الموسوعة الفقهية

الفرع الثَّالِث: ذَكاةُ الجُنُبِ


يَحِلُّ أكلُ ذَبيحةِ الجُنُبِ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ [199] قال النووي: (نقَلَ ابنُ المنذِرِ الاتِّفاقَ على ذبيحةِ الجُنُبِ، قال: وإذا دَلَّ القرآنُ على حِلِّ إباحةِ ذَبيحةِ الكتابيِّ مع أنه نَجِسٌ، فالذي نفَت السُّنَّةُ عنه النَّجاسةَ أَولى؛ قال: والحائِضُ كالجُنُبِ). ((المجموع)) (9/77).   : الحَنَفيَّةِ [200] فقد أباحوا ذَبحَ المرأةِ مُطلَقًا، ولو كانت حائِضًا، والجُنُبُ أولى منها بالإباحةِ، وكذلك لم يُقَيِّدوا الذابِحَ بأن يكون طاهِرًا مِن الحَدَثِ الأكبَرِ. ((تبيين الحقائق للزيلعي مع حاشية الشلبي)) (5/287)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/191). وقال السُّغْدي: (وأمَّا من يجوزُ ذبحُه فإنَّ ذَبحَ كُلِّ مُسلمٍ وكُلِّ كتابيٍّ: حَلالٌ رجلًا كان أو أنثى، حرًّا كان أو عبدًا، جنُبًا كان أو طاهِرًا). ((النتف في الفتاوى)) (1/228).   ، والمالِكيَّةِ [201] ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/313)، ويُنظر: ((حاشية العدوي على شرح الخرشي لمختصر خليل)) (3/7).   ، والشَّافِعيَّةِ [202] فقد أباحوا ذكاةَ الحائِضِ، والجنُبُ أولى منها، كما أجازوا ذبيحةَ مَن يَحِلُّ نِكاحُه، وقد يكون جُنُبًا. ((المجموع)) للنووي (9/77)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/315).   ، والحَنابِلةِ [203] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/418)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/205)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/404).   ، والظَّاهِريَّة [204] ((المحلى)) لابن حزم (6/142).   ، وهو قَولُ بَعضِ السَّلَفِ [205] قال ابنُ المُنذِر: (وممَّن رَخَّصَ فيه: الحسَنُ البصريُّ، والحكَمُ، واللَّيثُ بنُ سَعدٍ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وهو يُشبِهُ مَذهَبَ الشافعيِّ، وأبي ثورٍ، والكوفيّ). ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (3/434). وقال ابن قدامة: (وممَّن رَخَّص في ذَبحِ الجُنُبِ: الحسَنُ، والحَكَمُ، والليثُ، والشافعيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثورٍ، وأصحابُ الرأي). ((المغني)) (9/404).   ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [206] قال ابن المنذر: (ولا أعلَمُ أحدًا منَعَ من ذلك). ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (3/434). وقال ابنُ القَطَّان: (وأجمعوا على أنَّ الجُنُبَ والحائض لهما أن يسَمِّيا اللهَ تعالى ويذكُراه، وأكلُ ذبيحتِهما جائزٌ). ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (1/320). لكن قال المرداوي: (وقال في المستوعب: يُكرَهُ مِن جُنُبٍ ونحوِه. ونقل صالِحٌ وغيرُه: لا بأس. ونقل حنبل: لا يَذبَحُ الجنُبُ. ونقل أيضًا في الحائض: لا بأس. وقال في الرعاية: وعنه تُكرَهُ ذبيحةُ الأقلَفِ، والجنُبِ، والحائِضِ، والنُّفَساءِ). ((الإنصاف)) (10/293).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكتاب
قَولُه تعالى: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة: 3]
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه خاطبَ كُلَّ مُسلِمٍ ومُسلِمةٍ، وهذا يعُمُّ الجُنُبَ وغَيرَ الجُنُبِ [207] ((المحلى)) لابن حزم (6/142).  
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
قَولُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسَلَّمَ: ((ما أنهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسمُ اللهِ عليه، فكُلُوا )) [208] أخرجه البخاري (2488)، ومسلم (1968).  
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ العِبرةَ بإسالةِ الدَّمِ وذِكرِ اللهِ، ولا فَرْقَ في هذا بينَ أن يكونَ المُذَكِّي جنُبًا أو على طهارةٍ؛ لأنَّ الجُنُبَ يجوزُ له أن يَذكُرَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ [209] ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (11/423).  
ثالثًا: أنَّ أهليَّةَ الجُنُبِ باقيةٌ؛ إذ الجَنابةُ لا تُخرِجُه عن الإسلامِ [210] ((شرح الزركشي على متن الخرقي)) (6/663).  
رابِعًا: أنَّ الجُنُبَ تجوزُ له التَّسميةُ، ولا يُمنَعُ منها؛ لأنَّه إنما يُمنَعُ مِنَ الكِتابِ لا مِنَ الذِّكرِ؛ ولهذا تُشرَعُ له التَّسميةُ عند اغتِسالِه [211] ((المغني)) لابن قدامة (9/404).  
خامِسًا: أنَّه إذا دَلَّ الكِتابُ على إباحةِ ذَبيحةِ الكِتابيِّ، وهو نَجِسٌ، كما قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ الآية؛ فالمُسلِمُ الجُنُبُ الذي نَفَت عنه السُّنَّةُ النَّجاسةَ أَولى [212] ((الإشراف على مذاهب العلماء)) لابن المنذر (3/434).  

انظر أيضا: