الموسوعة الفقهية

الفرع الثاني: حُكمُ لُبسِ الرَّجُلِ الفِضَّةَ والتزينِ بها


يجوزُ لُبسُ الرَّجُل للفِضَّةِ مُطلقًا [764] ويدخُلُ في ذلك الثَّوبُ المنسوجُ بالفِضَّة، وزِرُّ الفِضَّةِ للثَّوب أو القميصِ. لكِنْ يُمنَعُ مِن لُبسِ ما فيه تشَبُّهٌ بالنِّساءِ، قال الشِّنْقيطي: (الرجُلُ إذا لَبِسَ مِن الفِضَّة مثلَ ما يَلبَسُه النِّساءُ مِن الحُليِّ- كالخَلْخَال، والسِّوار، والقُرط، والقِلادة، ونحو ذلك- فهذا لا ينبغي أن يُختَلَف في مَنعِه؛ لأنَّه تَشَبُّهٌ بالنِّساءِ). ((أضواء البيان)) (2/352). وقال ابن عثيمين: (أمَّا السِّوارُ، والقِلادةُ في العُنُق،- من الفضة- وما أشبهَ ذلك؛ فهذا حرامٌ مِن وجهٍ آخر، وهو التشَبُّهُ بالنِّساءِ والتخَنُّثُ، وربما يُساءُ الظَّنُّ بهذا الرجل، فهذا يَحرُمُ لِغَيرِه لا لِذاتِه). ((الشرح الممتع)) (6/108). ، وهو قَولٌ للشَّافعيَّة [765] ((فتح العزيز)) للرافعي (6/28)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/262). ، وروايةٌ للحَنابِلة [766] قال ابنُ مفلحٍ: (ولم أجِدْهم [أي: الأصحابَ] احتجُّوا على تحريمِ لباسِ الفضَّةِ على الرِّجالِ، ولا أعرفُ التَّحريمَ نصًّا عن أحمد، وكلامُ شيخِنا يدُلُّ على إباحةِ لُبسِها للرِّجالِ، إلَّا ما دلَّ الشَّرعُ على تحريمِه). ((الفروع)) (4/147). ونصَر ابنُ مفلح هذا القولَ، وردَّ جميعَ ما استُدِلَّ به على التحريمِ. ويُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (3/107). ، وهو قَولُ ابنِ حَزمٍ [767] قال ابن حزم: (والتحلِّي بالفِضَّة، واللؤلؤِ، والياقوتِ، والزُّمُرد: حلالٌ في كُلِّ شَيءٍ للرجالِ والنِّساءِ، ولا نخصُّ شيئًا إلَّا آنيةَ الفِضَّةِ فقط، فهي حرامٌ على الرِّجالِ والنِّساءِ). ((المحلى)) (9/246). ، وابنِ تيميَّة [768] قال ابن تَيميَّةَ: (فأمَّا لُبسُ الفِضَّة: إذا لم يكُن فيه لفظٌ عامٌّ بالتحريمِ، لم يكن لأحدٍ أن يحَرِّمَ منه إلَّا ما قام الدَّليلُ الشَّرعيُّ على تحريمِه، فإذا جاءت السنةُ بإباحةِ خاتَمِ الفِضَّةِ، كان هذا دليلًا على إباحةِ ذلك، وما هو في معناه، وما هو أولى منه بالإباحةِ، وما لم يكُنْ كذلك فيَحتاجُ إلى نظَرٍ في تحليلِه وتَحريمِه). ((مجموع الفتاوى)) (25/65). ، وابنِ القَيِّم [769] قال ابن القيم: (ثبتَ أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان خاتَمُه مِن فِضَّة، وفَصُّه منه، وكانت قَبيعةُ سَيفِه فِضَّةً، ولم يصِحَّ عنه في المنعِ مِن لِباسِ الفِضَّةِ والتحَلِّي بها شيءٌ البتَّةَ، كما صحَّ عنه المنعُ مِن الشُّربِ في آنيتِها، وبابُ الآنيةِ أضيَقُ مِن بابِ اللِّباسِ والتحَلِّي؛ ولهذا يباحُ للنِّساءِ لِباسًا وحِليةً ما يَحرُمُ عليهنَّ استعمالُه آنيةً، فلا يلزَمُ مِن تحريمِ الآنيةِ تحريمُ اللِّباسِ والحِليةِ). ((زاد المعاد)) (4/320). ، والشَّوكاني [770] قال الشوكاني: (الأصلُ الحِلُّ كما يفيدُه قَولُه عزَّ وجَلَّ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ [البقرة: 29] ، وقوله: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف: 32] ، فلا يُنقَلُ عن هذا الأصلِ المدلولِ عليه بعمومِ الكتابِ العزيزِ إلَّا ما خصَّه دليلٌ، ولم يَخُصَّ الدَّليلُ إلَّا الأكلَ والشُّربَ في آنيةِ الذَّهَبِ، والتَّحليَ بالذهَبِ للرِّجالِ؛ فالواجِبُ الاقتصارُ على هذا النَّاقِلِ وعدمُ القَولِ بما لا دليلَ عليه بما هو خِلافُ الدَّليلِ، ولم يَرِدْ غيرُ هذا، فتحريمُ الاستعمال على العمومِ قَولٌ بلا دليلٍ، وما كان ربُّك نَسِيًّا). ((السيل الجرار)) (ص: 734). ، وابنِ عُثيمين [771] قال ابن عثيمين: (ولهذا قال شيخُ الإسلامِ ابن تَيميَّةَ وجماعةٌ مِن العُلَماءِ: الأصلُ في لباسِ الفِضَّةِ هو الحِلُّ حتى يقومَ دليلٌ على التحريمِ. وهذا القَولُ أصَحُّ؛ لقَولِ الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة: 29] ، فإذا جاء الإنسانُ، واتخذَ غيرَ الخاتَمِ مِمَّا يُتزَيَّنُ به مِن فِضَّةٍ، فلا نقول: إنَّ هذا حرامٌ، على القَولِ الرَّاجِحِ؛ لأنَّ الأصلَ الحِلُّ، أمَّا السِّوارُ والقِلادةُ في العُنُقِ، وما أشبَهَ ذلك، فهذا حرامٌ مِن وَجهٍ آخَرَ، وهو التشَبُّهُ بالنِّساءِ والتخَنُّثُ، وربما يُساءُ الظَّنِّ بهذا الرجُلِ، فهذا يَحرُمُ لِغَيرِه لا لِذاتِه). ((الشرح الممتع)) (6/108).
الأدِلَّة:
أولًا: مِن الكِتابِ
1- قَولُه تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة: 29]
2- قولُه تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف: 32]
وَجهُ الدَّلالةِ من الآيتَينِ:
 أفادت الآيتانِ أنَّ الأصلَ هو الحِلُّ، فلا يُنقَلُ عن هذا الأصلِ المَدلولِ عليه بعُمومِ الكِتابِ العَزيزِ إلَّا ما خَصَّه دَليلٌ [772] ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 734). ، فالأصلُ في لباسِ الفضةِ هو الحلُّ حتى يقومَ دليلٌ على التحريمِ [773] ((مجموع الفتاوى)) لابن تَيميَّةَ (25/65). ، ولم يصِحَّ عنه في المنعِ مِن لِباسِ الفِضَّةِ والتحَلِّي بها شيءٌ البتَّةَ [774] ((زاد المعاد)) لابن القيم (4/320).
3- قال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ [الأنعام: 119]
وجهُ الدلالةِ:
أنَّ الله تعالى لم يُفصِّلْ تحريمَ التحلِّي بالفضةِ في ذلك، فهي حلالٌ [775] ((المحلى)) لابن حزم (9/246).
ثانيًا: إذا جاز التختمُ بالفضةِ، فلا فرقَ بينَ الأصابعِ وسائرِ الأعضاءِ [776] ((الشرح الكبير)) للرافعي (6/28). وقال ابن تَيميَّةَ: (فإذا جاءت السنةُ بإباحةِ خاتَمِ الفِضَّةِ، كان هذا دليلًا على إباحةِ ذلك، وما هو في معناه، وما هو أولى منه بالإباحةِ). ((مجموع الفتاوى)) (25/65).

انظر أيضا: