَّا لا أعلَمُ فيه خلافًا بين العلماء إذا كان الشِّعرُ سالِمًا من الفُحشِ والخَنَا). ((التمهيد)) (22/198). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/539).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا [الشعراء: 224- 227]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الشِّعرَ لا يضُرُّ مَن آمنَ وعَمِلَ صالِحًا وقال حَقًّا، وأنَّه كالكلامِ المنثورِ؛ يؤجَرُ منه المرءُ على ما يُؤجَرُ منه، ويُكرَهُ له منه ما يُكرَهُ منه [1429]   ((التمهيد)) لابن عبد البر (22/196).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفَرٍ، وكان معه غلامٌ له أسوَدُ يقالُ له أنجَشةُ، يَحدو، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: وَيحَكَ يا أنجَشةُ! رُوَيدَكَ بالقَواريرِ )) [1430]   أخرجه البخاري (6161) واللَّفظُ له، ومسلم (2323).
2- عن سَلَمةَ بنِ الأكوَعِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((خرَجْنا مع رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى خَيبَرَ، فتَسيَّرنا ليلًا، فقال رجلٌ مِن القَومِ لعامِرِ بنِ الأكوَعِ: ألا تُسمِعُنا مِن هُنَيْهاتِكَ، وكان عامِرٌ رجُلًا شاعِرًا، فنزَلَ يحدو بالقَومِ، يقولُ: اللَّهمَّ لولا أنت ما اهتَدَينا، ولا تصَدَّقْنا ولا صَلَّينا؛ فاغفِرْ فِداءً لك ما اقتَفَينا، وثَبِّتِ الأقدامَ إن لاقَينا، وألقِيَنْ سَكينةً علينا، إنَّا إذا صِيحَ بنا أتَينا، وبالصِّياحِ عوَّلوا علينا. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: مَن هذا السَّائِقُ؟! قالوا: عامِرٌ، قال: يَرحَمُه اللهُ! فقال رجُلٌ مِن القَومِ: وجَبَت يا رَسولَ اللهِ، لولا أمتَعْتَنا به! )) [1431]   أخرجه البخاري (4196)، ومسلم (1802) واللَّفظُ له.
وَجهُ الدَّلالةِ مِن الحَديثَينِ:
الحديثانِ فيهما جوازُ الحُدَاءِ بالرَّجَزِ والشِّعرِ، وأنَّ الرَّسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم قد سَمِعَه وأقَرَّه، ولم يُنكِرْه [1432]   ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/319)، ((التمهيد)) لابن عبد البر (22/198)، ((فتح الباري)) لابن حجر (10/545،543).
ثالثًا: لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان له شُعراءُ يُصغي إليهم، منهم حَسَّانُ بنُ ثابتٍ، وعبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ [1433]   ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/430).

انظر أيضا: