الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّاني: السَّمَكُ الطَّافي


يُباحُ أكْلِ السَّمَكِ الطَّافي، وهو مذهبُ الجمهورِ: المالكيَّةِ [424] ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدِ البَرِّ (1/387)، ((مواهب الجليل)) للحَطَّاب (4/345).   ، والشَّافعيَّةِ [425] ((المجموع)) للنَّووي (9/31)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/267).   ، والحنابلةِ [426] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (9/187)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (10/289).   ، والظاهريَّةِ [427] قال ابنُ حَزْم: (ما يَسكُنُ جَوفَ الماءِ، ولا يعيشُ إلَّا فيه، فهو حلالٌ كلُّه كَيْفما وُجِد، سواءٌ أُخِذ حَيًّا ثمَّ مات، أو مات في الماءِ، طَفا أو لم يَطْفُ). ((المحلى)) (6/60). وقال: (وبأكلِ الطَّافي مِنَ السَّمَكِ يقولُ ابنُ أبي ليلى، والأَوْزاعيُّ، وسُفيانُ الثَّوريُّ، ومالكٌ، واللَّيثُ، والشَّافعيُّ، وأبو سُلَيمانَ). ((المحلى)) (6/64).   وهو قولُ بعضِ السَّلفِ [428] رواه ابن أبي شَيْبةَ في ((مصنَّفه)) (4/248) عن ابنِ عُمرَ. وقال ابنُ قُدامةَ: (وممَّن أَباحَ الطَّافي مِنَ السَّمَكِ: أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ، وأبو أيُّوبَ- رضيَ اللهُ عنهما-). ((المغني)) (9/394). وقال أبو الفرج شمسُ الدِّين ابنُ قُدامةَ: (ورُويَ ذلك عن عطاءٍ، ومَكْحولٍ، والثَّوريِّ، والنَّخَعي). ((الشرح الكبير)) (11/43). وهو قولُ ابنِ أبي ليلى، والأَوْزاعي، واللَّيثِ. يُنظر: ((المحلى)) لابن حَزْم (6/64).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكتاب
قولُ اللهِ تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة: 96]
أوجه الدلالة من الآية:
أ- أنَّ صَيدَ البحرِ: ما أُخِذ حَيًّا، وطعامُه: ما أُخِذ مَيتًا، يعني: ما أَلْقاهُ البحرُ مَثلًا، أو طَفا على ظهْرِه مَيِّتًا [429] ((الذخيرة)) للقَرافي (4/98)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (15/14).   وبه قال كثيرٌ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابِعين [430] ((فتح القدير)) للشَّوكاني (2/90).  
ب- قولُه تعالى وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ [المائدة: 96] عطف على قولِه: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ [المائدة: 96]
أيْ: أُحِلَّ لكُم طعامُه، وهذا يَتناوَلُ ما صِيدَ منه وما لم يُصَدْ، والطَّافي لم يُصَدْ؛ فيَتناوَلُه [431] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/36).  
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
1- عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه، قال: ((سَأل رَجُلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّا نَركَبُ البحرَ، ونَحمِلُ معنا القليلَ مِنَ الماءِ، فإنْ تَوضَّأْنا به عَطِشْنا، أفنَتَوضَّأُ مِنَ البحرِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هو الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيْتتُه )) [432] أخرجه أبو داودَ (83)، والتِّرْمذيُّ (69)، والنَّسائيُّ (59)، وابنُ ماجَهْ (386)، وأحمدُ (8735). وصحَّحه البُخاريُّ كما في ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (1/197). وقال التِّرْمذيُّ: حسَنٌ صحيحٌ. وأخرجه ابنُ حِبَّانَ في ((صحيحه)) (1243). وصحَّحه ابنُ عبدِ البَرِّ في ((التَّمهيد)) (16/217)، وقال: لأنَّ العلماء تَلقَّوْه بالقَبولِ. وكذا صحَّحه النَّوويُّ في ((المجموع)) (1/82).  
2- عن جابر رضيَ اللهُ عنه، قال: ((غَزَوْنا جيشَ الخَبَطِ، وأُمِّرَ أبو عُبَيدةَ، فجُعْنا جوعًا شديدًا، فأَلْقى البحرُ حُوتًا مَيِّتًا لم يُرَ مِثلُه، يُقالُ له العَنْبرُ، فأكَلْنا منه نِصفَ شهرٍ، فأخذ أبو عُبَيدةَ عَظْمًا مِن عِظامِه، فمَرَّ الرَّاكِبُ تحتَه... فأخبَرَني أبو الزُّبَيرِ، أنَّه سمِع جابرًا يقولُ: قال أبو عُبَيدَةَ: كُلوا. فلمَّا قدِمْنا المدينةَ ذكَرْنا ذلك للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: كُلوا رِزقًا أخرَجه اللهُ، أَطعِمونا إنْ كان معَكم. فأتاه بعضُهم بعُضوٍ فأَكَله )) [433] أخرجه البُخاري (4362) واللَّفظُ له، ومسلمٌ (1935).  
3- عن زيدِ بنِ أَسلَمَ، عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رضيَ اللهُ عنهما، أنَّه قال: ((أُحِلَّتْ لنا مَيْتتانِ ودَمَانِ: الجَرادُ والحِيتانُ، والكبدُ والطِّحالُ )) [434] أخرجه البَيْهَقيُّ (1241). وصحَّحه أبو زُرْعةَ وأبو حاتمٍ كما في ((التَّلخيص الحَبير)) (1/36)، وكذا البَيْهَقيُّ، وقال: وهو في معنى المُسنَد. وصحَّحه أيضًا النَّوويُّ في ((المجموع)) (2/560 ).  
وجهُ الدَّلالةِ مِنَ الأحاديثِ:
أنَّ أَحَقَّ ما يَتناوَلُه اسمُ الميتةِ: الطافي؛ لأنَّه المَيتُ حقيقةً [435] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/36).  
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضيَ اللهُ عنه أنَّه قال: (الطَّافي حلالٌ) [436] أخرَجه البُخاريُّ مُعلَّقًا بصيغة الجزْمِ قَبْل حديثِ (5493) واللَّفظُ له، وأخرَجه موصولًا عبدُ الرزَّاقِ في ((المصنَّف)) (8654)، وابنُ أبي شَيْبةَ في ((المصنَّف)) (20115)، والطَّحاويُّ في ((شرح مُشْكِل الآثار)) (10/210)، والدَّارَقُطنيُّ (4/269). وصحَّح إسنادَه النَّوويُّ في ((المجموع)) (9/34)، وقال ابنُ حَجَرٍ في ((تهذيب التهذيب)) (6/386): علَّقه البُخاريُّ ووَصَله الدَّارَقُطني، وقال في ((تغليق التعليق)) (4/507): له طُرُقٌ كثيرةٌ.  
رابعًا: أنَّه سَمَكٌ، لو مات في البَرِّ لأُكِل بغيرِ تَذكيةٍ، ولو نَضَب عنه الماءُ أو قتلَتْه سمكةٌ أخرى فمات لأُكِل؛ فكذلك إذا مات وهو في البحرِ [437] ((فتح الباري)) لابن حجر (9/619).  

انظر أيضا: