الموسوعة الفقهية

المَبحثُ التَّاسع: صَداقُ المَوطوءةِ بشُبهةٍ


يجِبُ مَهرُ المِثلِ للمَوطوءةِ بشُبهةٍ [1249]   قال ابن تيمية: (قال أصحابُنا وغيرُهم: يجِبُ مهرُ المِثلِ للمَوطوءة بشبهة، وينبغي أنَّه إن أمكن أن يكونَ في وطءِ الشُّبهةِ مُسمًّى، فيكونُ هو الواجِبَ؛ فإنَّ الشبهةَ ثلاثةُ أقسام: شُبهةُ عَقدٍ، وشُبهةُ اعتقادٍ، وشُبهةُ مِلك؛ فأمَّا عقدُ النِّكاح فلا ريب فيه، وأما عقدُ البيعِ فإنه إذا وَطِئَ المرأةَ المشتراةَ شراءً فاسِدًا فالأشبهُ أنْ لا مهرَ ولا أجرةَ لِمنافِعِها، وأمَّا شبهةُ الاعتقادِ فإن كان الاشتباهُ عليه فقط فينبغي ألَّا يجِبَ لها مهرٌ، وإن كان عليها فقط فإن اعتَقَدت أنَّه زوجُها فلا يبعُدُ أن يجِبَ المهرُ المسَمَّى. وأما شُبهةُ المِلكِ، مِثلُ مُكاتِبَتِه وأمَةِ مُكاتِبَتِه، والأمةِ المُشتَرَكةِ؛ فإن كان قد اتَّفَق مع مستحِقِّ المهرِ على شيءٍ فينبغي ألَّا يجِبَ سواه، وهذا قياسُ ضَمانِ الأعيان). ((الفتاوى الكبرى)) (5/477). وقال: (وجوبُ المهرِ والعِدَّةِ والنَّسَبِ ليست من خصائِصِ العَقدِ الصَّحيحِ، فإنما يثبُتُ في وطءِ الشُّبهةِ). ((الفتاوى الكبرى)) (6/198). وقال: (جميعُ أحكام الزوجيَّةِ مُنتفيةٌ في المُستمتَعِ بها، لم يثبُتْ فيها شيءٌ مِن خصائِصِ النِّكاح الحَلالِ؛ فعُلِمَ انتفاءُ كَونِها زوجةً، وما ثبت فيها مِن الأحكامِ، مِثلُ: لحوقِ النَّسَبِ، ووجوبِ الاستبراءِ، ودَرءِ الحَدِّ، ووجوبِ المهر، ونحو ذلك- فهذا يثبُتُ في وطءِ الشُّبهةِ، فعُلِمَ أنَّ وطءَ المستمتَعِ بها ليس وطئًا لزوجةٍ، لكنَّه مع اعتقادِ الحِلِّ مِثلُ وطءِ الشُّبهةِ). ((منهاج السُّنَّة النبوية)) (4/193). وقال ابن عثيمين: (رجل تزوَّجَ امرأةً بعَقدٍ ومهرٍ مُسمًّى، ثمَّ تبيَّن أنَّها أختُه مِن الرَّضاعِ، فالشُّبهةُ هنا شُبهةُ عَقدٍ؛ لأنَّه تزوَّجَها وجامَعَها على أنَّها زوجتُه، يقول المؤلف: إنَّ لها مهرَ المِثلِ، ولكِنَّ في هذا نظرًا؛ لأنَّنا نقول: إنهما قد رَضِيا بهذا المسمَّى، وجامَعَها على أنَّ هذا مَهرُها، وليس هناك ما يُبطِلُه. فالصوابُ: أنَّه إذا كانت الشبهةُ شُبهةَ عَقدٍ، وسمَّى لها صداقًا، فلها صَداقُها المسمَّى، سواءٌ كان مِثلَ مَهرِ المِثلِ، أو أكثَرَ، أو أقَلَّ. أما الموطوءةُ بشُبهةِ اعتقادٍ، فيَجِبُ لها مَهرُ المِثلِ؛ لأنَّه ليس لها مَهرٌ مُسمًّى؛ للإجماع، ولولا الإجماعُ لكان القياسُ يقتضي أنْ لا شَيءَ لها؛ لأنَّ هذا وطءٌ بغيرِ عَقدٍ، وهو معذورٌ فيه، فكيف يجِبُ عليه مهرُ المِثلِ؟! فإنْ كان أحدٌ يقول: إنَّه لا شيءَ لها، فهو أحقُّ بالاتِّباعِ). ((الشرح الممتع)) (12/312). ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1250]   ((المبسوط)) للسرخسي (31/263)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/30)، ((الدر المختار للحصكفي وحاشية ابن عابدين)) (3/32). ، والمالِكيَّةِ [1251]   ((شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني)) (4/46)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (2/317). ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/453). ، والشَّافِعيَّةِ [1252]   ((روضة الطالبين)) للنووي (7/114)، ((الغرر البهية)) لزكريا الانصاري (4/192). ، والحَنابِلةِ [1253]   ((الإنصاف)) للمرداوي (8/226)، ((الإقناع)) للحجاوي (3/225).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أيُّما امرأةٍ نَكَحَت بغيرِ إذنِ وَلِيِّها فنِكاحُها باطِلٌ، فنِكاحُها باطِلٌ، فنِكاحُها باطِلٌ، فإنْ دخَلَ بها فلها المَهرُ بما استحَلَّ مِن فَرجِها، فإن اشتَجَروا فالسُّلطانُ وَليُّ مَن لا وليَّ له )) [1254]   أخرجه الترمذي (1102) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (5394)، وابن ماجه (1879)، وأحمد (24205). حسَّنه الترمذي، وصحَّحه يحيى بن معين كما في ((السنن الكبرى)) للبيهقي (7/105)، وابن العربي في ((القبس)) (2/685)، والذهبي في ((تنقيح التحقيق)) (2/168)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (7/553)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (9/97)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1879).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ في الحديثِ دَليلًا على أنَّ وَطءَ الشُّبهةِ يُوجِبُ المَهرَ [1255]   ((معالم السنن)) للخطابي (3/197).





انظر أيضا: