الموسوعة الفقهية

الفرعُ الأوَّلُ: من الشُّروط الفاسِدة المُفسِدة في النكاح: نِكاحُ الشِّغارِ


المسألةُ الأولى: نِكاحُ الشِّغارِ بدُونِ صَداقٍ لكُلٍّ منهما
يُفسَخُ عَقدُ نِكاحِ الشِّغارِ إذا كان بدونِ صَداقٍ، قبل الدُّخولِ أو بَعدَه، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ [861]     ((الكافي)) لابن عبد البر (2/532)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/512). ، والشَّافِعيَّةِ [862]     ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/225)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/142). ، والحَنابِلةِ [863]     ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/666)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/123). ، والظَّاهريَّةِ [864]     قال ابن حزم: (لا يحِلُّ نِكاحُ الشِّغارِ: وهو أن يتزوَّجَ هذا وليَّةَ هذا على أن يزوِّجَه الآخَرُ وليَّتَه أيضًا، سواءٌ ذَكَرا في كلِّ ذلك صداقًا لكُلِّ واحدةٍ منهما أو لإحداهما دون الأخرى، أو لم يَذكُرا في شيءٍ مِن ذلك صَداقًا، كلُّ ذلك سواءٌ يُفسَخُ أبدًا، ولا نفقةَ فيه، ولا ميراث، ولا صداقَ، ولا شيءَ من أحكام الزوجية، ولا عِدَّةَ، فإن كان عالِمًا فعليه الحَدُّ كامِلًا، ولا يُلحَقُ به الولَدُ، وإن كان جاهِلًا فلا حَدَّ عليه، والولَدُ له لاحِقٌ، وإن كانت هي عالِمةً بتحريمِ ذلك فعليها الحَدُّ، وإن كانت جاهلةً فلا شيءَ عليها... والذي قُلنا به هو قَولُ أصحابِنا). ((المحلى)) (9/118).
الأدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:
1- عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عَنِ الشِّغَارِ))، والشِّغارُ: أن يزوِّجَ الرَّجُلُ ابنَتَه على أن يزوِّجَه الآخَرُ ابنَتَه، ليس بينهما صَداقٌ [865]     أخرجه البخاري (5112)، ومسلم (1415).
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((نهى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الشِّغارِ )) [866]     أخرجه مسلم (1416).
3- عن جابِرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((نهى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الشِّغارِ )) [867]     أخرجه مسلم (1417).
وجهُ الدَّلالةِ مِن هذه الأحاديثِ:
نهيُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الشِّغارِ في هذه الأحاديثِ يدُلُّ على فَسادِه قبل الدُّخولِ وبَعدَه، ما دام لم يُسَمِّ الصَّداقَ [868]     ((المنتقى شرح الموطأ)) لأبي الوليد الباجي (3/309)، ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (4/559)، ((مصابيح الجامع)) للدماميني (9/24).
المسألةُ الثَّانيةُ: نِكاحُ الشِّغارِ بصَداقٍ بينهما
اختَلَف العُلَماءُ في حُكمِ نِكاحِ الشِّغارِ بصَداقٍ بينهما [869]     بأن يُزوِّجَ كُلُّ واحدٍ منهما مَوْليَّتَه من الآخَر، ولكنِ بصداق بينهما. على قَولَينِ: القول الأول: يَصِحُّ نكاحُ الشِّغارِ بصَداقٍ بينهما [870]     اشترط الحَنَفيَّة والشَّافِعيَّة مَهرَ المِثلِ، والحَنابِلةُ اشتَرَطوا ألَّا يكونَ المهرُ قليلًا أو لحيلةٍ. ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ [871]     مذهَبُ المالِكيَّة فَسْخُ العَقدِ إذا كان قبل البِناءِ، ويَمضي بعده بشرطِ أن يكونَ بصَداقِ المِثلِ، وهو ما يسَمُّونَه بـ (وجهُ الشِّغار). ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (4/29)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (2/309)، ((منح الجليل)) لعليش (3/447). : الحَنَفيَّةِ [872]     ((الهداية)) للمرغيناني (1/206)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/145). ، والشَّافِعيَّةِ [873]     ((روضة الطالبين)) للنووي (7/41)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/225). ، والحَنابِلةِ [874]     ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/667)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/93).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه شَرطٌ في العَقدِ مع تَسميةِ المَهرِ، فلا يَفسُدُ النِّكاحُ [875]     ((روضة الطالبين)) للنووي (7/41)، ((مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى)) للرحيباني (5/124).
ثانيًا: لانتفاءِ الظُّلمِ والإكراهِ في المُزوَّجةِ، فكان كالشُّروطِ في النِّكاحِ [876]     ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (12/174). القول الثاني: لا يَصِحُّ نكاحُ الشِّغارِ ولو مع وجودِ مَهرِ المِثلِ لهما، وهو وجهٌ للشَّافعيَّةِ [877]     ((روضة الطالبين)) للنووي (7/41). ، وقَولُ بَعضِ الحَنابِلةِ [878]     ((الإنصاف)) للمرداوي (8/119). ، وهو مَذهَبُ الظَّاهريَّةِ [879]     قال ابن حزم: (لا يحِلُّ نِكاحُ الشِّغارِ: وهو أن يتزوَّجَ هذا وليَّةَ هذا على أن يزوِّجَه الآخَرُ وليَّتَه أيضًا، سواءٌ ذَكَرا في كلِّ ذلك صداقًا لكُلِّ واحدةٍ منهما أو لإحداهما دون الأخرى، أو لم يَذكُرا في شيءٍ مِن ذلك صَداقًا، كلُّ ذلك سواءٌ يُفسَخُ أبدًا، ولا نفقةَ فيه، ولا ميراث، ولا صداقَ، ولا شيءَ من أحكام الزوجية، ولا عِدَّةَ، فإن كان عالِمًا فعليه الحَدُّ كامِلًا، ولا يُلحَقُ به الولَدُ، وإن كان جاهِلًا فلا حَدَّ عليه، والولَدُ له لاحِقٌ، وإن كانت هي عالِمةً بتحريمِ ذلك فعليها الحَدُّ، وإن كانت جاهلةً فلا شيءَ عليها... والذي قُلنا به هو قَولُ أصحابِنا). ((المحلى)) (9/118). ، واختيارُ ابنِ باز [880]     قال ابن باز: (نكاحُ البَدَلِ لا يجوز، ويُسمَّى نكاحَ الشِّغار، وقد نهى عنه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في عِدَّةِ أحاديثَ، فلا يجوزُ نِكاحُ البدل بالمُشارَطةِ، يقول هذا: زوِّجْني أختَك وأُزوِّجُك أختي، أو زوِّجْني بِنتَك وأزوِّجُك بنتي، هذا هو نكاحُ البَدَلِ، ويقال له: نكاحُ الشِّغارِ، ولو سَمَّى مَهرًا، ولو تساوى المَهرُ، ولو اختَلَفَ المهر، ما دام فيه مُشارطةٌ لا يجوزُ). ((فتاوى نور على الدرب)) (21/26). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ [881]     جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (إذا زوَّج الرَّجُلُ مَوْليَّتَه لرجُلٍ على أن يزوِّجَه الآخَرُ مَوليَّتَه، فهذا هو نِكاحُ الشِّغار الذي نهى عنه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا هو الذي يسمِّيه بعضُ النَّاسِ نكاح البدَل، وهو نكاحٌ فاسِدٌ، سواءٌ سمِّي فيه مهرٌ أم لا، وسواءٌ حصل التراضي أم لا). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (18/427).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِنَ السُّنَّة
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رَسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما كان مِن شَرطٍ ليس في كِتابِ اللهِ، فهو باطِلٌ )) [882]     أخرجه البخاري (2168)، ومسلم (1504).
وَجهُ الدَّلالةِ:
هذا النِّكاحُ وجَدْنا فيه شرطًا ليس في كِتابِ اللهِ ولا سُنَّةِ رَسولِه؛ فكان باطِلًا [883]     ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (9/121).
ثانيًا: من الآثارِ
عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ هُرمزَ الأعرَجِ: (أنَّ العبَّاسَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ العبَّاسِ أنكَحَ عبدَ الرَّحمنِ بنَ الحَكَمِ ابنَتَه، وأنكَحَه عبدُ الرَّحمنِ ابنَتَه، وكانا جَعَلَا صَداقًا، فكتب مُعاويةُ إلى مَروانَ يأمُرُه بالتَّفريقِ بينهما، وقال في كتابِه: هذا الشِّغارُ الذي نهى عنه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ) [884]     أخرجه أبو داود (2075) واللفظ له، وأحمد (16856). صحَّحه ابن حزم في ((المحلى)) (9/515)، وابن القيم في ((زاد المعاد)) (5/99)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2075)، وصحَّح إسناده ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (20/280).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ مُعاويةَ أبطَلَ هذا النِّكاحَ مع تَسميةِ الصَّداقِ [885]     ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (9/122).

انظر أيضا: