الموسوعة الفقهية

الفرع الأول: حُكمُ حَلقِ اللِّحيةِ


يَحرُمُ حَلقُ [577] وكذلك لا يجوز نتفُها، ولا قَصُّ الكثيرِ منها. يُنظر: ((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم)) للقرطبي (1/512). اللِّحيةِ [578] اللِّحيةُ: هي اسمٌ لِما نبَتَ على الذَّقنِ والخَدَّين، من العظمِ النَّاتئِ حِذاءَ صماخِ الأذُنِ إلى العَظمِ المحاذي له من الجانبِ الآخر. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حَجَر (10/350)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/100)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/290)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/125). ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة [579] ((حاشية ابن عابدين)) (2/418). ويُنظر: ((تبيين الحقائق مع حاشية الشلبي)) (1/332)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (2/347). ، والمالِكيَّة [580] ((حاشية العدوي)) (2/580)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (13/278). ، والحَنابِلة [581] ((كشاف القناع)) للبهوتي  (1/75)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/85). ، وبعضِ الشَّافعيَّة [582] قال الحليمي: (لا يحِلُّ لأحدٍ أن يحلِقَ لِحيتَه أو حاجِبَيه). ((المنهاج في شعب الإيمان)) (3/79). وممن نُقِلَ عنهم القَولُ بالتحريمِ: ابن الرفعة، والقفَّال، والأذرعي. يُنظر: (حاشية الشرواني على تحفة المحتاج) (9/376)، ((إعانة الطالبين)) للدمياطي (2/386). ونسبه ابن الرفعة للشافعي، قال الشرواني: (قال الشَّيخانِ: يُكرَهُ حَلقُ اللِّحيةِ، واعترضه ابن الرفعة في حاشية الكافية بأنَّ الشافعيَّ- رضي الله تعالى عنه- نصَّ في الأمِّ على التحريم). ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) (9/376). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [583] قال ابن حزم: (واتَّفَقوا أنَّ حَلقَ جَميعِ اللِّحيةِ مُثْلةٌ لا تجوزُ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 157)، ولم يتعقَّبْه ابنُ تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). وقال ابن القطَّان: (واتَّفَقوا أنَّ حَلقَ [جميعِ] اللِّحيةِ مُثلَةٌ لا تَجوزُ). ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (2/299). وقال النفراوي: (لا شَكَّ في حُرمتِه [أي: حلق اللحية] عند جميعِ الأئمَّةِ؛ لمخالفتِه لسُنَّةِ المصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((الفواكه الدواني)) (2/306).
الأدلة مِنَ السُّنَّة:
1- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((أحْفُوا الشَّوارِبَ وأعْفُوا [584] قال الخطابي: (وقوله: أعْفُوا اللِّحى، يريدُ: وفِّرُوها؛ مِن قَولِك: عفا النَّبتُ: إذا طرَّ وكَثُر). ((أعلام الحديث)) (3/2154). وقال القاضي عياض: (قولُه : «وأعفُوا اللِّحَى»، وفى روايةٍ: «أوْفُوا اللِّحَى» وهما بمعنًى، اْى: اتركُوها حتى تكثرَ وتطولَ). ((إكمال المعلم شرح صحيح مسلم)) (2/35). وقال ابنُ حجر العسقلاني: (ذهب الأكثَرُ إلى أنَّه بمعنى وفِّروا أو كَثِّروا، وهو الصَّوابُ). ((فتح الباري)) (10/351). اللِّحى)) [585] أخرجه مسلم (259).
2- وعنه أيضًا، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّروا [586] وفِّروا: من التوفيرِ وهو الكثرةُ، وأصل (وَفَرَ) يدلُّ على كثرةٍ وتَمامٍ. يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/129)، ((لسان العرب)) لابن منظور (5/287)، ((القاموس المحيط)) للفيروزابادي (ص:493). قال ابنُ حجر: (أمَّا قولُه: «وفروا» فهو بتشديدِ الفاءِ، مِن التوفيرِ، وهو الإبقاءُ؛ أي: اتركوها وافرةً). ((فتح الباري)) (10/350). اللِّحى، وأحْفُوا الشَّوارِبَ )) [587] أخرجه البخاري (5892).
3- وعنه أيضًا، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((أنهِكوا الشَّوارِبَ، وأعْفُوا اللِّحى )) [588] أخرجه البخاري (5893).
4- وعنه أيضًا، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((أحْفُوا الشَّوارِبَ، وأوفُوا [589] أوفوا: مِن الإيفاءِ، وهو الإتمامُ وعدمُ النُّقصانِ، يُقال: أوفَى الشيءُ: أي: تمَّ وكثُر، وأصلُ (وفي) يدلُّ على إكمالٍ وإتمامٍ. يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/129)، ((تاج العروس)) للزبيدي (40/219). قال ابنُ حجر: (أوفوا: أي: اتركوها وافيةً). ((فتح الباري)) (10/350). اللِّحى)) [590] أخرجه مسلم (259).
5- عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((جُزُّوا الشَّوارِبَ وأرْخُوا [591] أرخُوا: مِن الإرخاءِ: وهو بمعنَى الإطالةِ والسَّدلِ، فمعنى ((أرْخُوا اللِّحى)) أي: أطيلُوها. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حَجَر (16/483)، ((تاج العروس)) للزبيدي (38/138). اللِّحى؛ خالِفوا المَجوسَ)) [592] أخرجه مسلم (260). وجاء بلفظِ ((أرْجُوا [593] أَرجُوا: أصلُها: أرْجِئُوا مِن الإرجاءِ: وهو التأخيرُ، و ((أرجُوا اللِّحَى)) أي: أخِّروها واترُكوها. قال النووي: (ذكَرَ القاضي عِياضٌ أنَّه وقع في روايةِ الأكثرين كما ذكَرْنا، وأنَّه وقع عند ابن ماهان (أرجُوا) بالجيم، قيل: هو بمعنى الأوَّلِ، وأصله (أرْجِئُوا) بالهمزة، فحذفت الهمزة تخفيفًا، ومعناه: أخِّروها واترُكوها). ((شرح صحيح مسلم)) (1/418). وقال ابنُ حجر: (وفي حديث أبي هريرة عند مسلمٍ: «أرجِئُوا»، وضُبِطَت بالجيم والهمزة، أي: أخِّروها). ((فتح الباري)) (16/483). ) بالجيم.
أوجهُ الدَّلالةِ من هذه النُّصوصِ:
أولًا: أنَّه حصلَ مِن مجموعِ الأحاديثِ خَمسُ رِواياتٍ: (أعْفُوا- أوفُوا- أرْخُوا- أرْجُوا- وَفِّروا) ولا شَكَّ أنَّ حَلقَ اللِّحيةِ وعَدمَ تكثيرِها يُخالِفُ هذه الأوامِرَ ويتنافى معها [594] قال ابن دقيق: (الأمرُ بإعفائِها، بمعنى: تكثيرِها أو تَرْكِها، يمنعُ من نتفِها وحَلقِها). ((شرح الإلمام بأحاديث الأحكام)) (3/319). ، والأصلُ في الأمرِ الوُجوبُ [595] قال ابنُ باز: (الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَر بذلك ، والأصلُ في الأمرِ الوجوبُ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (8/377)، ويُنظر: ((آداب الزفاف)) للألباني (ص: 209).
 ثانيًا: أنَّ في حَلقِ اللِّحيةِ تَشَبُّهًا بالكُفَّارِ، كما في حديثِ ابنِ عمرَ وأبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنهم [596] ((آداب الزفاف)) للألباني (ص: 209).
6- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((لعن رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المتَشبِّهينَ مِن الرِّجالِ بالنِّساءِ، والمتشَبِّهاتِ مِن النِّساءِ بالرِّجالِ )) [597] أخرجه البخاري (5885).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ في حَلقِ اللِّحيةِ- التي ميَّزَ اللهُ بها الرجُلَ على المرأةِ- تَشَبُّهًا بالنِّساءِ [598] ((آداب الزفاف)) للألباني (ص: 210).

انظر أيضا: