الموسوعة الفقهية

المبحث السادس: سُنَنُ الرَّمْيِ


المطلب الأوَّل: السُّنَّة في موقِفِ الرَّامي لجَمْرةِ العَقَبةِ
الأفضلُ في موقِفِ الرَّامي جَمْرةَ العَقَبةِ أن يقِفَ في بطْنِ الوادي، وتكونَ مِنًى عن يمينِه، ومكَّةُ عن يَسارِه، وهو مذهَبُ جماهيرِ أهلِ العِلمِ: الحَنَفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (1/233), ويُنظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/412). , والمالِكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 52)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/341), ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/812). , والصَّحيحُ عند الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/163), ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/501). , وقولُ جماعةٍ مِنَ السَّلَفِ قال النووي: (... وبهذا قال جمهورُ العُلَماء؛ منهم: ابن مسعود وجابر والقاسم بن محمد وسالم وعطاء ونافع والثوري ومالك وأحمد) ((المجموع)) (8/184). , واختارَه ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (ولا يرمي يومَ النَّحرِ غَيرَها, يرميها مستقبِلًا لها؛ يجعل البيتَ عن يسارِه ومِنًى عن يمينه، هذا هو الذي صحَّ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيها) ((مجموع الفتاوى)) (26/135). , وابنُ القَيِّم قال ابنُ القيم: (فأتى جَمْرةَ العَقَبة، فوقف في أسفَلِ الوادي، وجعل البيتَ عن يساره، ومِنًى عن يمينه، واستقبل الجَمْرةَ، وهو على راحِلَتِه، فرماها راكبًا بعد طلوعِ الشَّمس) ((زاد المعاد)) (2/237). , والشنقيطيُّ قال الشنقيطي: (اعلم أنَّ الأفضَلَ في موقِفِ مَن أرادَ رميَ جَمْرةِ العقبة أن يقِفَ في بطنِ الوادي، وتكون مِنًى عن يمينِه، ومكَّةُ عن يساره، كما دلَّت الأحاديثُ الصحيحةُ، على أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَعَلَ كذلك.) ((أضواء البيان)) (4/458). , وابنُ باز ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/77). , وابنُ عُثيمين ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/301).
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عن عبدِ الرحمنِ بنِ يزيدَ: ((أنَّه حجَّ مع ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فرآه يرمي الجَمْرةَ الكُبرى بسَبْعِ حَصَياتٍ فجعل البيتَ عن يسارِه، ومِنًى عن يمينِه، ثم قال: هذا مقامُ الذي أُنْزِلَتْ عليه سورةُ البَقَرةِ)) رواه البخاري (1749) واللفظ له، ومسلم (1296). ، وفي لفظٍ: ((أنَّه انتهى إلى الجَمْرةِ الكُبرى، جَعَلَ البيتَ عن يسارِه، ومِنًى عن يمينِه، ورمى بسَبْعٍ، وقال: هكذا رمى الذي أُنْزِلَت عليه سورةُ البَقَرةِ صلى الله عليه وسلم )) رواه البخاري (1748) ومسلم (1296).
فرعٌ: رميُ جَمْرةِ العَقَبةِ مِنَ الجهاتِ الأخرى
يجوزُ رَمْيُ جَمْرةِ العَقَبةِ مِن أيِّ جهةٍ كانت، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ الحَنَفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/485)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (2/30). ، والمالِكيَّة في الأظهَرِ قال خليل: (وفي إجزاء ما وقف بالبناء تردد. قال الحطاب: الظاهر الإجزاء والله أعلم) يُنْظَر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/191). قال الحطَّاب: (وقال في النوادر: قال مالك: ورَمْيُها مِن أسفَلِها، فإن لم يصِلْ لزحامٍ فلا بأس أن يرمِيَها من فوقِها، وقد فعله عُمَرُ لزحامٍ، ثم رجع مالك فقال: لا يَرْميها إلَّا مِن أسفَلِها، فإن فعل فليستغفِرِ اللهَ) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/179)، ويُنْظَر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/812). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/501)، قال ابنُ قُدامة: (وإنْ رماها مِن فَوْقِها جاز؛ لأنَّ عُمَرَ رضي الله عنه جاء والزحامُ عند الجَمْرة، فصَعِدَ فرماها من فوقها) ((المغني)) (3/381). ، ونصَّ عليه الشافعيُّ قال الشافعي: (ومن حيثُ رماها أجزَأَه) ((الأم)) (2/235)، بينما نقل المتأخِّرون مِنَ الشَّافعيَّة عن بعض المتأخِّرين: أنَّ جَمْرةَ العَقَبة ليس لها إلَّا وجهٌ واحدٌ، ورَمْيُ كثيرين مِن أعلاها باطلٌ، ولم يتعقَّبوه. ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/508)، ((تحفة المحتاج في شرح المنهاج)) لابن حجر للهيتمي و((حواشي الشرواني والعبادي)) (4/132) ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (سُئلَ عبد الرحمن بن القاسم: من أين كان القاسِمُ يرمي جَمْرة العَقَبة؟ فقال: من حيث تيسَّر)، قال أبو عمر: (يعني من حيث تيسَّرَ مِنَ العقبةِ: مِن أسفَلِها، أو مِن أعلاها، أو وَسَطِها، كلُّ ذلك واسع، وقد أجمعوا أنَّه إن رماها من فوقِ الوادي أو أسفَلِه، أو ما فوقه أو أمامَه؛ فقد جَزَى عنه) ((الاستذكار)) (4/351). وقال ابنُ رُشد: (اتَّفقوا على أنَّ جُملةَ ما يرميه الحاجُّ سبعونَ حصاةً, منها في يوم النَّحرِ جَمْرة العقبة بسَبْعٍ, وأنَّ رمْيَ هذه الجَمْرةِ من حيث تيسَّرَ مِنَ العقبةِ: مِن أسفَلِها، أو من أعلاها، أو مِن وَسَطِها، كُلُّ ذلك واسعٌ) ((بداية المجتهد)) (1/352). وقال النووي: (وأجمعوا على أنَّه من حيث رماها جاز سواءٌ استقبَلَها, أو جَعَلَها عن يمينه, أو عن يسارِه, أو رماها مِن فوقها, أو أسفَلِها, أو وقف في وَسَطِها ورماها) ((شرح النووي على مسلم)) (9/42).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه ثَبَتَ رميُ خَلْقٍ كثيرٍ في زَمَن الصَّحابةِ مِن أعلاها أي: من فوق الجبل الذي كان ملاصِقًا للجَمْرة مِنَ الجهة الشمالية، ثم أُزيلَ بعد ذلك؛ لزيادة عدد الحُجَّاج زياداتٍ هائلةً. يُنْظَر: ((فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ)) (5/151)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/324). قال ابنُ جاسر: (وقولهم: له رَمْيُ جَمْرةِ العَقَبة مِن فوقها؛ وذلك أنَّ هناك عقَبةً معتَلِيةً في جانب الجَمْرة، وقد أزيلت العقبةُ في زَمَنِنا هذا، فما ذكره العُلَماء في كُتُبِهم مِنَ الآثارِ وأقوال العُلَماء مِن ذِكْرِ رمي جَمْرة العقبة مِن فَوْقِها، إنما كان ذلك قبل إزالةِ العَقَبة التي في ظَهْرِ الجَمْرة المذكورة شَمالًا شَرقًا، وكان إزالة العقبةِ في شهرِ جمادى الأُولى سنةَ ستةٍ وسبعينَ وثَلَثمائة وألفٍ) ((مفيد الأنام ونور الظلام)) (2/63). ، ولم يأمرُوهم بالإعادةِ، ولا أعلنوا بالنِّداءِ بذلك في النَّاسِ ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/485)، وروي ذلك عن عمر، فعن الأسود قال: ((رأيت عمر رمى جَمْرةَ العقبةِ من فوقها)). ((الذخيرة)) للقرافي (3/265)، ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (3/256)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/580)، ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (9/183)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/458).
ثانيًا: أنَّ رَمْيَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أسفَلِها سُنَّةٌ، لا أنَّه المُتَعَيَّن، وكان وجهُ اختيارِ الرميِ مِنَ الأسفَلِ هو توقُّعُ الأذى- إذا رَمَوْا من أعلاها- لِمَن أسفَلَها؛ فإنَّه لا يخلو مِن مرورِ النَّاس، فيصيبُهم الحصى، وقد انعدَمَ هذا التخوُّفُ بإزالة الجَبَلِ الذي كان ملاصقًا للجَمْرةِ مِنَ الخَلْفِ، وصار الجميعُ يرمي في مستوًى واحدٍ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/195)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/485)، ((مجلة المجمع الفقهي)) (العدد الثَّالث: 3/1591)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/324، 325).
ثالثا: أنَّ ما حولها موضِعُ النُّسُكِ؛ فلو رماها من أيِّ جهةٍ أجْزَأَه ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (2/30).
المطلب الثَّاني: أن يكون الرَّميُ بمِثْلِ حصى الخَذْفِ
يُستحَبُّ أن يكون الرَّميُ بمِثْلِ حَصى الخَذْفِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/30), ويُنظر: ((المبسوط)) للشيباني (2/429). , والمالِكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/375). , والشَّافعيَّة ((المجموع)) النووي (8/183), ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/313). , والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/499)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/446). ، وبه قال جمهور العُلَماء مِنَ السلف والخلف قال النووي: (وبه قال جمهور العُلَماء مِنَ السلف والخلف منهم ابن عمر, وجابر, وابن عبَّاس, وابن الزبير, وطاوس, وعطاء, وسعيد بن جبير, وأبو حنيفة, وأبو ثور..) ((المجموع)) (8/183).
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غداةَ العَقَبةِ وهو على راحلته ((هات الْقُطْ لي فلَقَطْتُ له حَصَياتٍ هن حَصى الخَذْفِ، فلما وضعتهن في يده، قال: بأمثالَ هؤلاءِ وإيَّاكم والغُلُوَّ في الدِّينِ؛ فإنَّما أهلَكَ مَن كان قَبْلَكم الغُلُوُّ في الدِّينِ )) رواه النسائي (3057) واللفظ له، وابن ماجه (3029)، وأحمد (1851)  احتج به ابن حزم في ((المحلى)) (7/133)، وصحَّحه ابن عَبْدِ البَرِّ في ((التمهيد)) (24/428)، وصحَّح إسنادَه على شرط مسلم النووي في ((المجموع)) (8/171)، وابن تيميَّة في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/327)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (5/85)، وصحَّحه ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (1/186)، و الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3057)
2- حديثُ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه: ((حتى أتى الجَمْرةَ التي عند الشَّجَرةِ، فرماها بسَبْعِ حَصَياتٍ- يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ منها- مثلَ حَصى الخَذْفِ )) رواه مسلم (1218)
المطلب الثَّالث: المُوالاةُ بين الرَّمَياتِ السَّبْعِ
الموالاةُ بينَ الرَّمَياتِ السَّبْعِ مُستحَبَّةٌ، وليسَتْ بشرطٍ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/514). , والحَنابِلة لم ينص الحنابلة على الاستحباب وإن كان هو مقتضى كلامهم، وقد نص مرعي على عدم الوجوب فقال: (ويتجه: ولا يجب موالاة رمي). ((غاية المنتهى)) (1/431). وينظر: ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (2/ 432). , والصَّحيحُ عند المالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (3/134)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/334). , والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/240), ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/507).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه نُسُكٌ لا يتعلَّقُ بالبيتِ، فلم تُشْتَرَط له الموالاةُ ((المغني)) لابن قُدامة (3/357).
ثانيًا: لأنَّ اشْتِراطَ الموالاةِ فيه مشَقَّةٌ؛ لكثرةِ الزِّحامِ عند الجَمَراتِ ((مجلة البحوث الإسلامية)) (92/331).
المطلب الرابع: ألَّا يكونَ الحَصى ممَّا رُمِيَ به
يُفَضَّل ألَّا يكونَ الحَجَرُ ممَّا رُمِيَ به؛ فإنْ رَمَى بالحَجَرِ المُستعمَلِ أجْزَأَه, وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (4/ 243)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/156). , والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/200), ويُنظر: ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/682). , والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/155), ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/500). , وقول للحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/28).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه ليس هناك دليلٌ على أنَّ الحصاةَ التي رُمِيَ بها لا يُجْزِئُ الرَّميُ بها، ولا دليلَ يَمنَعُ مِنَ الرَّميِ بها ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/466)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/146).
ثانيًا: لأنَّ العِبرةَ هي الرميُ بحصاةٍ، وقد وُجِدَ، ويصدُقُ اسْمُ الرَّميِ عليها ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/466)، وينظر ((المجموع)) للنووي (8/155).
ثالثًا: قياسًا على الثَّوبِ في سَتْرِ العورةِ؛ فإنَّه يجوز أن يُصَلِّيَ في الثوبِ الواحِدِ صلواتٍ ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/500).
المطلب الخامس: طهارةُ الحَصَياتِ
يُستحَبُّ أن يرمِيَ بحصًى طاهرةٍ, وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (1/233). , والمالِكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/377). , والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/172)، ويُنظر: ((الأم)) للشافعي (2/235- 236). , ووجه عند الحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/28).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لِصِدْقِ اسْمِ الرَّميِ على الرَّميِ بالحَجَرِ النَّجِسِ ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/465)، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/447)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/499).
ثانيًا: لعَدَمِ النَّصِّ على اشتراطِ طَهارةِ الحَصَى ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/465).
ثالثًا: لِكَيلا يباشِرَ النَّجاسةَ بِيَدِه ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (4/334).
مسألةٌ: حُكْمُ غَسْلِ حَصى الرَّمْيِ
لا يُستحَبُّ غَسلُ الحَصى إلَّا إذا رأى فيها نجاسةً ظاهرةً، ولم يَجِدْ غيرَها، فتُغْسَلُ النَّجاسةُ؛ لئلَّا تتنجَّسَ اليدُ أو الثيابُ, وهو المذهَبُ عند المالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/180). , والصَّحيحُ عند الحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/499)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/446- 447). , وهو قولُ جماعةٍ مِن أهلِ العِلم قال ابنُ المُنْذِر: (وكان عطاء ومالك والأوزاعي وكثيرٌ مِن أهلِ العِلم لا يَرَوْنَ غسْلَه) ((الإشراف)) (3/327). , وقولُ ابن المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (ولا يُعلَمُ في شيء مِنَ الأخبار التي جاءت عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه غسل الحصى، ولا أمَرَ بغَسْلِه، ولا معنًى لغَسْلِ الحصى) ((الإشراف)) (3/327). , واختاره الشنقيطيُّ قال الشنقيطي: (والأقربُ أنَّه لا يلزم غَسْلُ الحصى؛ لعدم الدَّليل على ذلك) ((أضواء البيان)) (4/465). , وابنُ بازٍ قال ابنُ باز: (ولا يُستحبُّ غَسْلُ الحصى، بل يرمي به مِن غير غسيلٍ؛ لأن ذلك لم يُنقَل عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابِه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/76). , وابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (والصحيحُ أنَّ غَسْلَه بدعةٌ؛ لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلَّم لم يَغْسِلْه)) ((الشرح الممتع)) (7/318). , والألبانيُّ قال الألباني: (بِدَعُ الرَّمي.... غَسْلُ الحَصَياتِ قبل الرمي..) ((مناسك الحج والعُمْرة)) (1/54).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَرِدْ عنه أنَّه غَسَل الحَصى، ولا أمَرَ بغَسْلِهِنَّ ((الإشراف)) لابن المُنْذِر (3/327)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/380) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/465)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/318).
ثانيًا: لأنَّه لم يُنقَلْ غَسْلُه عن الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهم ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/76).
ثالثًا: أنَّه لا يوجَدُ معنًى يقتضي غَسْلَه ((الإشراف)) لابن المُنْذِر (3/327).
المطلب السادس: التكبيرُ مع كُلِّ حصاةٍ
يُستحَبُّ أن يكَبِّرَ مع كلِّ حصاة, وذلك باتفاق المذاهِبِ الفقهية الأربعةِ: الحَنَفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (1/231- 232), ((المبسوط)) للسرخسي (4/35, 40). , والمالِكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/374, 377), ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/334, 336). , والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/154, 239). , والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/501, 509)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/ 381، 398).
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- حديثُ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه: ((حتى أتى الجَمْرةَ التي عند الشَّجَرةِ، فرماها بسَبْعِ حَصَياتٍ- يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ منها- مثلَ حَصَى الخَذْفِ، رَمَى مِن بطْنِ الوادي، ثمَّ انصَرَفَ إلى المَنْحَر )) رواه مسلم (1218)
2- عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ يزيدَ: ((أنَّه كان مع ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه حين رمى جَمرةَ العَقَبةِ فاستبطَنَ الواديَ، حتَّى إذا حاذى بالشَّجَرةِ اعتَرَضَها فرمى بسبعِ حَصَياتٍ، يكَبِّرُ مع كلِّ حَصاةٍ، ثمَّ قال: مِن هاهنا- والذي لا إلهَ غَيرُه- قام الذي أُنزِلَت عليه سورةُ البَقَرةِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم )) أخرجه البخاري (1750) واللفظ له، ومسلم (1296)
3- مَا رَوَتْه عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها قالت: ((أفاض رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن آخر يَومِه حين صلَّى الظُّهْرَ, ثم رجَعَ إلى مِنًى، فمكث بها لياليَ أيَّامِ التَّشريقِ يَرمي الجمرة إذا زالتِ الشَّمسُ, كلَّ جَمْرةٍ بِسَبْعِ حَصَياتٍ, يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ, ويَقِفُ عند الأُولى والثَّانيَة، فيُطيلُ القيام ويتضَرَّعُ، ويرمي الثَّالثة ولا يَقِفُ عندها )) رواه أبو داود (1973)، وأحمد (24636) جود إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/342)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1973): صحيح إلا قوله: (حين صلى الظهر) فهو منكر.
مسألةٌ: حكمُ تَرْكِ التَّكبيرِ عند رَمْيِ الجِمارِ
مَن تَرَكَ التَّكبيرَ عند رَمْيِ الجِمارِ؛ فليس عليه شيءٌ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقلَ الإجماعَ على ذلك القاضي عِياضٌ قال القاضي عياض: (وأجمعوا أنَّ مَن لم يُكَبِّر؛ لا شىءَ عليه). ((إكمال المعلم)) (4/ 372). ويُنْظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (9/42). , وابنُ حَجَرٍ قال ابنُ حجر: (وأجمعوا على أنَّ من لم يكَبِّر؛ فلا شيءَ عليه) ((فتح الباري)) (3/582).
المطلب السابع: قَطْعُ التَّلبيةِ مع أوَّلِ حَصاةٍ يَرْمي بها جَمْرةَ العَقَبةِ يَومَ النَّحرِ
يُستحَبُّ أن يقطَعَ التَّلبيةَ عند أوَّلِ حَصاةٍ يرمي بها جَمْرةَ العَقَبةِ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/371), ((حاشية رد المختار)) لابن عابدين (2/513). , والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/154), ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/501). , والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمررداوي (4/27)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/ 383). ، وقولُ جماعةٍ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ قُدامة: (وممَّن قال: يلبِّي حتى يرمِيَ الجَمْرةَ: ابنُ مسعود, وابن عبَّاس, وميمونة, وبه قال عطاء, وطاوس, وسعيد بن جبير, والنخعي, والثوري, والشافعي, وأصحاب الرأي) ((المغني)) (3/ 383).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن الفَضلِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أردف الفضل، فأخبر الفضل أنه لم يَزَلْ يُلَبِّي حتى رمى الجَمْرةَ )) رواه البخاري (1685) واللفظ له، ومسلم (1281).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الفَضلَ بن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما كان رَديفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَئذٍ، وهو أعلَمُ بحالِه مِن غَيرِه ((المغني)) لابن قُدامة (3/383)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/167).
ثانيًا: لأنَّه يتحَلَّلُ به، فشُرِعَ قَطْعُها في ابتدائِه؛ كالمعتَمِرِ يقطَعُها بالشُّروعِ في الطَّوافِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/383)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/167).
المطلب الثامن: الدُّعاءُ الطَّويلُ عَقِبَ رَمْيِ الجَمْرةِ الصُّغرى والوُسْطى
يُستحَبُّ الوقوفُ للدُّعاء ِإثرَ كُلِّ رَمْيٍ بعدَه رَمْيٌ آخَرُ، فيقِفُ للدُّعاءِ بعد رمْيِ الجَمْرة الصُّغرى والوُسطى وقوفًا طويلًا؛ وهذا الدُّعاءُ مُستحَبٌّ باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (1/232), ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/34). , والمالِكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/377)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/134). , والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/239), ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/195). , والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/508- 509)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لابن قُدامة (3/474).
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه كان يرمي الجَمْرةَ الدُّنيا بسَبْعِ حَصَياتٍ، يُكَبِّرُ على إِثْرِ كلِّ حَصاةٍ، ثم يتقَدَّمُ حتى يُسْهِلَ، فيقومَ مُستقْبِلَ القِبلةِ، فيقومُ طويلًا، ويدعو ويَرفَعُ يديه، ثمَّ يرمي الوُسطى، ثم يأخُذُ ذاتَ الشِّمالِ فيَسْتَهِلُ، ويقومُ مستقبِلَ القبلةِ، فيقومُ طويلًا، ويدعو ويَرفَعُ يديه، ويقومُ طويلًا، ثم يرمي جَمْرةَ ذاتِ العَقَبةِ مِن بطْنِ الوادي، ولا يقِفُ عندها، ثمَّ ينصَرِفُ، فيقول: هكذا رأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يفعَلُه )) رواه البخاري (1751).

انظر أيضا: