الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: حُكمُ الإسبالِ بغيرِ خُيَلاءَ للرَّجُلِ


يَحرُمُ على الرِّجالِ إسبالُ الثِّيابِ، وإن لم يكُنْ للخُيَلاءِ، وهو روايةٌ عند الحَنابِلة [302] ((الإنصاف)) للمرداوي (1/333). ، وقولُ ابنِ حَزمٍ [303] قال ابنُ حزم: (وأمَّا من استرخى ثوبُه، حتى مسَّ كعْبَه؛ ففَرْضٌ عليه أن يرفَعَه). ((المحلى)) (2/392). ، وابنِ العربي [304] قال ابن العربي: (لا يجوزُ لرجُلٍ أن يجاوِزَ بثَوبِه كَعْبَه، ويقول: لا أتكبَّرُ فيه؛ لأنَّ النَّهيَ تناولَه لفظًا، وتناوَلَ عِلَّتَه، ولا يجوزُ أن يتناوَلَ اللَّفظُ حُكمًا فيُقالُ: إنِّي لستُ ممَّن يمتَثِلُه؛ لأنَّ العِلَّةَ ليست فيَّ، فإنَّها مخالَفةٌ للشَّريعةِ، ودعوى لا تَسْلَّمُ له، بل مِن تكَبُّرِه يطيلُ ثَوبَه وإزارَه، فكَذِبُه معلومٌ في ذلك قطعًا). ((عارضة الأحوذي)) (7/238). ، وابنِ تيميَّةَ [305] قال ابن تَيميَّةَ: (وإن كان الإسبالُ والجَرُّ منهيًّا عنه بالاتِّفاقِ، والأحاديثُ فيه أكثَر، وهو مُحرَّمٌ على الصَّحيحِ). ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (ص: 383). ، وابنِ حَجَر [306] قال ابن حَجَر: (وفي هذه الأحاديثِ أنَّ إسبالَ الإزارِ للخُيَلاءِ كَبيرةٌ، وأمَّا الإسبالُ لغَيرِ الخُيَلاءِ، فظاهرُ الأحاديثِ تَحريُمه). ((فتح الباري)) (10/263). ، والصنعانيِّ [307] ألَّفَ فيه كتابًا سمَّاه: ((استيفاءُ الأقْوال في تحريمِ الإسْبالِ على الرِّجال)). ، وابنِ بازٍ [308] قال ابن باز: (هذان الحديثانِ يُبَيِّنانِ أنَّه لا يجوزُ إسبالُ الثِّيابِ للرَّجُلِ، وأنَّ ذلك مع الخُيَلاءِ يكونُ أشَدَّ إِثمًا وأعظَمَ جَريمةً). ((فتاوى ابن باز)) (8/275). ، وابنِ عثيمينَ [309] قال ابن عثيمين: (والصَّحيحُ أنَّه حرامٌ، سواءٌ أكان لخُيَلاءَ أم لغيرِ خُيَلاءَ، بل الصَّحيحُ أنَّه مِن كبائِرِ الذُّنوبِ). ((شرح رياض الصالحين)) (4/287).
الأدِلَّةُ مِن السُّنَّةِ:
1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما أسفَلَ مِن الكَعبينِ مِن الإزارِ، ففي النَّارِ )) [310] أخرَجَه البُخاريُّ (5787).
2- عن أبي ذَرٍّ الغِفارِيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهم اللهُ يومَ القيامةِ ولا يَنظُرُ إليهم ولا يُزَكِّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ، قال: فقرأها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثلاثَ مَرَّاتٍ. قال أبو ذَرٍّ: خابوا وخَسِروا، من هم يا رسولَ اللهِ؟ قال: المُسبِلُ، والمَنَّانُ، والمُنَفِّقُ سِلعَتَه بالحَلِفِ الكاذِبِ )) [311] أخرجه مُسْلِم (106).
وَجهُ الدَّلالةِ من الحديثين:
هذان الحديثانِ يُبَيِّنانِ أنَّه لا يجوزُ إسْبالُ الثِّيابِ للرَّجُلِ مُطلَقًا، ومع الخُيَلاءِ يكونُ أشَدَّ إثمًا [312] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (8/275).
مطلب: تقصيرُ الثَّوبِ للرَّجُل
يُستحَبُّ للرَّجُلِ تَقصيرُ الإزارِ والثَّوبِ الى نِصفِ السَّاقِ [313] قال ابن باز: (إذا كان في بيئةٍ تَعيبُه في ذلك ويتأذَّى من ذلك، فلا حاجةَ إلى أن يرفَعَ إلى نصفِ السَّاقِ، الحمد لله عنده رخصةٌ، يُرخِي إلى الكعبِ، والحمد لله، ويستريحُ من الأذى، ولا بأس؛ لأنَّها سُنَّةٌ فقط مُستحَبٌّ، المُحَرَّمُ أن يَنزِلَ عن الكَعبِ، هذا هو المحَرَّم، أمَّا مِن الكعبِ إلى النِّصفِ، هذا كلُّه مُوَسَّعٌ فيه، والحمد لله). ((الموقع الرسمي لابن باز)). ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة [314] ((الدر المختار للحصكفي وحاشية ابن عابدين)) (6/351)، ((الفتاوى الهندية)) (5/333). ، والمالِكيَّة [315] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/453)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقَرافيِّ (13/265). ، والشَّافعيَّة [316] ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/309)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/382)، ويُنظر: ((شرح النووي على مُسْلِم)) (14/62)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاريِّ (1/279)، ((المنهاج القويمُ شرح المقدمة الحَضْرَمية)) لابن حَجَر الهيتمي (ص: 190).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه، قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إِزْرةُ المُسلِمِ إلى نِصفِ السَّاقِ، ولا حَرَجَ- أو لا جُناحَ- فيما بينه وبين الكَعبَينِ، ما كان أسفَلَ مِن الكَعبَينِ فهو في النَّارِ، مَن جَرَّ إزارَه بطَرًا لم ينظُرِ اللهُ إليه )) [317] أخرجه أبو داود (4093) واللَّفظُ له، والنَّسائي في ((السنن الكبرى)) (9717)، وابنُ ماجه (3573)، وأحمد (11397). صحَّحه ابنُ دقيق العيد في ((الاقتراح)) (116)، وصَحَّح إسنادَه النووي في ((المجموع)) (4/457)، والذهبي في ((الكبائر)) (397)، وصَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (4093).
وَجهُ الدَّلالةِ:
الحديثُ فيه دلالةٌ على أنَّ المُستحَبَّ أن يكونَ إزارُ المُسلِمِ إلى نِصفِ السَّاقِ [318] يُنظر: ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (11/103).

انظر أيضا: