الموسوعة الفقهية

المطلب السادس: التخليلُ


الفرع الأوَّل: تخليلُ اللِّحية
استحبَّ تخليلَ اللِّحيةِ الكثيفةِ تخليل اللِّحية: إدخالُ الماءِ بين شَعر اللِّحيةِ، وإيصالُ الماء إلى بَشَرتِه بأصابِعِه. ((لسان العرب)) لابن منظور (11/211)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/272). ، جمهورُ الفُقَهاءِ: الحنفيَّةُ على الأصحِّ عندهم القولُ بسُنيَّة التَّخليلِ هو الأصحُّ عند الحنفيَّة؛ فهو قولُ أبي يوسف، ورجَّحه في المبسوط، واختاره النَّسفيُّ، وصحَّحه ابن نُجيم. ((البحر الرائق)) (1/22، 23)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/117). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/462)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/60).        ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/104)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/78). ، وهو قولٌ للمالكيَّة ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/390). ، وبه قال أكثرُ العُلَماء قال ابن قدامة: (ممَّن رُوي عنه أنَّه كان يُخلِّل لِحيته: ابنُ عمر، وابن عبَّاس، والحسن، وأنس، وابن أبي ليلى، وعطاء بن السَّائب... ومذهب أكثر أهل العلم أنَّ ذلك لا يجِبُ، ولا يجب التَّخليلُ؛ وممَّن رخَّص في ترْك التخليلِ ابنُ عُمر، والحسن بن عليٍّ، وطاوس، والنَّخَعيُّ، والشَّعبيُّ، وأبو العالية، ومجاهد، وأبو القاسم، ومحمَّد). ((المغني)) (1/78)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (20/119، 120)، ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (1/125، 126). وقال الخطَّابي: (ذهب عامَّة العلماء إلى أنَّ الأمرَ به استحبابٌ، وليس بإيجابٍ) (((معالم السنن)) (1/56). وقال ابن باز: (إذا كانت اللِّحية كثيفةً، كفى مرورُ الماءِ عليها، وإنْ خلَّلها فهو أفضَلُ، بأنْ خلَّلها وعرَكها، فهو أفضَلُ، وإلَّا كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُمِرُّ الماءَ عليها، وربما خلَّلها بعضَ الأحيان، عليه الصَّلاة والسَّلام، أمَّا إنْ كانت صغيرةً، لا تستُرُ البشرة، فإنَّه يعركُها حتى يصِلَ الماء إلى البَشَرة، إذا كانت صغيرةً لا تسترُ البَشَرة، فإنَّه يغسل البَشَرة مع الشَّعر؛ لأنَّها حينئذٍ وجودُها كعَدَمِها). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر)) (5/101، 102). وقال ابن عثيمين: (الدليلُ قول عثمان رَضِيَ اللهُ عنه: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُخَلِّلُ لِحيَتَه في الوضوء))، وهذا الحديثُ، وإن كان في سَنَدِه مقالٌ؛ لكنْ له طرقٌ كثيرة، وشواهِدُ تدلُّ على أنَّه يرتقي إلى درجةِ الحَسَنِ على أقلِّ درجاتِه، وعلى هذا يكون تخليلُ اللِّحية الكثيفةِ سُنَّةً). ((الشرح الممتع)) (1/173).
الدليل مِن السُّنَّةِ:
عن عثمان: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم توضَّأَ فخلَّلَ لِحيَتَه )) أخرجه الترمذي (31)، وابن ماجه (430) واللفظ له، والدارمي (704). حسنه البخاري كما في ((السنن الكبرى)) للبيهقي (1/54) وقال: وهو أصح شيء عندي في التخليل، وقال الترمذي: حسن صحيح، وحسنه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (2/185)، وصححه بمجموع طرقه السخاوي في ((فتح المغيث)) (1/74)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (430)، وقال ابن عثيمين في ((الشرح الممتع)) (1/173): في سنده مقال لكن له طرق كثيرة وشواهد تدل على أنه يترقى إلى درجة الحسن على أقل درجاته.
الدليلُ من الآثار:
عن نافعٍ، عن ابنِ عُمَر: (أنَّه كان يُخلِّلُ لِحيتَه) رواه ابن أبي شيبة (100) ومن طريقه ابن المُنذِر في ((الأوسط)) (1/382)، ورواه الطبري (11400). قال أحمدُ في ((علل الخلال)) كما في ((تهذيب السنن)) لابن القيم (1/170): (ليس في التَّخليل أصحُّ من هذا؛ يعني: الموقوف). وقد جاء عن ابن عباس تخليلُ اللحيةِ؛ فعن أبي حَمزةَ، قال: (رأيتُ ابنَ عبَّاس يُخلِّلُ لِحيتَه إذا توضَّأ). رواه ابن أبي شيبة (99)، وابن المُنذِر (1/382) وفيه زيادة. قال ابن المُنذِر: (رُوي عن جماعةٍ من أصحابِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وغيرِهم، أنَّهم كانوا يُخلِّلون لِحاهم؛ فممَّن رُوي ذلك عنه: عليُّ بن أبي طالب، وابن عبَّاس، والحسن بن عليٍّ، وابن عمر، وأنس) ((الأوسط)) (2/25).
الفرع الثَّاني: تخليلُ أصابع اليدينِ والرِّجلين
إذا توقَّف وصولُ الماء إلى ما بينَ أصابعِ اليدين والرِّجلين على التَّخليلِ، فإنَّه يجِبُ التَّخليل، وإنْ لم يتوقَّفْ كان مستحبًّا، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/5)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/30). ، والشَّافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/60)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/129). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/134)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/114). ، وهو قولٌ للمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/282، 309). قال العدويُّ: (إذا قلنا: لا يجِبُ تخليلُ أصابِعِ الرِّجلينِ في الوضوءِ، ولا في الغُسلِ، فلا بدَّ من إيصالِ الماءِ لِما بين الأصابِعِ؛ قاله في مختصَر الواضحة) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/250).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6]
وجه ُالدَّلالة:
 أنَّ اللهَ تعالى أمر بالغَسلِ، وهو يصدُقُ على مجرَّدِ وُصولِ الماءِ إلى البَشَرةِ دون تخليلٍ، فدلَّ على عَدَمِ وُجوبِه.
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ 
عن لَقِيط بن صَبِرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قلتُ: يا رسولَ الله، أخبِرني عن الوضوءِ، قال: أسبِغِ الوضوءَ، وخَلِّلْ بين الأصابِعِ، وبالِغْ في الاستنشاقِ إلَّا أن تكونَ صائمًا )) رواه أبو داود (142)، والترمذي (788)، والنسائي (114)، وابن ماجه (448) قال الترمذي: حسن صحيح. وصحَّحه ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/592)، والنووي في ((المجموع)) (6/312)، وصححه ابن حجر في ((الإصابة)) (3/329)، الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (142)، وصحح إسناده ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (80).
الفرع الثَّالث: صِفةُ تخليلِ الأصابِعِ
المسألة الأولى: صِفةُ تخليلِ أصابِعِ اليدينِ
تخليلُ أصابِعِ اليدينِ يكون بالتَّشبيكِ بينهما، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (1/226)، وينظر: ((درر الحكام)) للملا خسرو (1/11). ، والشَّافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/60)، وينظر: ((أسنى المطالب)) للأنصاري (1/42). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/102) ((مطالب أولي النهى)) لمصطفى بن سعد (1/96).
الدليل مِن السُّنَّةِ:
عن لَقِيط بن صَبِرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قلت: يا رسولَ اللهِ، أخبِرني عن الوُضوءِ، قال: أسبِغِ الوضوءَ، وخلِّلْ بين الأصابِعِ، وبالغْ في الاستنشاقِ إلَّا أن تكونَ صائمًا )) رواه أبو داود (142)، والترمذي (788)، والنسائي (114)، وابن ماجه (448) قال الترمذي: حسن صحيح. وصحَّحه ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/592)، والنووي في ((المجموع)) (6/312)، وصححه ابن حجر في ((الإصابة)) (3/329)، الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (142)، وصحح إسناده ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (80).
وجه الدَّلالة:
قوله: ((وخلل بين الأصابع)) والتخليل: إدخال الشيء في خلال الشيء، وهو وسطه، والمعنى: أن يدخل بعض أصابعه في بعض ((شرح أبي داود)) للعيني (1/337).
المسألة الثانية: صِفةُ تخليلِ أصابِعِ الرِّجلين 
تخليلُ أصابِعِ الرِّجلينِ يكون بالخِنصَرِ قال ابن عثيمين: (وأمَّا الرِّجلانِ؛ فقالوا: يُخلِّلهما بخِنصر يده اليُسرى؛ مبتدئًا بخنصر رِجله اليمنى من الأسفَلِ إلى الإبهام، ثم الرِّجل اليُسرى يبدأُ بها من الإبهامِ لأجْل التيامُن؛ لأنَّ يمينَ الرِّجل اليُمنى الخِنصرُ، ويمينَ اليُسرى الإبهامُ، ويكون بخِنصَرِ اليد اليُسرى تقليلًا للأذى؛ لأنَّ اليُسرى هي التي تُقدَّم للأذى. وهذا استحسَنَه بعض العلماء، لكِنَّ القَولَ بأنَّه من السُّنةِ- وهو لم يرِد عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فيه نظَرٌ؛ فيقال: هذا استحسانٌ مِن بعض العلماء، لكن لا يُلتَزَم به كسُنَّةٍ). ((الشرح الممتع)) (1/175). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (1/117)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/30). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/89)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/126). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) (1/61)، ((تحفة المحتاج)) للشرواني (1/235). ، والحنابلة ((الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل)) للحجاوي (1/30)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/80).
الدليل مِن السُّنَّةِ:
عن المُستورِد بن شدَّاد رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((رأيتُ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا توضَّأ دَلك أصابِعَ رِجليه بخِنصَرِه )) رواه أبو داود (148)، الترمذي (40) واللفظ له، وابن ماجه (446)، وأحمد (4/229) (18039). حسَّنه الإمام مالك كما في ((السُّنن الكبرى)) للبيهقي (1/77)، وقال البزار في ((البحر الزخار)) (8/390): رُوي نحوه من غير وجه بغير هذا اللَّفظ. وقال ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/264): من رواية ابن لَهيعة، وهو ضعيف، ولكنَّه قد رواه غيرُه، فصحَّ- يعني: الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث- وقال ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (2/226): حسن صحيح. وصحَّحه الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (1/180)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (40).
الفرع الثَّالث: تحريكُ الخاتَمِ ونَحوِه
يُستحبُّ تحريكُ الخاتَمِ ونَحوِه إذا تحقَّقَ وصولُ الماءِ إلى ما تحتَه، وإلَّا وجب خلْعُه أو تحريكُه؛ وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: قال ابن حزم: (ولا بدَّ ضرورةً مِن إيصال الماء بيقينٍ إلى ما تحت الخاتَمِ، بتحريكِه عن مكانِه... فإنَّ الله تعالى قال: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ **المائدة: 6** فمَن ترَك شيئًا ولو قدْر شَعرةٍ ممَّا أمر الله تعالى بغَسله، فلم يتوضَّأ كما أمَرَه الله تعالى، ومَن لم يتوضَّأ كما أمَرَه الله تعالى، فلم يتوضَّأ أصلًا، ولا صلاةَ له، فوجب إيصالُ الماءِ بيقينٍ إلى ما ستَر الخاتمُ من الأُصبَع). ((المحلى)) (1/295). ، الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/13)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/22). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/394)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/101). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/155)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/81)، ((فتح الباري)) لابن رجب (1/319). أما في التيمم فيجب نزع الخاتم عندهم.  ينظر: (مطالب أولي النهى) للرحيباني (1/ 220).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
عمومُ قَولِ الله تعالى: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة: 6]
وجه الدَّلالة:
أنَّ من ترَك شيئًا ولو قدْر شَعرةٍ ممَّا أمَرَ الله تعالى بغَسلِه، فلم يتوضَّأ كما أمَرَه الله تعالى ((المحلى)) لابن حزم (1/297).
ثانيًا: أنَّ تحريكَ الخاتَمِ الضَّيِّق شرْطٌ في وصولِ الماء إلى ما تحته، وما لا يتمُّ الواجِبُ إلَّا به فهو واجِبٌ ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (اللقاء رقم: 232).

انظر أيضا: