الموسوعة الفقهية

المبحث الثَّاني: الذَّكاةُ الاضطِراريَّةُ [28] الذَّكاةُ الاضطراريَّةُ: هي تذكيةُ الحيوانِ بإسالةِ دَمِه بجَرحِ غَيرِ المَوضِعِ الواجِبِ في الذَّكاةِ الاختياريَّةِ، سواءٌ كان ذلك بعَدَمِ التمَكُّنِ مِن تذكيةِ الحيوانِ إلَّا برَمْيِه أو طَعْنِه- كالبعيرِ الشَّارِدِ، أو المتردِّي في بئرٍ ونحوِ ذلك- أو كان باستعصاءِ الحيوانِ عليه، فلم يَقدِرْ على أخْذِه وتذكيَتِه يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (6/133)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/43)، ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/196)  


يحِلُّ أكلُ الحَيوانِ المُذَكَّى ذَكاةً اضطِراريَّةً، وذلك بجَرْحِه في أيِّ مَوضِعٍ مِن بَدَنِه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [29] ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق للزيلعي)) (5/292)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/43).   ، والشَّافِعيَّةِ [30] ((المجموع)) للنووي (9/126)، ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/552).   ، والحَنابِلةِ [31] ((الإنصاف)) للمرداوي (10/296)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (9/207).   ، وهو مَذهَبُ الظَّاهِريَّةِ [32] قال ابن حزم: (وأمَّا غيرُ المتمَكَّنِ منه، فذَكاتُه أن يُماتَ بذَبحٍ أو بنَحرٍ حيثُ أمكَنَ منه؛ مِن خاصرةٍ، أو مِن عَجُز، أو فَخِذ، أو ظَهرٍ، أو بطنٍ، أو رأسٍ- كبعيرٍ أو شاةٍ أو بقَرةٍ، أو دَجاجةٍ أو طائرٍ أو غيرِ ذلك: سَقَط في غَورٍ فلم يُتمَكَّن من حَلقِه، ولا مِن لَبَّتِه- فإنَّه يُطعَنُ حيث أمكَنَ بما يُعَجَّلُ به مَوتُه، ثمَّ هو حلالٌ أكلُه... وهو قَولُ أبي سفيانَ وأصحابِنا). ((المحلى)) (6/133). وقال النووي: (وبه قال جمهورُ العُلَماءِ، منهم علىُّ بن أبي طالب، وابن مسعود... وداود). ((المجموع)) (9/126).   ، وبَعضِ المالِكيَّةِ [33] ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (2/575).   ، وقَولُ بَعضِ السَّلَفِ [34] قال ابن حزم: (وهو قَولُ أبي حَنيفةَ وأصحابِه، وسُفيانَ الثَّوري، والشَّافعي، وأبي ثورٍ، وأحمد، وإسحاقَ، وأصحابِهم). ((المحلى)) (6/133). وقال النووي: (وبه قال جمهورُ العُلَماءِ، منهم عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وابنُ مسعودٍ، وابنُ عُمَرَ، وابنُ عباس، وطاوس، وعطاء، والشعبي، والحسن البصري، والأسود بن يزيد، والحَكَم، وحمَّاد، والنخعي، والثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والمُزَني). ((المجموع)) (9/126).  
الأدلَّة:
أولًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عَبَايةَ بنِ رِفاعةَ، عن جَدِّه رافِعِ بنِ خَديجٍ رَضِيَ الله عنه، قال: ((كنَّا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذي الحُلَيفةِ مِن تِهامةَ، فأصَبْنا غَنَمًا وإبِلًا، فعَجِلَ القَومُ فأغْلَوا بها القُدورَ، فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأمَرَ بها، فأُكفِئَت ثمَّ عَدَل عَشرًا مِن الغَنَمِ بجَزورٍ، ثمَّ إنَّ بَعيرًا نَدَّ [35] ندَّ: أي: شَرَد وعصى. ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (4/295).   وليس في القَومِ إلَّا خَيلٌ يَسيرةٌ، فرماه رجُلٌ، فحَبَسَه بسَهمٍ [36] حَبَسه بسهم: أصابَه به. ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (4/295).   ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ لهذه البَهائِمِ أوابِدَ [37] أوابِدَ: أي: نُفورًا وتوحُّشًا. ((شرح النووي على مسلم)) (13/125).   كأوابِدِ الوَحشِ، فما غَلَبَكم منها، فاصنَعوا به هكذا )) [38] أخرجه البخاري (2507) واللفظ له، ومسلم (1968).  
ثانيًا: من الآثار
قال ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما: (ما أعجَزَك مِنَ البهائِمِ مِمَّا في يَدَيك، فهو كالصَّيدِ، وفي بَعيرٍ ترَدَّى في بئرٍ مِن حيثُ قَدَرْتَ عليه، فذَكِّهْ) [39] أخرجه البخاري مُعَلَّقًا بصيغة الجزمِ قبل حديث (5509) واللفظ له، وأخرجه موصولًا عبد الرزاق في ((المصنف)) (8478)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (20144)، والبيهقي (19405) موقوفًا. صَحَّحه النوويُّ في ((المجموع)) (9/122) وقال: وذكره البخاريُّ في صحيحِه تعليقًا بصيغةِ الجزمِ، فهو صحيحٌ عنده.  
ثالثًا: أنَّ الذَّبحَ إذا لم يَكُنْ مَقدورًا- ولا بُدَّ من إخراجِ الدَّمِ لإزالةِ المحرِّمِ وتَطييبِ اللَّحمِ، وهو الدَّمُ المسفوحُ- فيُقامُ سَبَبُ الذَّبحِ مَقامَه، وهو الجَرحُ، على الأصلِ المعهودِ في الشَّرعِ مِن إقامةِ السَّبَبِ مَقامَ المُسَبَّبِ عند العُذرِ والضَّرورةِ، كما يُقامُ السَّفَرُ مَقامَ المَشقَّةِ، والنِّكاحُ مَقامَ الوَطءِ، والنَّومُ مُضطَجِعًا أو مُتَوَرِّكًا مقامَ الحَدَثِ، ونحوِ ذلك [40] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/43).  
رابِعًا: أنَّها تَدفَعُ عن نفسِها، فلا يُقدَرُ عليها بالذَّكاةِ الاختياريَّةِ، فيُجزِئُ فيها العَقرُ، (وهو الجَرحُ في أيِّ مَوضِعٍ كان) [41] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/43).  
خامِسًا: أنَّه يتعَذَّرُ ذَكاتُه في الحَلقِ، فصار كالصَّيدِ [42] ((المجموع)) للنووي (9/122).  

انظر أيضا: