الموسوعة الفقهية

المبحث العاشر: النِّيابةُ (التَّوكيلُ) في الرَّمْيِ


المطلب الأوَّل: حُكْمُ التَّوكيلِ في الرَّمْيِ للمَعْذورِ
من كان لا يستطيعُ الرَّمْيَ بسبَبِ علَّةٍ لا يُرجَى زوالُها قبلَ خُروجِ وَقتِ الرَّميِ؛ فإنَّه يجِبُ عليه أن يستَنِيبَ مَن يَرمي عنه مَن وكَّل على الرميِ بعذرٍ شرعيٍّ، فلا يجوزُ له أن يسافِرَ قبلَ رمْيِ الوكيلِ؛ فإنْ نَفَر يومَ النَّحرِ ولم يَبِتْ في مِنًى ليلةَ الحادي عَشَرَ والثَّانيَ عَشَر، فعليه مع التَّوبةِ ثلاثةُ دماءٍ: دَمٌ عَن تَرْكِه المبيت بمِنًى، ودَمٌ عن تَرْكِه رَمْيَ الجَمَراتِ، ودَمٌ عن تَرْكِه طوافَ الوَداعِ، ولو طاف بالبيتِ قبل مغادَرَتِه،؛ لِوقوعِ طَوافِه في غيرِ وَقْتِه؛ لأنَّ طوافَ الوداعِ إنَّما يكون بعد انتهاءِ رَمْيِ الجَمَرات. يُنْظَر: ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (11/289)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/306-307). ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (4/63)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/137).    ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/115)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) الماوردي (4/204). ، والحَنابِلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/590) ، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/427).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُ اللهِ تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الاستنابةَ في الرَّميِ هي غايةُ ما يَقدِرُ عليه ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/474).
ثانيًا: أنَّه لَمَّا جازت النيابةُ عنه في أصلِ الحَجِّ، فجوازُها في أبعاضِه أَوْلَى ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/204)، ((المجموع)) للنووي (8/245).
ثالثًا: أنَّ زَمَنَ الرَّمْيِ مُضَيَّقٌ، ويفوت ولا يُشْرَع قضاؤه، فجاز لهم أن يوكِّلوا، بخلافِ الطَّوافِ والسَّعي فإنَّهما لا يفوتانِ، فلا تُشرَع النيابةُ فيهما ((المجموع)) للنووي (8/243)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/85، 86، 146).
المطلب الثَّاني: هل يُشْتَرَط أن يكونَ النَّائِبُ (الوكيل) قد رمى عن نَفسِه؟
يُشْتَرَط أنْ يرمي النائبُ عن نفسِه ثم يرمي عن مُوَكِّلِه قال ابنُ باز: (ويجوزُ للنَّائِبِ أنْ يَرمِيَ عن نفسِه ثمَّ عن مُسْتَنِيبِه كُلَّ جمرةٍ مِنَ الجِمارِ الثَّلاثِ، وهو في موقفٍ واحدٍ، ولا يجِبُ عليه أن يُكمِلَ رَمْيَ الجمارِ الثَّلاثِ عن نفسِه، ثمَّ يرجِعَ فيرمِيَ عن مُستَنِيبِه؛ في أصَحِّ قَولَيِ العُلماءِ؛ لعَدَمِ الدَّليلِ الموجِبِ لذلك، ولِمَا في ذلك مِنَ المشَقَّةِ والحَرَجِ، واللهُ سبحانه وتعالى يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا))، ولأنَّ ذلك لم يُنقَلْ عن أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين رَمَوْا عن صِبْيانِهم والعاجِزِ منهم، ولو فَعَلوا ذلك لنُقِلَ؛ لأنَّه مما تتوافَرُ الهِمَمُ على نَقْلِه). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/86). ويُنظَر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/230). ، وهذا مذهبُ الشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/115)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/315). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/381)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/242). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (11/76).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الأصلَ عَدَمُ تداخُلِ الأعمالِ البدنيَّةِ ((الذخيرة)) للقرافي (3/298).
ثانيًا: أنَّه لا يجوزُ أن ينوبَ عن الغيرِ، وعليه فَرْضُ نَفْسِه ((المغني)) لابن قُدامة (3/242).
ثالثًا: أنَّه لو رمى عن غيرِه قبل أن يرمِيَ عن نفسِه؛ فإنَّه يقع عن نفسِه، كأصْلِ الحجِّ ((الذخيرة)) للقرافي (3/298)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/484)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/242).
المطلب الثالث: الرَّميُ عن الصبيِّ إذا لم يَقدِرْ عليه
يجوزُ الرَّميُ عن الصَّبيِّ إذا لم يَقدِرْ عليه بنفْسِه.
الدليل من الإجماع:
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن المنذر [2665] قال ابنُ المُنذر: (أمَّا الصبيُّ الذي لا يقدِر على الرمي، فكلُّ مَن حفِظتُ عنه من أهل العلم يرَى الرميَ عنه). ((الإشراف)) (3/328)، وينظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/242). وقال: (وأجمَعوا على أنَّ على الصبي الذي لا يُطيق الرميَ أنَّه يُرمى عنه). ((الإجماع)) (ص: 59). ، والقرطبي [2666]  قال القرطبيُّ: (ولا خلافَ في الصبيِّ الذي لا يَقدِر على الرمي أنَّه يُرمى عنه، وكان ابنُ عُمرَ يفعل ذلك). ((تفسير القرطبي)) (3/12). ، والنووي [2667] قال النوويُّ: (أجمَعوا على الرَّمي عن الصبيِّ الذي لا يَقدِر على الرمي لصِغره). ((المجموع)) (8/283).

انظر أيضا: