الموسوعة الفقهية

الفصل الثالث: النِّيابةُ في حَجِّ النَّفْلِ


اختلف أهلُ العِلْمِ في مشروعيَّةِ النِّيابةِ في حَجِّ النَّفلِ على أقوالٍ؛ أقْواها قولانِ:
القول الأوّل: لا تجوزُ الاستنابةُ في حجِّ النَّفْلِ إلَّا عن المَيِّتِ والحيِّ المعضوبِ المعضوب: هو من كان عاجزًا عجزًا لا يُرجى زوالُه، وأصلُه: الزَّمِنُ الذي لا حِراكَ به؛ كأنَّه قُطِعَ عن كمال الحركةِ والتصرُّف، ويقال له أيضًا: المعصوبُ؛ كأنه قُطِعَ عَصَبُه، أو ضُرِبَ عَصَبُه. ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) (3/ 251)، ((المجموع)) للنووي (7/93، 94). ، وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّةِ على الأصَحِّ لكنْ قيَّدوا الحجَّ عن الميتِ بأن يكون قد أوصى بذلك. ((المجموع)) للنووي (7/114)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/254). ، وهو روايةٌ عن أحمدَ ((المغني)) لابن قُدامة (3/224)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/296). والمَذهَب عند الحنابلة الجواز مطلقًا، ينظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/397)، وذهب إلى ذلك الحنفية، ينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/146). ، واختارَه الشنقيطيُّ قال الشنقيطي: ((الأحاديثُ التي ذكَرْنا تدلُّ قطعًا على مشروعيَّةِ الحجِّ عن المعضوبِ والميِّتِ)) ((أضواء البيان)) (4/327). ، وابنُ باز ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/405).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ أنه قال: ((كان الفَضلُ بنُ عبَّاسٍ رَديفَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فجاءته امرأةٌ مِن خَثعَم تَستَفتيه، فجعَلَ الفَضلُ ينظُرُ إليها وتنظُرُ إليه، فجعَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَصرِفُ وَجهَ الفَضلِ إلى الشِّقِّ الآخَرِ. قالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّ فريضةَ اللهِ على عبادِه في الحجِّ أدرَكَت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيعُ أن يثبُتَ على الرَّاحلةِ، أفأحُجُّ عنه؟ قال: نعم. وذلك في حجَّةِ الوداعِ )) رواه البخاري (1513)، ومسلم (1334) واللفظ له.
2- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ امرأةً مِن جُهَينةَ جاءت إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: إنَّ أمِّي نذَرَتْ أن تحُجَّ فلم تحجَّ حتى ماتت، أفأحُجُّ عنها؟ قال: نعم، حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمِّكِ دَينٌ أكنتِ قاضِيَتَه؟ اقْضُوا اللهَ؛ فاللهُ أحَقُّ بالوفاءِ )) رواه مسلم (1852)
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الحَديثينِ:
أنَّ النِّيابةَ في الحَجِّ إنَّما شُرِعَتْ للمَيِّتِ أو العاجِزِ عن الحَجِّ، فما ثبَتَ في الفرْضِ ثبَتَ في النَّفْلِ ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (17/275).
ثانيًا: أنَّه يُتوسَّعُ في النَّفْلِ ما لا يُتوسَّعُ في الفَرْضِ، فإذا جازت النِّيابةُ في الفَرْضِ، فَلَأنْ تَجوزَ في النَّفْلِ أَوْلى ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/77).
ثالثًا: أنَّها حَجَّةٌ لا تلزَمُه بنَفْسِه، فجاز أن يَستنيبَ فيها ((المغني)) لابن قُدامة (3/224).
رابعًا: أنَّ حَجَّ النَّفلِ لم يجِبْ عليه ببَدَنِه ولا بمالِه، فإذا كان له تَرْكُهما كان له أن يتحَمَّلَ إحدى المشَقَّتينِ؛ تقربًا إلى رَبِّه عزَّ وجَلَّ ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/146).
خامسًا: أنَّ النَّفْلَ كالفَرْضِ، فلم يَجُزْ أن يستنيبَ فيه القادِرُ على الحَجِّ بنَفْسِه ((المغني)) لابن قُدامة (3/224).
القول الثاني: عدمُ الجوازِ مُطلقًا، وهذا قولٌ للمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/3)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (2/18). ومَذهَب المالكيَّة الكراهة، ينظر: ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/3) ، وقولٌ عند الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (7/114). ، واختارَه ابنُ عُثيمين قال ابن عُثيمين: (الأقربُ للصَّوابِ بلا شكٍّ عندي: أنَّ الاستنابةَ في النَّفْلِ لا تصِحُّ لا للعاجِزِ ولا للقادِرِ) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (21/141). وقال أيضًا: (أمَّا الاستنابةُ في النَّفْل؛ ففي ذلك روايتان عن الإمامِ أحمدَ رحمه الله: إحداهما: أنَّ ذلك جائز، والثانية: أن ذلك ليس بجائزٍ، وفَرَّقَ بينها وبين الفريضة بأنَّ الفريضةَ لا بدَّ مِن فِعْلِها: إمَّا بنَفْسِ الإنسانِ أو بنائِبِه، وأمَّا النافلةُ فلا، فتَهاوُنُ النَّاسِ الآن في النيابةِ في الحجِّ أمرٌ ليس من عادةِ السَّلَف) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (21/142). ؛ وذلك لأنَّه إنما جازَ الاستنابةُ في الفَرْضِ للضَّرورةِ، ولا ضَرورةَ في غيرِه، فلم تَجُزِ الاستنابةُ فيه، كالصَّحيحِ ((المجموع)) للنووي (7/114).

انظر أيضا: