الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الثَّاني: أقَلُّ الصَّداقِ


لا حَدَّ لأقَلِّ الصَّداقِ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ [1103]   ((الأم)) للشافعي (5/63)، ((روضة الطالبين)) للنووي (7/249)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/375). ، والحَنابِلةِ [1104]   ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/6)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/129). ، والظَّاهريَّةِ [1105]   قال ابنُ حزم: (وجائزٌ أن يكونَ صَداقًا كُلُّ ما له نِصفٌ قَلَّ أو كثُرَ، ولو أنَّه حبَّةُ بُرٍّ أو حبةُ شَعيرٍ أو غيرُ ذلك... وهو قَولُ سُفيانَ الثَّوريِّ، والأوزاعيِّ، والحَسَنِ بنِ حيٍّ، واللَّيثِ بنِ سَعدٍ، وابنِ أبي ليلى، وابنِ وَهبٍ صاحِبِ مالكٍ، والشَّافعيِّ، وأحمدَ بنِ حنبلٍ، وإسحاقَ، وأبي ثَورٍ، وأبي سُليمانَ، وأصحابِهم، وجُملةِ أصحابِ الحديثِ ممَّن سلَفَ وخَلَف). ((المحلى بالآثار)) (9/91). ، وجماهيرِ العُلَماءِ مِن السَّلَف والخَلَف [1106]   قال النووي: (يجوزُ أن يكونَ الصَّداقُ قَليلًا وكثيرًا ممَّا يُتمَوَّلُ إذا تراضى به الزَّوجانِ... وهذا مذهَبُ الشافعيِّ، وهو مذهَبُ جماهيرِ العُلَماءِ مِن السَّلَف والخَلَف، وبه قال ربيعةُ، وأبو الزِّنادِ، وابنُ أبي ذئبٍ، ويحيى بنُ سعيدٍ، واللَّيثُ بنُ سعدٍ، والثَّوريُّ، والأوزاعيُّ، ومُسلمُ بنُ خالدٍ الزنجي، وابنُ أبي ليلى، وداودُ، وفُقهاءُ أهلِ الحديثِ، وابنُ وَهبٍ من أصحابِ مالكٍ. قال القاضي: هو مَذهَبُ العُلماءِ كافَّةً من الحِجازيِّينَ والبَصريِّينَ والكوفيِّينَ والشَّامييِّنَ وغيرِهم: أنَّه يجوزُ ما تراضى به الزَّوجانِ مِن قليلٍ وكثيرٍ؛ كالسَّوطِ، والنَّعلِ، وخاتَمِ الحديدِ، ونَحوِه). ((شرح النووي على مسلم)) (9/213). ، وهو اختيارُ ابنِ المُنذِر [1107]   قال ابن المنذر: (وليس لأقلِّ المهرِ حَدٌّ يُوقَفُ عليه). ((الإقناع)) (1/300). ، وابنِ عبدِ البَرِّ [1108]   قال ابن عبد البر: (قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «التَمِسْ ولو خاتَمًا من حديد» يدُلُّ على أنْ لا تحديدَ في مبلغِ الصَّداقِ، وقد أجمعوا أنْ لا حَدَّ ولا توقيتَ في أكثَرِه، فكذلك لا حَدَّ في أقَلِّه ولا توقيتَ). ((الاستذكار)) (5/412). ، وابنِ القَيِّمِ [1109]   قال ابنُ القيِّمِ في فوائدِ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه في قصةِ زواجِ أبي طلحةَ بأُمِّ سُلَيمٍ: (فتضَمَّن هذا الحديثُ أنَّ الصَّداقَ لا يتقَدَّرُ أقَلُّه). ((زاد المعاد)) (5/162). ، وابنِ عثيمين [1110]   قال ابن عثيمين: (بعضُ العلماء يقول: لا يصِحُّ أن يكونَ أقَلَّ مِن عشرةِ دراهِمَ، والصوابُ أنَّه لا حَدَّ لأقَلِّه، حتى ولو كان دِرهمًا). ((الشرح الممتع)) (12/257). ، وأفتت به اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [1111]   جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (ذِكرُ المَهرِ في النِّكاحِ ليس ركنًا مِن أركانه، فلو عُقِدَ على المرأةِ بدونِ ذِكرِ المهرِ صَحَّ العقد، ووجَبَ لها مَهرُ المثلِ، ولا حَدَّ لأقَلِّه، بل كلُّ ما جاز أن يكون ثمنًا جاز أن يكون مهرًا على الصحيح مِن أقوال العلماءِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (19/53).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قَولُه تعالى: وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء: 4]
وَجهُ الدَّلالةِ:
الإطلاقُ في قَولِه تعالى: صَدُقَاتِهِنَّ؛ فإنَّه يَشمَلُ ما قلَّ أو كثُرَ مِن الصَّداقِ [1112]   ((فتح الباري)) لابن حجر (9/204).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن سَهلِ بنِ سَعدٍ رضي الله عنه قال: ((جاءت امرأةٌ إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: إنِّي وهَبْتُ مِن نَفسي، فقامَت طويلًا، فقال رجلٌ: زوِّجْنيها إنْ لم تكُنْ لك بها حاجةٌ، قال: هل عندك من شَيءٍ تُصْدِقُها؟ قال: ما عندي إلَّا إزاري، فقال: إن أعطَيتَها إيَّاه جلَسْتَ لا إزارَ لك، فالتَمِسْ شَيئًا، فقال: ما أجِدُ شَيئًا، فقال: التَمِسْ ولو خاتمًا مِن حديدٍ، فلم يجِدْ! فقال: أمعك مِن القُرآنِ شَيءٌ؟ قال: نعم، سورةُ كذا وسورةُ كذا، لِسُورٍ سَمَّاها، فقال: قد زوَّجْناكها بما معك مِنَ القُرآنِ )) [1113]   أخرجه البخاري (5135) واللفظ له، ومسلم (1425).
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه: ((فالتَمِسْ ولو خاتَمًا مِن حَديدٍ)) دليلٌ على أنَّ الصَّداقَ لا حَدَّ له إذا تراضى الزَّوجانِ؛ لأنَّ خاتَمَ الحديدِ في نهايةٍ مِن القِلَّةِ [1114]   ((شرح النووي على مسلم)) (9/213).
ثالثًا: القياسُ على إجماعِهم على أنَّه لا حَدَّ لأكثَرِه، فكما أنَّه لا حَدَّ لأكثَرِه، فكذلك لا حَدَّ لأقَلِّه [1115]   ((الاستذكار)) لابن عبد البر (5/412).

انظر أيضا: