الموسوعة الفقهية

الفرع الأول: حُكمُ لُبسِ الرجالِ للحريرِ


يحرمُ على الرجالِ لبسُ الحريرِ، وذلك باتفاقِ المذاهبِ الفقهيةِ الأربعةِ: الحنفيةِ [330] ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (10/17)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/215)، ((الدر المختار للحصكفي وحاشية ابن عابدين)) (6/351). ، والمالكيةِ [331] ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/189)، ((الشرح الصغير للدردير مع حاشية الصاوي)) (1/59). ، والشافعيةِ [332] ((المجموع)) للنووي (4/435)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/306). ، والحنابلةِ [333] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/281)، ويُنظر ((المغني)) لابن قدامة (1/421). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك [334] قال ابن عبد البر: (أجمع السَّلَفُ والخَلَفُ من العلماءِ على أنَّه إذا كان الثَّوبُ حريرًا كُلُّه، فإنَّه لا يجوزُ للرِّجالِ لِباسُه). ((الاستذكار)) (8/323). وقال: (أجمع العلماءُ على أنَّ لِباسَ الحريرِ حَلالٌ للنِّساءِ، وأنَّ الثوبَ إذا كان حريرًا كُلُّه سَداه ولُحمَتُه، لا يجوزُ لباسُه للرِّجالِ). ((الاستذكار)) لابن عبد البر (8/318). وقال ابن قدامة: (ولا نعلمُ في تحريمِ لبسِ ذلك على الرجالِ اختلافًا، إلا لعارضٍ، أو عذرٍ، قال ابنُ عبدِ البرِّ: هذا إجماعٌ). ((المغني)) (1/421). وقال النووي: (هذا الذي ذكرناه من تحريمِ الحريرِ على الرجالِ وإباحتِه للنساءِ، هو مذهَبُنا ومذهبُ الجماهيرِ، وحكى القاضي عن قومٍ إباحتُه للرِّجالِ والنِّساءِ، وعن ابنِ الزبيرِ تحريمه عليهما، ثم انعقدَ الإجماعُ على إباحتِه للنِّساءِ وتحريمِه على الرِّجالِ) ((شرح النووي على مُسْلِم)) (14/32). وقال ابن تَيميَّةَ: (ولُبسُ الحريرِ حَرامٌ على الرِّجالِ بسُنَّةِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإجماعِ العُلَماءِ، وإن كان مُبَطَّنًا بقُطنٍ أو كتَّانٍ). ((مجموع الفتاوى)) (29/298). وقال الحطاب: (تنبيه: لباسُ الحريرِ الخالصِ حرامٌ على الرجالِ بالإجماعِ قال ابنُ رشدٍ: أجمَع أهلُ العلمِ على أنَّ لباسَ الحريرِ المصمتِ الخالصِ محرمٌ على الرجالِ انتهى من أواخر كتاب الجامع). ((مواهب الجليل)) (2/189). وقال الشوكاني في حُكمِ لُبسِ الحرير: (ووقع الإجماعُ على أنَّ التَّحريمَ مُختَصٌّ بالرِّجالِ دونَ النِّساءِ). ((نيل الأوطار)) (2/97). لكن قال ابن حزم: (واتفقوا على كراهيةِ الحريرِ للرِّجال في غيرِ الحربِ وفي غير التداوي بلباسِه، إذا كان محضًا، ثم اختلفوا فمِن محرِّمٍ، ومِن كارهٍ). ((مراتب الإجماع)) (1/150). وقال المازري: (اختلف النَّاسُ في لباسِ الحريرِ فذهب قومٌ إلى منعِه على الإطلاقِ، وآخرون إلى جوازِه على الإطلاقِ، وجمهورُ العلماءِ على إباحتِه للنساءِ، ومنعِه للرِّجالِ). ((المعلم بفوائد مسلم)) (3/126).
الأدِلَّة مِن السُّنَّةِ:
1- عن ابنِ زُرَيرٍ، أنَّه سَمِعَ عليَّ بنَ أبي طالب رضي الله عنه ٍيقولُ: ((إنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخذ حريرًا، فجعَلَه في يمينِه، وأخذ ذهَبًا فجعَلَه في شِمالِه، ثمَّ قال: إنَّ هَذينِ حرامٌ على ذُكورِ أمَّتي )) [335] أخرجه أبو داود (4057)، والنَّسائي (5144)، وأحمد (935) واللَّفظُ لهم، وابنُ ماجه (3595) باختلافٍ يسيرٍ. حسَّنَه عليُّ بن المَدِيني كما في ((خلاصة البدر المنير)) (1/26) وقال: ورجالُه معروفون، وصَحَّحه ابنُ العربي في ((أحكام القرآن)) (4/114)، وحسَّنَه النوويُّ في ((المجموع)) (4/440)، والشوكاني في ((الدراري المضية)) (340)، وصَحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تحقيق ((مُسند أحمد)) (2/186)، وجَوَّد إسناده ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (6/348)، وصَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4057).
2- عن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عن أبيه رضِي الله عنه، قال: ((أرسل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه بحُلَّةِ حَريرٍ، أو سِيَراءَ [336] السِّيَراءُ: نَوعٌ مِن الثيابِ فيه خُطوطٌ صُفرٌ، يُخالِطُه حريرٌ. يُنظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (3/283)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/433)، ((لسان العرب)) لابن منظور (4/390). ، فرآها عليه، فقال: إنِّي لم أُرسِلْ بها إليك لتَلْبَسَها، إنَّما يَلبَسُها مَن لا خَلاقَ له، إنَّما بَعثتُ إليك لتستَمتِعَ بها، يعني: تبيعَها )) [337] أخرَجَه البُخاريُّ (2104) واللَّفظُ له، ومُسْلِم (2068).
3- عن أبي عُثمانَ، قال: ((كُنَّا مع عُتبةَ، فكتَبَ إليه عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: لا يُلبَسُ الحَريرُ في الدُّنيا إلَّا لم يُلبَسْ في الآخرةِ منه )) [338] أخرَجَه البُخاريُّ (5830) واللَّفظُ له، ومُسْلِم (2069) بنحوه.
4- عن ابنِ أبي ليلى، قال: ((كان حُذيفةُ بالمداين فاستَسْقَى، فأتاه دِهقانٌ بماءٍ في إناءٍ مِن فِضَّةٍ، فرَماه به وقال: إنِّي لم أرْمِه إلَّا أنِّي نَهيتُه فلم ينتَهِ؛ قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: الذَّهَبُ والفِضَّةُ، والحريرُ والدِّيباجُ، هي لهم في الدُّنيا، ولكم في الآخرةِ )) [339] أخرَجَه البُخاريُّ (5831) واللَّفظُ له، ومُسْلِم (2067).
5- عن البَراءِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أمَرَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بسَبعٍ: عيادةِ المريضِ، واتِّباعِ الجنائِزِ، وتَشميتِ العاطِسِ...، ونهانا عن سَبعٍ: عن لُبسِ الحَريرِ، والدِّيباجِ، والقَسِّيِّ [340] القَسِّي: هي ثيابٌ مضلعةٌ بالحريرِ، تُعمل بالقَسِّ- بفتحِ القافِ- وهو موضعٌ مِن بلادِ مصرَ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (14/31). ، والإستبرَقِ [341] الإسْتَبرَق: ما غَلُظَ من الحَريرِ. ((النهاية)) لابن الأثير (1/47). ، والمياثِرِ [342] المَياثِرُ: جَمعُ مِيثرةٍ: فِراشٌ مِن حريرٍ مَحشوٌّ بالقُطنِ يجعَلُه الرَّاكِبُ تحته على الرَّحلِ والسَّرجِ، وهي مِن مَراكبِ العَجَمِ. ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (8/73). الحُمرِ )) [343] أخرَجَه البُخاريُّ (5849) واللَّفظُ له، ومُسْلِم (2066).

انظر أيضا: