الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّاني: حُكمُ الخَمرِ إذا خُلِّلَت بعِلاجٍ [94] أي: يتدخَّل في تخلِيلها باضافة  ما يقلِبها من الخمر إلى الخَلِّ، أو بنقْل من مكان إلى مكان يتسبب في تخليلها يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/113)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (12/392)  


يَحرُمُ تَخليلُ الخَمرِ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ [95] ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 15)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (1/304)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/248)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/82)، ويُنظر: ((حاشية البجيرمي)) (1/108).   والحَنابِلةِ [96] ((الإنصاف)) للمرداوي (1/230)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/187)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/172).   ، وهو الأشهَرُ عن مالكٍ، واختاره ابنُ عبدِ البرِّ [97] قال ابن عبد البر: (ولا يخَلِّلْ أحدٌ خَمرًا، فإن خَلَّلَها فبِئسَ ما فعل، ولْيستغفِرِ اللهَ، ولْيأكُلْها إن شاء، وقد قيل: لا يأكُلها إلَّا أن تعُودَ خلًّا بغيرِ صنيعِ آدميٍّ، وهو الأشهرُ عن مالك، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبه أقول). ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/443). وقال: (والذي يصِحُّ في تخليلِ الخَمرِ عن مالك ما رواه ابنُ وهب وابن القاسم عن مالكٍ، قال ابنُ وهب: سَمِعتُ مالِكًا يقولُ في رجلٍ اشترى خلًّا فوجد فيها قُلَّةَ خَمرٍ، قال: لا يجعَلْ فيها شيئًا لِيُخَلِّلَها). ((الاستذكار)) (8/28)، ويُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (6/348)، ((التاج والإكليل)) للمواق (1/97)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/88).   ، وبه قالت طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ [98] قال ابن عبد البر: (قال ابن وهب: وهو قولُ عمرَ بنِ الخطَّاب، والزُّهْري، وربيعة). ((الاستذكار)) (8/29)، ويُنظر: ((تفسير القرطبي)) (6/290). وقال ابن قُدامة: (الخَمرةُ إذا أُفسِدَت فصُيِّرت خلًّا، لم تزُلْ عن تَحريمِها، وإنْ قلَبَ اللهُ عَينَها فصارت خلًّا، فهي حلالٌ؛ رُوي هذا عن عُمر ابن الخطاب رَضِيَ اللهُ عنه، وبه قال الزهريُّ، ونحوُه قَولُ مالك). ((المغني)) (9/172).   ، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّةَ [99] قال ابن تيمية: (أما التخليلُ ففيه نزاعٌ... وقيل: لا يجوزُ بحالٍ كما يقولُه من يقولُه مِن أصحابِ الشَّافعي وأحمد، وهذا هو الصحيح). ((مجموع الفتاوى)) (21/483).   ، وابنِ القَيِّم [100] قال ابن القيِّم: (إذا كان له عصيرٌ فخاف أن يتخمَّرَ، فلا يجوزُ له بعد ذلك أن يتَّخِذَه خَلًّا؛ فالحِيلة: أن يُلقَى فيه أولًا ما يمنَعُ تخمُّرَه، فإن لم يَفعَلْ حتى تخمَّرَ، وجَب عليه إراقَتُه، ولم يجُزْ له حَبسُه حتى يتخلَّلَ، فإن فعَلَ لم يَطهُرْ؛ لأنَّ حَبسَه مَعصيةٌ، وعَوْدَه خلًّا نعمةٌ، فلا تُستباحُ بالمعصيةِ). ((إغاثة اللهفان)) (2/11). وقال: (وأمَّا ما رُويَ عن عليٍّ من اصطباغِه بخَلِّ الخمرِ، وعن عائشةَ أنَّه لا بأس به؛ فهو خَلُّ الخمرِ الذي تخلَّلت بنفسِها لا باتخاذِها). ((إعلام الموقعين)) (2/293).   ، وابنِ عُثَيمين [101] قال ابن عثيمين: (ولا يجوز أن تُتَّخذَ للتَّخليلِ، بخلاف ما إذا تخلَّلت بنفسِها؛ فإنها تطهُرُ وتَحِلُّ). ((الشرح الممتع)) (1/432).   ، وبه أفتَت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [102] جاء في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة برئاسة ابن باز: (إذا حُوِّلَتِ الخمرةُ إلى خلٍّ، بَقِيَت على تحريمِها، ولا تنقُلُها الإزالةُ عن حُكمِها،... أمَّا إذا تخلَّلت بنَفسِها من دون عَملِ أحدٍ، فإنَّها تطهُرُ بذلك وتُباحُ). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (22/109).   ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ [103] قال ابن قدامة: (ولأنه إجماعُ الصَّحابةِ، فروي أنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- صَعِدَ المِنبَرَ، فقال: لا يحِلُّ خَلُّ خَمرٍ أُفسِدَت، حتى يكونَ اللهُ تعالى هو تولَّى إفسادَها). ((المغني)) (9/173). وقال ابن القطان: (ولا خِلافَ بين العُلَماءِ في أنَّه غيرُ جائز لأحدٍ أن يتَّخِذَ مِن الخَمرِ خَلًّا، وأن فاعِلَ ذلك عاصٍ). ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (1/327). ونسبه القرطبيُّ للجمهورِ، فقال: (ذهب جمهورُ الفقهاءِ إلى أنَّ الخمر لا يجوزُ تخليلُها لأحدٍ). ((تفسير القرطبي)) (6/290).
الأدلَّة:
أولًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أنسٍ رضي الله عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُئِلَ عن الخَمرِ تُتَّخَذُ خَلًّا؟ قال: لا )) [104] أخرجه مسلم (1983).  
وجهُ الدَّلالةِ:
نصَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ على النَّهيِ عن التَّخليلِ، وحَقيقةُ النَّهيِ للتَّحريمِ [105] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/114).  
2- عن أنسٍ رضي الله عنه: ((أنَّ أبا طلحةَ سأل النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أيتامٍ وَرِثوا خَمرًا، قال: أهرِقْها، قال: أفلا أجعَلُها خلًّا؟ قال: لا )) [106] أخرجه أبو داود (3675) واللفظ له، وأحمد (12189). صَحَّحه النووي في ((المجموع)) (2/575)، وابنُ الملَقِّن في ((البدر المنير)) (6/630)، وابنُ القيم في ((إعلام الموقعين)) (2/296)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (9/74): رجال إسناده في سُنَن أبي داود ثقاتٌ، وصَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3675)، والحديث أصلُه مختصَر في الصَّحيحِ؛ أخرجه مسلم (1983).  
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه أمرَ بإراقتِها مع عِلمِه أنَّها مالُ يتيمٍ، وأموالُ اليتامى تجِبُ حِراستُها، فلو كان التَّخليلُ سَببًا لطَهارتِها وإباحتِها، لأمَرَ به في مالِ اليتيمِ، ولم يأمُرْ بإراقتِها [107] ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/227).  
ثانيًا: أنَّه لا يستقِرُّ مِلكُ مُسلمٍ على خَمرٍ، ولا يَثبُتُ له عليها مِلكٌ بحالٍ، كما لا يَثبُتُ له ساعةً مِلكُ الخِنزيرِ ولا دَم، ولا صَنَم، فكيف يُخَلِّلُها [108] ((الاستذكار)) لابن عبد البر (8/30).   ؟!
ثالثًا: أنَّ زوالَ الإسكارِ كان بفِعلِ شَيءٍ مُحرَّمٍ، فلم يترتَّبْ عليه أثَرُه؛ إذ التَّخليلُ لا يجوزُ [109] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/433).  
رابعًا: أنَّ التخليلَ عَمَلٌ ليس عليه أمرُ اللهِ ولا رَسولِه، فيكونُ باطِلًا مَردودًا؛ فلا يترتَّبُ عليه أثَرٌ، كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليس فيه، فهو رَدٌّ )) [110] رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718)، ويُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/433).  
خامسًا: أنَّ في الاشتِغالِ بالتَّخليلِ احتِمالَ الوُقوعِ في الفَسادِ، ويتنَجَّسُ الظاهِرُ منه ضرورةً، وهذا لا يجوزُ، بخلافِ ما إذا تخَلَّلَت بنَفسِها [111] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/114).  

انظر أيضا: