الموسوعة الفقهية

المبحث الثَّاني: مِقدارُ ما يَأكُلُه المُضطَرُّ


يُباحُ للمُضطَرِّ أنْ يَأكُلَ مِنَ المَيْتةِ بقَدْرِ ما يَسُدُّ رَمَقَه، ولا يَجوزُ له الشِّبَعُ [599] قال ابنُ قُدامةَ: (ويُباحُ له أكْلُ ما يَسُدُّ الرَّمَقَ، ويَأمَنُ معه الموتَ بالإجماعِ. ويَحرُمُ ما زاد على الشِّبَعِ؛ بالإجماع أيضًا). ((المغني)) (9/415). ورَجَّح النَّوويُّ تفصيلَ الجُوَينيِّ والغَزاليِّ في المسألةِ إلى ثلاثةِ أحوالٍ، فقال: (وذَكَر هو والغَزاليُّ تفصيلًا جاء نقْلُه أنَّه إنْ كان في باديةٍ وخاف إنْ تَرَك الشِّبَعَ أنْ لا يَقْطعَها ويَهْلِكَ؛ وَجَب القطعُ بأنَّه يَشبَعُ. وإنْ كان في بلدٍ وتَوقَّع طعامًا طاهرًا قَبل عَوْدِ الضَّرورةِ؛ وَجَب القطعُ بالاقتِصارِ على سَدِّ الرَّمَقِ. وإنْ كان لا يَظهَرُ حُصولُ طعامٍ طاهرٍ وأَمكَنَ الحاجةُ إلى العَودِ إلى أكْلِ المَيْتةِ مرَّةً بعد أخرى إنْ لم يَجِدِ الطَّاهرَ؛ فهذا محلُّ الخلافِ. وهذا التَّفصيلُ الَّذي ذَكَره الإمامُ والغَزاليُّ تفصيلٌ حسَنٌ، وهو الرَّاجحُ). ((المجموع)) (9/43).   ، وهذا مذهبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [600] ((شرح مختصر الطَّحاوي)) للجَصَّاص (6/393)، ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (5/100).   ، والشَّافعيَّةِ- في الصَّحيحِ عِندَهم- [601] ((المجموع)) للنَّووي (9/43)، ((تحفة المحتاج)) للهَيْتَمي (9/391).   ، والحنابلةِ- في أظهَرِ الرِّوايتين [602] ((المبدع)) لبرهان الدِّينِ ابنِ مُفلِح (9/180)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (3/412). ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (9/415).   -، وبعضِ المالكيَّةِ [603] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير)) (2/116)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرَّبَّاني)) (2/421)، ((مِنَح الجليل)) لعُلَيْش (2/455).  
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكتاب
قولُه تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 173]
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه أَباحَ الأكلَ منها عِندَ الضَّرورةِ، وهو عِندَ الخَوفِ على النَّفْسِ، فإذا تَناوَلَ منها ما أَمسَكَ الرَّمَقَ، فقد زال الخَوفُ في هذه الحالِ؛ فيَعودُ إلى حُكمِ التَّحريمِ؛ لزوالِ الضَّرورةِ المُبيحةِ لها [604] ((شرح مختصر الطَّحاوي)) للجَصَّاص (6/393)، ((تفسير القُرطُبي)) (2/231).  
ثانيًا: أنَّ الإباحةَ شُرعَتْ لحِفْظِ النَّفْسِ، وذلك يوجَدُ فيما دُونَ الشِّبَعِ؛ ولأنَّ خَوفَ التَّلفِ قد زال بسَدِّ الرَّمَقِ [605] ((الإشراف على نُكَت مسائل الخلاف)) للقاضي عبد الوهاب (2/922).  

انظر أيضا: