الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الثَّاني: من المُحَرَّماتِ في النكاح بسَبَبِ المُصاهَرةِ: بِنتُ الزَّوجةِ (الرَّبِيبةُ)


تَحرُمُ بنتُ الزَّوجةِ على الزَّوجِ إذا دخل بأمِّها، وسواءٌ كانت البِنتُ في حَجْرِه أم لا، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [760]     ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/191)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/210). ، والمالِكيَّةِ [761]     ((منح الجليل)) لعليش (2/4). ، والشَّافِعيَّةِ [762]     ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/302)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/177). ، والحَنابِلةِ [763]     ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/653)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/93). ، وهو قَولُ العُلَماءِ كافَّةً [764]     قال النووي: (مذهَبُ العُلَماءِ كافَّةً سوى داود أنَّها حرامٌ سواءٌ كانت في حَجْرِه أم لا، قالوا: والتقييدُ إذا خرج على سَبَبٍ؛ لِكَونِه الغالِبَ، لم يكُن له مفهومٌ يُعمَلُ به، فلا يُقصَرُ الحُكمُ عليه، ونظيرُه قولُه تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ومَعلومٌ أنَّه يحرُمُ قَتلُهم بغيرِ ذلك أيضًا، لكِنْ خرجَ التَّقييدُ بالإملاقِ؛ لأنَّه الغالِبُ). ((شرح النووي على مسلم)) (10/26). ويُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (9/140). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [765]     قال الطبري: (كلُّ هؤلاء اللواتي سماهنَّ الله تعالى وبيَّن تحريمَهنَّ في هذه الآية: مُحرَّماتٌ غيرُ جائزٍ نكاحُهنَّ لِمن حرَّم اللهُ ذلك عليه مِن الرجال، بإجماعِ جميع الأمَّةِ، لا اختلافَ بينهم في ذلك إلَّا في أمَّهاتِ نسائِنا اللواتي لم يدخُلْ بهنَّ أزواجُهنَّ، فإنَّ في نكاحِهنَّ اختلافًا بين بعضِ المتقَدِّمين من الصحابةِ). ((تفسير الطبري)) (8/143). وقال أيضًا: (في إجماعِ الجَميعِ على أنَّ خَلوةَ الرَّجُل بامرأتِه لا يُحرِّمُ عليه ابنتَها، إذا طَلَّقها قبل مَسيسِها ومُباشرتِها، أو قبل النَّظَرِ إلى فَرجِها بالشَّهوةِ: ما يدُلُّ على أنَّ معنى ذلك هو الوصولُ إليها بالجِماعِ). ((تفسير الطبري)) ( 8/148). وقال ابن المنذر: (أجمعَ أهلُ العلم على تحريمِ مَن ذَكَر اللهُ في هذه الآية، فإذا نكَحَ المرأةَ ثم طلَّقَها أو ماتت، فأمُّها حرامٌ عليه دخل بالمرأةِ أو لم يدخُلْ بها، ولا يحرُمُ عليه نكاحُ ابنتِها إذا فارق الأمَّ ولم يكن دخَلَ بها، وابنةُ الربيبةِ وابنةُ ابنتِها حرامٌ عليه إذا كان دخل بالجَدَّةِ). ((الإقناع)) (1/305). وقال ابن عبد البر: (أجمعت الأمَّةُ أنَّ الرَّجُلَ إذا تزوَّج امرأةً ولها ابنةٌ أنَّه لا تحِلُّ له الابنةُ بعد موتِ الأمِّ أو فراقِها، إن كان دخَلَ بها، وإن كان لم يدخُل بالأمِّ حتى فارَقَها حَلَّ له نِكاحُ الرَّبيبةِ). ((الاستذكار)) (5/457). وقال ابن تيمية: (تحريم «المحرَّمات بالمصاهرة» وهن أمَّهاتُ النساءِ وبناتُهنَّ وحلائِلُ الآباء والأبناء، ونحو ذلك من المحَرَّمات،... فهذه المسائِلُ مِمَّا لم يتنازعْ فيها المسلِمون، لا سُنِّيُّهم ولا بِدعيُّهم). ((الفتاوى الكبرى)) (3/206). وخالف في ذلك الظاهريةُ؛ قال ابنُ حزم: (مسألة: وأمَّا مَن تزوَّج امرأةً ولها ابنةٌ، أو ملَكها ولها ابنةٌ، فإنْ كانت الابنةُ في حَجرِه ودخَل بالأمِّ مع ذلك وطِئَ أو لم يطأْ، لكنْ خلا بها بالتلذُّذ: لم تحلَّ له ابنتُها أبدًا، فإنْ دخَل بالأم ولم تكُن الابنةُ في حَجرِه، أو كانت الابنةُ في حجره ولم يدخُلْ بالأم، فزواجُ الابنةِ له حلالٌ... فلم يحرم اللهُ عزَّ وجلَّ الربيبةَ بنتَ الزوجةِ أو الأمَةِ إلا بالدخول بها، وأنْ تكون هي في حَجرِه؛ فلا تحرُم إلا بالأمرين معًا... وكونها في حَجرِه ينقسم قسمين؛ أحدهما: سُكناها معه في منزله، وكونه كافلًا لها. والثاني: نظرُه إلى أمورها نحوَ الولاية لا بمعنى الوكالة؛ فكل واحدٍ من هذين الوجهينِ يقع به عليها كونُها في حَجرِه). ((المحلى)) (9/140). ويُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (10/26)، ((عمدة القاري)) للعيني (20/104)، ((تفسير ابن جزي)) (1/186)، ((تفسير الشوكاني) (1/512).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء: 23]
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه تعالى: اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ خرج مخرجَ العادةِ، لا على وَجهِ الشَّرطِ؛ ولهذا اكتفى في موضِعِ الإحلالِ بنَفيِ الدُّخولِ، ولم يَشتَرِطْ نَفيَ الدُّخولِ مع نَفيِ الحَجْرِ؛ حيثُ لم يَقُلْ: فإنْ لم تكونوا دَخَلتُم بهنَّ ولَسْنَ في حُجورِكم، فإنَّ الإباحةَ تتعَلَّقُ بضِدِّ ما تتعَلَّقُ به الحُرمةُ [766]     ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/210).
ثانيًا: لأنَّ هذا النِّكاحَ يُفضي إلى القَطيعةِ سواءٌ كانت في حَجْرِه أم لا [767]     ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/259).
ثالثًا: لأنَّ تَربيةَ الرَّبيبةِ في الحَجْرِ لا أثَرَ لها في التَّحريمِ؛ فدَلَّ على التَّسويةِ بين مَن كانت في حَجْرِه وغَيرِها [768]     ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/653).

انظر أيضا: