الموسوعة الفقهية

المبحث السابع: زَمَنُ الرَّمْيِ يومَ النَّحْرِ


يبدأُ وَقْتُ رَمْيِ جَمْرةِ العَقَبةِ مِن مُنتصَفِ ليلةِ النَّحْرِ، ويُسَنُّ أن يكون بعد طُلوعِ الشَّمسِ قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رمى يومَ النَّحرِ جَمْرةَ العقبة بعد طلوعِ الشَّمس) ((الإجماع)) (ص: 58). وقال النووي: (قال ابنُ المُنْذِر: أجمعوا على أنَّ مَن رَمى جَمْرةَ العقبة يومَ النَّحْر بعد طلوعِ الشَّمسِ أجْزَأَه) ((المجموع)) (8/181). وقال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (أجمع عُلَماء المسلمين على أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما رماها ضُحًى ذلك اليوم. وأجمعوا أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يرم مِنَ الجَمَرات يومَ النَّحْرِ غَيْرَ جَمْرة العقبةِ وأجمعوا على أنَّ من رماها من طلوعِ الشَّمسِ إلى الزوال يومَ النَّحْرِ، فقد أصاب سُنَّتَها ووقْتَها المختارَ، وأجمعوا أنَّ مَن رماها يومَ النَّحْرِ قبل المَغيبِ فقد رماها في وَقْتٍ لها، وإن لم يكن ذلك مُستحسَنًا له) ((التمهيد)) (7/268). وقال ابنُ قُدامة: (كان رَميُها بعد طلوعِ الشَّمس يجزئُ بالإجماعِ، وكان أَوْلى) ((المغني)) (3/382). ، وهذا مذهَبُ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/180)، ((نهاية المحتاج)) الرملي (3/302) ، والحَنابِلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/584)، قال ابنُ قُدامة: (لِرَميِ هذه الجَمْرة وقتانِ: وقتُ فضيلةٍ، ووَقْتُ إجزاءٍ، فأمَّا وَقْتُ الفضيلةِ فبَعْدَ طلوعِ الشَّمس... وأمَّا وقتُ الجواز، فأوَّلُه نِصْفُ اللَّيلِ مِن ليلةِ النَّحْرِ) ((المغني)) (3/381، 382). ، وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ قُدامة: (وأمَّا وَقْتُ الجوازِ، فأَوَّلُه نِصْفُ اللَّيل من ليلة النَّحر، وبذلك قال عطاء، وابن أبي ليلى، وعكرمة بن خالد، والشافعي... وقد ذكَرْنا في حديث أسماءَ أنَّها رمت، ثم رَجَعت، فصَلَّتِ الصُّبحَ، وذكَرَتْ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَذِنَ للظُّعُنِ) ((المغني)) (3/382)، ويُنْظَر: ((مجلة البحوث الإسلامية)) (72/314). واختاره ابنُ باز قال ابنُ باز: (الصحيحُ أنَّ رَمْيَ جَمْرة العقبةِ في النِّصْفِ الأخيرِ مِن ليلةِ النَّحْرِ مُجْزئٌ للضَّعَفةِ وغَيْرِهم، ولكِنْ يُشْرَعُ للمُسْلِم القَوِيِّ أن يجتهِدَ حتى يرمِيَ في النَّهارِ؛ اقتداءً بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ ((لأنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رمى جَمْرةَ العقبةِ بعد طلوعِ الشَّمس))). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/143، 17/295، 296).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((رمى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ النَّحْرِ ضُحًى، ورمى بعد ذلكِ بعدَ الزَّوالِ )) رواه مسلم (1218)
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((أَرْسَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأمِّ سَلَمةَ ليلةَ النَّحْرِ، فرَمَتِ الجَمْرةَ قبلَ الفَجْرِ، ثم مَضَتْ فأفاضَتْ )) رواه أبو داود (1942) واللفظ له، والدارقطني (2/276)، والحاكم (1723)، والبيهقي (9846). قال محمد بن عبدالهادي في ((المحرر)) (265): رجاله رجال مسلم، وصححه ابن القيم في ((زاد المعاد)) (2/262)، وجود إسناده وقواه ووثق رجاله ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (5/162) وصحَّح إسنادَه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/250)، وقال ابنُ حجر في ((بلوغ المرام)) (215): إسناده على شرط مسلم.
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ هذا لا يكونُ إلَّا وقد رَمَت قبل الفَجْرِ بساعةٍ ((مجلة البحوث الإسلامية)) (5/23)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (23/156).
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((نَزَلْنا المُزْدَلِفةَ، فاستأذَنَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَوْدةُ، أنْ تدفَعَ قبل حَطْمَةِ النَّاس، وكانتِ امرأةً بَطيئةً، فأذِنَ لها، فدَفَعَتْ قبل حَطْمَةِ النَّاسِ، وأَقَمْنا حتى أصْبَحْنا نحن، ثم دَفَعْنا بدَفْعِه، فلَأَنْ أكونَ استأذَنْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما استأذَنَتْ سَوْدةُ، أحَبُّ إليَّ مِن مَفروحٍ به )) رواه البخاري (1681) واللفظ له، ومسلم (1290)
4- عن أسماءَ ((أنَّها نزَلَت ليلةَ جَمعٍ عند المزدَلِفةِ، فقامت تصلِّي، فصلَّت ساعةً، ثم قالت: يا بُنَيَّ، هل غاب القَمَرُ؟ قلتُ: لا. فصلَّت ساعةً، ثم قالت: هل غاب القَمَرُ؟ قلتُ: نعَم. قالت: فارتَحِلوا. فارتحَلْنا، ومَضَيْنا حتى رَمَت الجمرةَ، ثم رجَعَت فصلَّت الصُّبحَ في منزِلِها. فقلت لها: يا هنتاه، ما أرانا إلَّا قد غَلَّسْنا. قالت: يا بنيَّ، إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أذِنَ للظُّعُنِ )) رواه البخاري (1679) واللفظ له، ومسلم (1291)
5- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه كان يقدِّمُ ضَعَفةَ أهلِه، فيَقِفونَ عندَ المَشْعَرِ الحرامِ بالمُزْدَلِفة بليلٍ، فيذكرونَ اللهَ ما بدا لهم، ثم يدفعون قبل أن يقِفَ الإمامُ وقبل أن يدفَعَ، فمِنْهُم مَن يَقْدَمُ مِنًى لصلاةِ الفَجْرِ، ومِنْهم مَن يَقْدَمُ بعد ذلك، فإذا قَدِمُوا رَمَوُا الجَمْرةَ، وكان ابنُ عُمَرَ يقول: أرخَصَ في أولئكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم )) رواه البخاري (1676)، ومسلم (1295) واللفظ له.
ثانيًا: أنَّ النُّصوصَ عَلَّقَتِ الرَّمْيَ بما قَبْلَ الفَجرِ، وهو تعبيرٌ صالحٌ لجميعِ اللَّيلِ، فجُعِلَ النِّصْفُ ضابطًا له؛ لأنَّه أقرَبُ إلى الحقيقةِ مِمَّا قبلَ النِّصْفِ ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (23/157).
ثالثًا: أنَّ ما بعد نِصْفِ اللَّيلِ مِن توابِعِ النَّهارِ المستقبَلِ، فوَجَبَ أن يكون حُكْمُه في الرَّميِ حُكْمَ النَّهارِ المستقبَلِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/185).
رابعًا: أنَّه وَقْتٌ للدَّفْعِ من مُزْدَلِفة، فكان وقتًا للرَّميِ، كبَعْدَ طُلوعِ الشَّمسِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/382).

انظر أيضا: