الموسوعة الفقهية

الفرع الرَّابع: العُضوُ المُبانُ مِنَ المَصِيدِ بآلةِ الصَّيدِ


يَحرُمُ أكلُ العُضوِ المُبانِ مِنَ المَصِيدِ بآلةِ الصَّيدِ [373] كأنْ يَرمي عليه آلةً مِن آلاتِ الصَّيدِ فيَقطَع منه اليدَ أوِ الرِّجْلَ أو أحدَ أعضائِه، وهو حَيٌّ حياةً مُستقرَّةً، فإنَّه لا يَجوزُ أنْ يُؤكَلَ العُضوُ المُبانَ؛ لأنَّه أُبِينَ مِن حَيٍّ، ويَجوزُ أكلُ المَصِيدِ بعد ذبْحِه.   ، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّةِ [374] ((الهداية)) للمَرْغِيناني (4/409)، ((تبيين الحقائق)) للزَّيلَعي (6/59)، ((العناية)) للبابرتي (10/131، 132). والقاعدةُ عندَهم في ذلك: (إنْ كان الصَّيدُ يعيشُ بدون المُبانِ فالمُبانُ لا يُؤكَلُ، وإنْ كان لا يعيشُ بلا مُبانٍ كالرَّأسِ يُؤْكَلان). يُنظر: ((الفتاوى الهندية)) (5/291).   ، والمالكيَّةِ [375] وذلك إذا قَطَع منه عُضوًا كيَدِه أو رِجْلِه أو ما يعيشُ بَعدَه؛ فإنَّه يَأكُلُ بَقيَّتَه دون العُضوِ المُبانِ، وكذلك إنْ كان العُضو المقطوعُ غيرَ مَقتَلٍ، فلا يَخلو أنْ يكونَ مَوتُه بمعنًى غيرِ القطعِ كالصَّيدِ إذا قُطِع نصْفُه فلا يُمكِنُه الأكلُ فيَموتُ جوعًا؛ فإنَّه لا يُؤكَلُ واحدٌ منهما، لا الصَّيدُ ولا العُضوُ البائنُ عنه. وإنْ كان غيرَ مَقتَلٍ، وكان مَوتُه بالقطعِ؛ أُكِل الصَّيدُ دون العُضوِ البائنِ. ولو أَبان فَخِذَيْه ولم تَبلُغْ ضَرْبتُه إلى الجَوفِ فلا يُؤكَلُ ما أَبان منه، ويُؤكَلُ ما بَقيَ. قال مالكٌ: وكذلك إنْ ضَرَبْتَ صَيدًا فأَبَنْتَ ذلك منه أو أَبقيْتَه مُعلَّقًا بالجِلدِ بقاءً لا يَعودُ لهيئتِه أبدًا، فإنَّه يُذكَّى ويُؤكَلُ دون ما تَعلَّق منه أو أبانَ. يُنظر: ((التاج والإكليل)) للموَّاق (3/322)، ((الذخيرة)) للقَرافي (4/183)، ((الجامع لمسائل المدونة)) لابن يونس الصقلي (5/757)، ((روضة المستبين)) لابن بزيزة (1/712).   ، والشَّافعيَّةِ [376] وذلك إذا أبانَه بجِراحةٍ غيرِ مُذَفِّفةٍ (أي: جَرَحتْ جُرحًا يُسرِعُ قتْلَها)، وأَدرَكَه وذبَحَه أو جَرحَه جُرحًا مُذفِّفًا فالعُضوُ حرامٌ؛ لأنَّه أُبينَ مِن حيٍّ، وباقي البدنِ حلالٌ، وإنْ أثبَتَه بالجِراحةِ الأُولى فقد صار مقدورًا عليه؛ فيَتعيَّنُ ذبْحُه، ولا تُجزِئُ سائرُ الجِراحاتِ. ولو مات مِن تلك الجِراحةِ بعد مُضيِّ زمنٍ ولم يَتمكَّنْ مِن ذبْحِه حَلَّ باقي البدن، وفي العُضوِ وجْهانِ، (أصحُّهُما): يَحرُمُ... وإنْ جَرَحه جِراحةً أخرى والحالةُ هذه فإنْ كانت مُذفِّفةً فالصَّيدُ حلالٌ والعُضوُ حرامٌ، وإلَّا فالصَّيدُ حلالٌ أيضًا وفي العُضوِ وجْهانِ (الصَّحيحُ) أنَّه حرامٌ. يُنظر: ((فتح العزيز)) للرافعي (12، 13، 14). وقال النَّووي في ((المجموع)) (9/117): (لو رَمَى صَيدًا فقَدَّه قِطعتين مُتساويَتين أو مُتفاوتَتَين فهُمَا حلالٌ).   ، والحنابلةِ في روايةٍ [377] وذلك فيما إذا أَبانَ منه عُضوًا وبَقيَتْ فيه حياةٌ غيرُ مُستقرَّةٍ، أمَّا لو ضَرَبه فقَطَع رأسَه، أو قَطَعه نِصفين، فإنَّ هذا يَحِلُّ بلا نِزاعٍ؛ إذْ هذا ذَكاةٌ. ولو أَبانَ منه عُضوًا وبَقيَتْ فيه حياةٌ مُعتبَرةٌ، فإنَّه لا يَحِلُّ ما بان منه بلا نزاعٍ. ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحيباني (6/348). ويُنظر: ((شرح الزَرْكَشي على مختصر الخرقي)) (6/629).  
الأدلَّة:
أولًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي واقِدٍ اللَّيثيِّ رضي الله عنه، قال: ((قَدِمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ وهُم يَجُبُّون أَسنِمةَ الإبلِ [378] أي: يَقطعُونَها؛ فالجَبُّ: القَطْعُ. ((لسان العرب)) لابن منظور (12/ 306).   ، ويَقطَعون أَلْياتِ الغَنمِ، فقال: ما قُطِع مِنَ البهيمةِ وهي حَيَّةٌ؛ فهي مَيْتةٌ )) [379] أخرجه أبو داودَ (2858)، والتِّرْمذيُّ (1480) واللَّفظُ له، وأحمدُ (21904). قال البُخاري كما في ((العلل الكبير)) للتِّرمذيِّ (241): محفوظ. وقال التِّرْمذي: حسَنٌ غريب. وصحَّح إسنادَه ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/363)، وقال: على شرْطِ البُخاري. وحسَّن إسنادَه ابنُ باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (64)، وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن التِّرمذي)) (1480).  
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه ذَكر الحيَّ مطْلقًا؛ فيَنصرِفُ إلى الحَيِّ حقيقةً وحُكمًا، والعُضوُ المُبانُ بهذه الصفةِ؛ لأنَّ المُبانَ منه حَيٌّ حقيقةً؛ لقيام الحياةِ فيه، وكذا حُكمًا؛ لأنَّه تُتوهَّمُ سلامتُه بعدَ هذه الجِراحةِ؛ ولهذا اعتبَرَه الشَّرعُ حَيًّا [380] ((الهداية)) للمَرْغِيناني (4/409).  
ثانيًا: أنَّه كمَن قَطَع أَلْيةَ شاةٍ ثُمَّ ذبَحها؛ فإنَّه لا تَحِلُّ الألْيَةُ [381] ((المجموع)) للنَّووي (9/117).  
ثالثًا: أنَّ الإبانةَ لم تَتجرَّدْ ذكاةً للصَّيدِ [382] ((المجموع)) للنَّووي (9/117).  

انظر أيضا: