الموسوعة الفقهية

المَبحثُ الأوَّلُ: نِكاحُ أهلِ الكِتابِ


يحِلُّ للمُسلِمِ نِكاحُ حرائِرِ أهلِ الكِتابِ غيرِ الحَربيَّاتِ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة: 5]
وَجهُ الدَّلالةِ:
وَالْمُحْصَنَاتُ أي: الحرائِرُ العَفيفاتُ [995]     قيَّدَ اللهُ تعالى إباحةَ التزوُّج من الكِتابياتِ في كِتابه بالإحصان والعَفاف، ولا شكَّ أنَّ العفيفاتِ في المجتمعات الغربيَّة في عصْرنا يُعدُّ شيئًا نادرًا، كما أنَّنا في عصْر تَغلَّب فيه الكفارُ على المسلمين، وتنمَّرت فيه النِّساءُ على الرجال، ويُخشى من التزوُّج من كِتابيَّة -والحالةُ هذه- على أولادِ الزوج المُسلِم من الضَّياع. ، فالآيةُ نَصٌّ في إباحةِ الحرائِرِ مِن أهلِ الكِتابِ [996]     ((تفسير السعدي)) (ص: 221).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقل الإجماعَ [997]     رُويَ عن ابنِ عمَرَ المنعُ، وحَمَله بعضُ العُلَماءِ على الكراهةِ، وأنَّه كان يأمرُ بالتنَزُّه عنهنَّ مِن غيرِ أن يُحَرِّمَهنَّ، وقال آخرونَ: ظاهِرُ كلامِه التَّحريمُ، وخَصَّص بعضُهم منعَه بمن يُشرِكُ مِن أهل الكتابِ، لا مَن يُوحِّدُ. يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (9/445)، ((المبسوط)) للسرخسي (4/210)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/222)، ((فتح الباري)) لابن حجر (9/417). على ذلك: الشَّافعيُّ [998]     قال الشافعي: (أهلُ الكتابِ الذين يحِلُّ نِكاحُ حرائرِهم: أهلُ الكتابينِ المشهورَينِ التوراةِ والإنجيلِ، وهم اليهودُ والنَّصارى دونَ المجوسِ... فهذا ما لا أعلَمُ فيه خلافًا بين أحدٍ). ((الأم)) (5/7-8). ، وابنُ المُنذِر [999]     قال ابن المنذر: (أباح اللهُ نكاحَ نِساءِ أهل الكتابِ، فقال الله تبارك وتعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ الآية [المائدة: 5] . ولا يَصِحُّ عن أحدٍ مِن الأوائِلِ أنَّه حَرَّم ذلك). ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (5/93). ، والجصَّاصُ [1000]   قال الجصاص: (إباحةُ نكاحِ الحرائرِ منهن إذا كُنَّ ذمِّياتٍ، فهذا لا خِلافَ بين السَّلَفِ وفُقهاءِ الأمصار فيه). ((أحكام القرآن)) (3/324). ، والماوَرديُّ [1001]   قال الماوردي: (لأنَّه إجماعُ الصَّحابةِ، روي عن عُمَرَ جوازُه، وعن عثمانَ أنه نكح نصرانيَّةً، وعن طلحة أنَّه تزوَّج نصرانيَّةً، وعن حُذيفةَ أنَّه تزوَّج يهوديَّةً، وعن جابرٍ أنَّه سُئِلَ عن ذلك فقال: «نكَحْناهنَّ بالكوفةِ عامَ الفَتحِ مع سعدِ بن أبي وقَّاصٍ، ونحن لا نكاد نجِدُ المُسلماتِ كَثيرًا، فلما انصَرَفْنا من العراقِ طلَّقْناهنَّ، تحِلُّ لنا نساؤُهم، ولا تحِلُّ لهم نساؤُنا»، فكان هذا القَولُ مِن جابرٍ إخبارًا عن أحوال جماعةِ المسلمين الذين معه من الصَّحابةِ وغيرِهم، فصار إجماعًا مُنتَشِرًا). ((الحاوي الكبير)) (9/221). ، وابنُ عبد البَرِّ [1002]   قال ابن عبد البر: (لا أعلمُ خلافًا في نكاحِ الكتابياتِ الحرائِرِ بعد ما ذكَرْنا، إذا لم تكُنَّ مِن نساءِ أهلِ الحربِ). ((الاستذكار)) (5/496). ، وابنُ رُشدٍ [1003]   قال ابن رشد: (اتَّفَقوا على أنَّه يجوز أن ينكِحَ الكتابيَّةَ الحُرَّةَ). ((بداية المجتهد)) (3/67). ، وابنُ قُدامةَ [1004]   قال ابن قدامة: (ليس بين أهلِ العلمِ -بحمد الله- اختلافٌ في حِلِّ حرائرِ نساءِ أهلِ الكتابِ). ((المغني)) (7/129).
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
1- عن زَيدِ بنِ وَهبٍ قال: (قال لي عُمَرُ بنُ الخطَّابِ: المُسلِمُ يتزوَّجُ النصرانيَّةَ، ولا يتزوَّجُ النصرانيُّ المُسلِمةَ) [1005]   أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (12664)، والطبري في ((التفسير)) (4222) واللفظ له، والبيهقي (14362). وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/265).
2- (أنَّ عُثمانَ بنَ عفَّان رَضِي الله عنه نكَحَ ابنةَ الفرافصةِ الكلبيَّةَ -وهى نصرانيَّةٌ- على نسائِه، ثمَّ أسلمَت على يَديه) [1006]   أخرجه البيهقي (14355) واللفظ له، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (70/138). صحَّح إسنادَه ابنُ الملقن في ((البدر المنير)) (7/622).

انظر أيضا: