الموسوعة الفقهية

المبحث الرَّابع: المسح على الخفِّ المُخرَّق


اختلف أهلُ العلمِ في حُكمِ المَسحِ على الخُفِّ المخرَّقِ على أقوالٍ، أقواها قَولانِ:
القول الأوّل: يجوزُ المسحُ عليه إذا كان الخَرْقُ يسيرًا قال الطحاوي: (فرأَيْنا الخُفَّينِ اللَّذين قد جُوِّز المسحُ عليهما إذا تخرَّقا, حتى بدَتِ القدمانِ منهما أو أكثر القدمين, فكلٌّ قد أجمع أنَّه لا يمسَحُ عليهما). ((شرح معاني الآثار)) (1/97). ، وهو مذهَبُ الحنفيَّة شريطةَ أن يكون أقلَّ من ظهورِ ثلاثةِ أصابِعَ. ((المبسوط)) للسرخسي (1/181)، ((البحر الرائق)) لابن نُجيم (1/183). ، والمالكيَّة شريطةَ أن يكون أقلَّ مِن قدْر الثُّلُثِ، وهو المذهَبُ، أو أن يمكِنَ معه متابعةُ المشيِ في قولٍ لهم. ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (1/ 176)، وينظر:  ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/432)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 30). ، واختارَه ابنُ باز قال ابن باز: (والشُّقوقُ اليسيرة يُعفَى عنها في أصحِّ قولَي العلماءِ؛ الشُّقوقُ اليسيرة عُرفًا يُسمَحُ عنها؛ لأنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يَسِّروا ولا تُعسِّروا))، واللهُ يقول سبحانه: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ؛ ولأنَّ النَّاسَ قد لا تَسلَم خِفافُهم من الشُّقوقِ أو الفُتوقِ). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز)) (5/156).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الخفَّ قلَّما يخلو عن قليلِ خَرقٍ، فجُعل القليلُ عَفوًا ((المبسوط)) للسرخسي (1/94).
ثانيًا: أنَّ الأكثَرَ مُعتبَرٌ بالكَمالِ ((المبسوط)) للسرخسي (1/94).  
القول الثاني: يجوزُ المَسحُ على الخفِّ المخرَّق مطلقًا، ما دام المشيُ فيه مُمكِنًا؛ وهذا مَذهَبُ الظَّاهريَّة قال ابنُ حزم: (فإنْ كان في الخفَّينِ أو فيما لُبِسَ على الرِّجلين خرْقٌ صغيرٌ أو كبير، طولًا أو عرضًا، فظهَرَ منه شيءٌ من القَدَمِ، أقلُّ القَدَمِ أو أكثرُها أو كلاهما، فكلُّ ذلك سواء، والمسحُ على كلِّ ذلك جائزٌ، ما دام يتعلَّقُ بالرِّجلين منهما شيءٌ، وهو قول سفيان الثوريِّ وداود وأبي ثور، وإسحاق بن راهويه ويزيد بن هارون). ((المحلى)) (1/334). ، وهو قَولٌ قديم للشافعيِّ ((المجموع)) للنووي (1/495)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/125). ، وبه قال بعضُ السَّلف قال ابن المُنذِر: (هذا قول سفيان، وإسحاق، وذكَر ذلك إسحاقُ عن ابن المبارك، وحُكي ذلك عن ابن عُيَينة، وبه قال يَزيد بن هارون، وأبو ثور). ((الأوسط)) (2/99-100). ، واختاره ابنُ المُنذِر ((الأوسط)) لابن المُنذِر (2/101). ، وابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (يجوز المسحُ على اللَّفائف في أحد الوجهين، حكاه ابن تميم وغيره، وعلى الخفِّ المخرَّق ما دام اسمه باقيًا، والمشيُ فيه ممكنًا) ((الفتاوى الكبرى)) (5/304)، ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 390). ، والشِّنقيطيُّ قال الشِّنقيطيُّ: (أقربُ الأقوال عندي: المسحُ على الخفِّ المخرَّق ما لم يتفاحشْ خَرقُه، حتى يمنَعَ تتابُعَ المشيِ فيه؛ لإطلاق النُّصوصِ، مع أنَّ الغالِبَ على خفافِ المسافرين والغُزاةِ، عدمُ السَّلامةِ من التخريق، والله تعالى أعلَمُ). ((أضواء البيان)) (1/341). ، وابنُ عثيمين قال ابنُ عثيمين: (اختلف العلماءُ رحمهم الله تعالى في جوازِ المَسحِ على الخفِّ المُخرَّق، والصَّحيح: جوازُه ما دام اسمُ الخفِّ باقيًا، وهو قولُ ابن المُنذِر، وحكاه عن الثوريِّ وإسحاق، ويزيد بن هارون وأبي ثور، وبه قال شيخُ الإسلامِ ابن تيميَّة ما دام اسمُ الخفِّ باقيًا، والمشيُ به ممكنًا). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/191).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الشَّارِعَ أمَرَنا بالمسحِ على الخُفَّين مطلقًا، ولم يقيِّده بالخفِّ غيرِ المخرَّق ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (21/183).
ثانيًا: قد عَلِم رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ من الخِفافِ والجوارب وغيرِ ذلك ممَّا يُلبَسُ على الرجلين، المخرَّقَ خرقًا فاحشًا أو غيرَ فاحشٍ، وغير المخرَّق، فما خصَّ عليه الصَّلاة والسَّلام بعضَ ذلك دون بعضٍ، ولو كان حُكم ذلك في الدِّين يختلِفُ، لَمَا أغفَلَه الله تعالى عن أن يوحِيَ به، ولا أهمَلَه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المفترَض عليه البيانُ، حاشَا له من ذلك؛ فصحَّ أنَّ حُكمَ ذلك المسحُ على كلِّ حالٍ ((المحلى)) لابن حزم (1/335).
ثالثًا: أنَّ مُعظَمَ الصَّحابةِ فُقَراءُ، وخِفافُهم لا تخلو من فُتوقٍ أو خروق، وهل كانت خِفافُ المهاجرين والأنصار إلَّا مشقَّقةً مخرَّقةً ممزَّقةً؟! فلو كان الفَتقُ أو الخرق مؤثرًا لبيَّنه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ الأمرَ يتعلَّق بالصَّلاةِ ((المحلى)) لابن حزم (1/336).
رابعًا: أنَّ اشتراطَ كونِ الخِفاف سليمةً من الخروقِ، منافٍ للمقصود من الرُّخصةِ؛ من حيث التخفيفُ على المكلَّفينَ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/233).
خامسًا: تَساوي الخفِّ السَّليم والمخروقِ فيما شُرِع لأجْلِه المسحُ، وهو المشقَّةُ في نَزعِهما ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/167).

انظر أيضا: