الموسوعة الفقهية

المبحث الأوَّل: حُكم المسحِ على الخُفَّين


يجوز المسحُ على الخُفَّينِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/7)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/143)، ((الكافي)) لابن عبدِ البَرِّ (1/176)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/321)، ((الأم)) للشافعي (1/49،50)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/350)، ((المغني)) لابن قدامة (1/206)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/169).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قولُ الله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6]
وجه الدَّلالة:
 أنَّه على قراءة الجرِّ في قوله تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ، تكون (أَرجُلِكم) معطوفةً على قوله: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ، فتدخُل في ضِمنِ الممسوحِ حين تكونُ مستورةً بالخفِّ ونحوه، كما بيَّنتْه السُّنَّة قال الصَّنعاني: (هو أحسنُ الوجوهِ التي تُوجَّهُ به قراءةُ الجرِّ) ((سبل السلام)) (1/58)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (24/256)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/157- 159).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عنِ المغيرةِ بنِ شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: كنتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفرٍ، فأهويتُ لِأنزعَ خُفَّيه، فقال: ((دَعْهما؛ فإنِّي أدخلتُهما طاهرتينِ، فمَسَح عليهما )) رواه البخاري (206) واللفظ له، ومسلم (274).
2- وعن عبد اللهِ بنِ عُمرَ، عن سعد بن أبي وقَّاص عن ((النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه مَسَح على الخُفَّين ))، وأنَّ عبدَ الله ابن عُمرَ سأل عُمرَ عن ذلك فقال: نعَمْ، إذا حدَّثك شيئًا سعدٌ، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلا تسألْ عنه غيرَه رواه البخاري (202).
 3- وعن جعفرِ بن عَمرِو بن أُميَّة الضَّمريِّ، أنَّ أباه، أخبره أنَّه ((رأى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَمسحُ على الخُفَّينِ)) رواه البخاري (204).
4- عن همَّام بن الحارث، قال: رأيتُ جريرَ بنَ عبد اللهِ بالَ، ثمَّ توضَّأ ومسَح على خفَّيه، ثم قام فصلَّى، فسُئِل، فقال: ((رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَنَع مِثلَ هذا)) قال إبراهيم: (فكان يُعجِبُهم؛ لأنَّ جريرًا كان مِن آخِر مَن أسلَمَ) رواه البخاري (387) واللفظ له، ومسلم (272).
5- وعن حُذَيفةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كنتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فانتهى إلى سُباطةِ قَومٍ، فبال قائمًا، فتنحَّيْتُ فقال: ادْنُه، فدنوتُ، حتَّى قمتُ عند عَقبَيهِ، فتوضَّأ فمَسح على خفَّيه )) رواه البخاري (224)، ومسلم (273) واللفظ له.
ثالثًا: من الإجماع
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المبارك قال ابن المُنذِر: (رُوِّينا عن ابن المبارك أنَّه قال: ليس في المسحِ على الخُفَّين اختلافٌ أنَّه جائِزٌ) ((الأوسط)) (2/83). ، وابنُ المُنذِر قال ابن المُنذِر: (أجمع كلُّ مَن نحفَظُ عنه من أهل العلم وكلُّ مَن لَقِيتُ منهم على القَولِ به) ((الأوسط)) (2/82). ، وابن عبدِ البَرِّ قال ابن عبدِ البَرِّ: (عَمِل بالمسحِ على الخفَّين أبو بكر وعُمرُ وعثمان وعليٌّ، وسائِرُ أهل بدر والحديبيَّة، وغيرُهم من المهاجرين والأنصار، وسائرُ الصَّحابة والتابعين أجمعين، وفقهاء المسلمين في جميعِ الأمصار، وجماعةُ أهل الفقه والأثر كلُّهم يُجيز المسحَ على الخفَّين في الحضَر والسَّفر للرِّجال والنِّساء) ((التمهيد)) (11/137). ، والبَغَويُّ قال البغويُّ: (أمَّا المسح على الخُفَّين، فجائزٌ عند عامَّة أهلِ العِلمِ مِن الصَّحابة فمَن بعدهم) ((شرح السنة)) (1/454). ، وابن قُدامة قال ابن قدامة: (المسحُ على الخفَّين جائزٌ عند عامَّة أهل العلم). ((المغني)) (1/206). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (أجمع مَن يُعتدُّ به في الإجماعِ على جوازِ المَسحِ على الخُفَّين في السَّفَر والحضر، سواء كان لحاجة أو لغيرها، حتى يجوزَ للمرأةِ الملازِمة بيتَها، والزَّمِنِ الذي لا يمشي، وإنَّما أنكرتْه الشِّيعةُ والخوارجُ، ولا يُعتدُّ بخلافِهم) ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (3/164). وقال أيضًا: (مذهبُنا ومذهب العلماء كافَّةً جوازُ المسحِ على الخُفَّينِ، في الحَضَر والسَّفَر). ((المجموع)) (1/476). ونُقِل الخلافُ في المسألة عن بعضِ السلف، ورُدَّ على ذلك بأنَّه إمَّا رُوي خلافُه، أو لم يثبتْ عنه, قال ابن المبارك: (وذلك أنَّ كلَّ مَن رُوي عنه من أصحاب النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه كرِه المسحَ على الخفَّين، فقد رُوي عنه غيرُ ذلك) نقلًا عن ((الأوسط)) لابن المُنذِر (2/84). وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (ولم يُروَ عن أحدٍ مِن الصحابة إنكارُ المسحِ على الخفَّين، إلَّا عن ابنِ عبَّاس وعائشةَ وأبي هُرَيرة، فأمَّا ابن عباس وأبو هريرة، فقد جاء عنهما بالأسانيد الصِّحاح خلافُ ذلك، وموافقة لسائرِ الصحابة؛ ذكر أبو بكر بن أبي شَيبة: حدَّثَنا عبد الله بن إدريس، عن فِطر، قال: قلتُ لعطاءٍ: إنَّ عِكرمةَ يقولُ: قال ابنُ عبَّاس: سبَق الكتابُ الخُفَّينِ؟ قال عطاءٌ: كذَبَ عكرمةُ! أنا رأيتُ ابن عبَّاس يمسحُ عليهما. ورَوى أبو زُرعةَ بن عمرو بن جرير عن أبي هُريرَة: أنَّه كان يمسحُ على خُفَّيه. وذكَر الأثرمُ، قال: سمعتُ أحمد ابن حنبل، وقيل له: ما تقولُ فيما رُوي عن أبي هريرة وأبي أيُّوبَ وعائشةَ في إنكار المسحِ على الخُفَّين؟ فقال: إنما رُوي عن أبي أيُّوب أنَّه قال: حُبِّب إليَّ الغَسلُ، فإنْ ذهَب ذاهبٌ إلى قول أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ حُبِّب إليَّ الغسلُ لم أعِبْه، قال: إلَّا أن يترُكَ رجلٌ المسحَ ولا يراه كما صنع أهلُ البِدَع، فهذا لا يُصلَّى خَلْفَه، ثم قال: نحن لا نذهَبُ إلى قول أبي أيُّوب، ونرى المسحَ أفضلَ، ثم قال: ومَن تأوَّل تأويلًا سائغًا لا يخالِفُ فيه السَّلفَ، صَلَّيْنا خلفَه، وإنْ كنَّا نرى غيرَه... قال أبو عمر: لا أعلَمُ أحدًا من الصحابة جاء عنه إنكارُ المسحِ على الخُفَّين ممَّن لا يُختلفُ عليه فيه، إلَّا عائشةَ، وكذلك لا أعلَمُ أحدًا من فقهاءِ المسلمين رُوي عنه إنكارُ ذلك إلَّا مالكًا، والروايات الصِّحاحُ عنه بخلافِ ذلك، موطَّؤُه يشهَدُ للمسحِ على الخُفَّين في الحَضَر والسَّفَر، وعلى ذلك جميعُ أصحابِه وجماعةُ أهل السُّنة، وإنْ كان من أصحابنا مَن يستحبُّ الغَسلَ ويُفضِّلُه على المسحِ من غيرِ إنكارٍ للمسح). ((الاستذكار)) (1/217). وقال الكاسانيُّ: (فالمسحُ على الخُفَّين جائزٌ عند عامَّة الفقهاء، وعامَّةِ الصحابة رَضِيَ اللهُ عنهم، إلَّا شيئًا قليلًا رُوي عن ابن عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه لا يجوزُ). ((بدائع الصنائع)) (1/7). وقال ابنُ رشد: (فأمَّا الجوازُ، ففيه ثلاثة أقوال: القولُ المشهور أنَّه جائزٌ على الإطلاقِ، وبه قال جمهورُ فقهاءِ الأمصار. والقول الثاني: جوازُه في السَّفر دون الحضَر. والقول الثالث: مَنعُ جوازه بإطلاق، وهو أشدُّها، والأقاويلُ الثلاثةُ مرويَّةٌ عن الصَّدر الأوَّل، وعن مالكٍ). ((بداية المجتهد)) (1/18). وقال ابنُ تيميَّة: (وخفِي أصلُه على كثيرٍ من السَّلَف والخلَف، حتى أنكرَه بعضُ الصحابة، وطائفةٌ من أهل المدينة، وأهل البيت، وصنَّف الإمامُ أحمد كتابًا كبيرًا في "الأشربة" في تحريمِ المُسكِر، ولم يذكُر فيه خلافًا عن الصَّحابة، فقيل له في ذلك، فقال: هذا صحَّ فيه الخلافُ عن الصَّحابة، بخلاف المُسكِر، ومالكٌ مع سَعةِ عِلمه وعلوِّ قدْره أنكرَه في روايةٍ، وأصحابُه خالفوه في ذلك. قلت: وحكَى ابنُ أبي شيبة إنكارَه عن عائشةَ، وأبي هريرة، وابن عباس، وضعَّف الروايةَ عن الصحابةِ بإنكارِه غيرُ واحدٍ، والله أعلم). ((الفتاوى الكبرى)) (5/303).

انظر أيضا: