الموسوعة الفقهية

المبحث الأوَّل: الجِماعُ في النُّسُكِ


المطلب الأوَّل: حُكْمُ الجِماعِ للمُحْرِمِ في النُّسُكِ
الوطءُ في الفَرْجِ حرامٌ على المُحْرِم، ومُفسِدٌ لنُسُكِه.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قَولُه تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الرَّفَث: هو الجماعُ عند أكثَرِ العُلماءِ، رُوِيَ ذلك عنِ ابنِ عبَّاس، وابن عمر رضي الله عنهم، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار، ومجاهد، والحسن، والنخعي، والزهري، وقتادة، قال ابنُ عبد البرِّ: (أجمع عُلَماءُ المسلمينَ على أنَّ وطء النِّساء على الحاجِّ حرامٌ مِن حينِ يُحْرِمُ حتى يطوفَ طوافَ الإفاضةِ؛ وذلك لقوله تعالى: فَلَا رَفَثَ [البقرة: 197] ، والرَّفَثُ في هذا الموضع الجماعُ عند جمهورِ أهلِ العِلمِ بتأويلِ القرآن) ((الاستذكار)) (4/257)، ((التمهيد)) لابن عَبْدِ البَرِّ (19/55). وقال شمسُ الدين ابنُ قُدامة: (في الجملة كلُّ ما فُسِّرَ به الرفَثُ ينبغي للمُحْرِم أن يجتنبه إلَّا أنه في الجماع أظهَرُ؛ لِمَا ذكرنا من تفسير الأئمة، ولأنَّه قد جاء في موضعٍ آخر وأريد به الجماعُ، وهو قوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ **البقرة: 187**) ((الشرح الكبير)) (3/328، 329). ، ولم يختَلِفِ العُلَماءُ في قَوْلِ اللهِ عَزَّ وجلَّ: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة: 187] أنَّه الجِماعُ، فكذلك هاهنا ((التمهيد)) لابن عبد البر (19/55).
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
1- عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال في رجلٍ وقَعَ على امرأتِه، وهو مُحْرِمٌ: ((اقضِيَا نُسُكَكُما، وارْجِعا إلى بَلَدِكما، فإذا كان عامُ قابلٍ فاخْرُجا حاجَّيْنِ، فإذا أحْرَمْتُما فتفَرَّقا، ولا تَلْتَقِيا حتى تَقْضِيا نُسُكَكُما واهْدِيَا هَدْيًا)) رواه البيهقي (10064) واللفظ له، والبغوي في ((شرح السنة)) (1996). وصحَّح إسنادَه النووي في ((المجموع)) (7/386).
2- عن عمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، قال : ((أتى رجلٌ عبد الله بنَ عَمرٍو فسأله عن مُحرِمٍ وقع بامرأتِه؟ فأشار له إلى عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، فلم يَعرِفْه الرَّجُل، قال شعيبٌ: فذهبتُ معه، فسأله؟ فقال : بطَلَ حَجُّه، قال: فيقعُدُ؟ قال: لا، بل يخرُجُ مع النَّاسِ فيصنَعُ ما يصنعونَ، فإذا أدرَكَه قابِلٌ حَجَّ وأهدى، فرجعا إلى عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو فأخبَرَاه، فأرسَلَنا إلى ابنِ عَبَّاسٍ، قال شعيبٌ: فذهبتُ إلى ابنِ عبَّاسٍ معه، فسأله ؟ فقال له مِثلَ ما قال ابنُ عُمَرَ، فرجع إليه فأخبَرَه، فقال له الرجل: ما تقولُ أنت؟ فقال مثلَ ما قالا)) أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (13248) واللفظ له، والدارقطني (3/50)، والبيهقي (10065). صححه الدارقطني كما في ((الدراية)) لابن حجر (2/41)، وصحَّح إسنادَه البيهقيُّ، والنوويُّ في ((المجموع)) (7/387)، وقال ابن حجر في ((الدراية)) (2/41): رجاله كلهم ثقات مشهورون.
وَجْهُ الدَّلالةِ مِن هذه الآثارِ:
أنَّه قولُ طائفةٍ مِنَ الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهم، ولا يُعْرَفُ لهم مخالِفٌ في عَصرِهم ((المغني)) لابن قُدامة (3/308)، ((المجموع)) للنووي (7/414).
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقل الإجماعَ على تحريمِ الوَطْءِ حالَ الإحرامِ: ابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (أجمع عُلَماء المسلمين على أن وطء النِّساء على الحاج حرام من حين يحرم حتى يطوف طواف الإفاضة) ((الاستذكار)) (4/257)، ويُنْظَر: ((التمهيد)) لابن عَبْدِ البَرِّ (19/55). ، وابنُ رُشْدٍ قال ابنُ رشد: (أجمع المسلمون على أنَّ وطء النِّساء على الحاجِّ حرامٌ مِن حينِ يُحْرِم) ((بداية المجتهد)) (1/329). ، والنوويُّ قال النووي: (أجمعت الأمَّةُ على تحريم الجماعِ في الإحرام، سواءٌ كان الإحرامُ صحيحًا أم فاسدًا، وتجب به الكفَّارةُ والقضاء) ((المجموع)) (7/290، 414).
ونقَلَ الإجماعَ على فساد النُّسُكِ بالوطءِ: ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمع أهلُ العلم على أنَّ الحجَّ لا يفسُدُ بإتيانِ شيءٍ في حالِ الإحرامِ إلا الجماع) ((الإجماع)) (ص: 52). ، وابْن حَزْمٍ قال ابنُ حزم: (اتفقوا أنَّ جماعَ النِّساءِ في فروجِهِنَّ ذاكرًا لحَجِّه؛ يَفْسَخُ الإحرامَ ويُفسِدُ الحَجَّ) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42). ،والشِّربيني ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/522). ، وابنُ مُفْلِحٍ قال ابنُ مفلح: (الوطء في قُبُلٍ يَفْسُد به النُّسُك في الجملة إجماعًا) ((الفروع)) (5/443). والشنقيطيُّ قال الشنقيطي: (لا خلاف بينهم أنَّه لا يُفْسِدُ الحجَّ من محظوراتِ الإحرامِ، إلَّا الجماعُ خاصَّةً) ((أضواء البيان)) (5/29)
المطلب الثَّاني: وقتُ فَسادِ الحَجِّ بالجماعِ؟
الفرع الأوَّل: الجِماعُ قبل الوقوفِ بِعَرَفةَ
مَن جامَعَ قبل الوقوفِ بعَرَفةَ فَسَدَ حَجُّه.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ من جامع عامدًا في حجِّه قبل وقوفه بعَرَفةَ أنَّ عليه حجَّ قابلٍ والهَدْيَ) ((الإجماع)) (ص: 52). ، وابْنُ حَزْمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا أنَّ جماعَ النِّساء في فروجهنَّ ذاكرًا لحجِّه يفسَخُ الإحرامَ ويُفسِد الحجَّ ما لم يَقْدَم المعتَمِرُ مكَّةَ ولم يأت وقتَ الوقوفِ بعَرَفةَ للحاجِّ) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42). ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (أجمعوا على أنَّ مَن وَطِئَ قبل الوقوف بعَرَفةَ فقد أفسَدَ حَجَّه) ((الاستذكار)) (4/258). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (اتفقوا على أن من وطئ قبل الوقوف بعَرَفة فقد أفسد حجه) ((بداية المجتهد)) (1/370). ، والزيلعيُّ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/57). ، والشِّربينيُّ ((مغني المحتاج)) لخطيب الشربيني (1/522).
الفرع الثَّاني: الجِماعُ بعد الوقوفِ بعَرَفةَ وقَبْلَ التَّحلُّلِ الأوَّلِ
مَن جامَعَ بعد الوقوفِ بعَرَفةَ وقبل التحلُّلِ الأوَّلِ فَسَدَ حَجُّه، وهذا مذهَبُ الجمهورِ: المالِكيَّة في المشهورِ ((التاج والإكليل)) للمواق (3/167)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/68). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (7/384)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/340). ، والحَنابِلة قال ابنُ قُدامة: (قال أحمد: لا أعلمُ أحدًا قال: إنَّ حَجَّه تامٌّ) ((المغني)) (3/423)، ويُنْظَر: ((الإنصاف)) للمرداوي (3/350).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، قال: ((أتى رجلٌ عبد الله بنَ عَمرٍو فسأله عن مُحرِمٍ وقع بامرأتِه؟ فأشار له إلى عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، فلم يَعرِفْه الرَّجُل، قال شعيبٌ: فذهبتُ معه، فسأله؟ فقال : بطَلَ حَجُّه، قال: فيقعُدُ؟ قال: لا، بل يخرُجُ مع النَّاسِ فيصنَعُ ما يصنعونَ، فإذا أدرَكَه قابِلٌ حَجَّ وأهدى، فرجعا إلى عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو فأخبَرَاه، فأرسَلَنا إلى ابنِ عَبَّاسٍ، قال شعيبٌ: فذهبتُ إلى ابنِ عبَّاسٍ معه، فسأله ؟ فقال له مِثلَ ما قال ابنُ عُمَرَ، فرجع إليه فأخبَرَه، فقال له الرجل: ما تقولُ أنت؟ فقال مثلَ ما قالا)) أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (13248) واللفظ له، والدارقطني (3/50)، والبيهقي (10065). صححه الدارقطني كما في ((الدراية)) لابن حجر (2/41)، وصحَّح إسنادَه البيهقيُّ، والنوويُّ في ((المجموع)) (7/387)، وقال ابن حجر في ((الدراية)) (2/41): رجاله كلهم ثقات مشهورون.
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه قولُ هؤلاءِ الصَّحابةِ، ولم يُفَرِّقوا بين ما قبل الوقوفِ وبَعْدَه، ويدلُّ عليه أنَّهم لم يستفصلوا السَّائِلَ ((المغني)) لابن قُدامة (3/309، 423).
ثانيًا: القياسُ على فساد النُّسُكِ بالجماعِ قبل الوقوفِ بعَرَفةَ، والجامِعُ أنَّ كُلًّا منهما وطءٌ صادَفَ إحرامًا تامًّا قبل التحَلُّل ((المغني)) لابن قُدامة (3/423)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (2/58).
الفرع الثَّالث: الجِماعُ بعد التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ
مَن جامَعَ بعد التحلُّلِ الأَوَّلِ فلا يَفْسُدُ نُسُكُه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/29). : الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (2/58)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/18). ، والمالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (3/167)، ((الشرح الكبير)) للدردير و((حاشية الدسوقي)) (2/68). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (7/393)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/340). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/353)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/425). ، وبه قالَتْ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ قُدامة: (الوطءُ بعد الجَمْرةِ لا يُفْسِدُ الحجَّ، وهو قولُ ابنِ عبَّاسٍ، وعِكرمة، وعطاء، والشعبي، وربيعة، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي) ((المغني)) (3/425).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عمومُ حديثِ عُروةَ بْنِ مُضَرِّسٍ الطَّائيِّ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَنْ أدرَكَ معنا هذه الصَّلاةَ، وأتى عرفاتٍ قبل ذلك ليلًا أو نهارًا؛ فقد تمَّ حجُّه وقضى تَفَثَه )) رواه أبو داود (1950) واللفظ له، والترمذي (891)، والنسائي (3041)، وأحمد (16253). قال الترمذي: حسن صحيح، وصحَّحه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/208)، وأبو أحمد الحاكم في ((المدخل)) (52)، وذكر الدارقطني في ((الإلزامات والتتبع)) (84) أنه يلزم البخاري ومسلم إخراجه، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/221): صحيح ثابت.
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رجلًا أصاب مِن أهْلِه قبل أن يطوفَ بالبيتِ يومَ النَّحْرِ، فقال: ((ينحرانِ جَزورًا بينهما، وليس عليهما الحَجُّ مِن قابلٍ)) رواه الدارقطني (2/272)، والبيهقي (10083) صححه موقوفًا الألباني في ((إرواء الغليل)) (1044).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه قَوْلُ ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما، ولا يُعْرَفُ له مخالِفٌ مِنَ الصَّحابةِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/425).
ثالثًا: أنَّ إحرامَه بعد تحلُّلِه الأوَّلِ غيرُ تامٍّ، وإنَّما عليه بقيَّةٌ من إحرامٍ، هو حرمةُ الوطءِ، وهذا لا يجوزُ أن يُفْسِدَ ما مضى مِن عبادَتِه ((المغني)) لابن قُدامة (3/423).
رابعًا: لأنَّ الحجَّ عبادةٌ لها تحلُّلانِ، فوجودُ المُفْسِد بعد تحلُّلِها الأوَّلِ لا يُفْسِدُهما كما بعد التَّسليمةِ الأولى في الصَّلاةِ ((العدة شرح العمدة)) لبهاء الدين المقدسي (ص: 192).
خامسًا: لأنَّه وَطِئَ بعد التحَلُّلِ الأَوَّل، فلم يَفْسُد حَجُّه، كما لو وَطِئَ بعد التحلُّلِ الثَّاني ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (4/ 227).
المطلب الثَّالث: متى يُفْسِدُ الجماعُ نُسُكَ العُمْرَةِ؟
الفرع الأوَّل: الجماعُ قبل الطَّوافِ
إذا جامَعَ المعتَمِرُ قبل الطَّوافِ؛ فإنَّ العُمرةَ تَفْسُد.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (وأجمع كلُّ مَن نحفَظُ عنه مِن أهل العِلْمِ على أنَّه إن وطِئَ قبل أن يطوف ويسعى أنَّه مُفْسِدٌ) ((الإشراف)) لابن المُنْذِر (3/ 380) ويُنْظَر: ((المجموع)) للنووي (7/422). ، والشنقيطيُّ ((أضواء البيان)) (5/37).
الفرع الثَّاني: الجِماعُ قبل السَّعْيِ
إذا جامع المعتَمِرُ قبل السَّعيِ؛ فإنَّ العُمرةَ تَفْسُد، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 167)، ويُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/37). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (7/422)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 138). ، والحَنابِلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (3/355). ، وبه قال أبو ثَوْرٍ ((أضواء البيان)) للشنقيطي(5/37).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: قياسًا على الحجِّ؛ لأنَّ العُمرةَ أحَدُ النُّسُكينِ، فيُفْسِدُها الوطءُ قبل الفَراغ مِنَ السَّعيِ؛ كالحَجِّ قبل التحلُّلِ الأوَّلِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/445).
ثانيًا: لأنَّه وطءٌ صادف إحرامًا تامًّا فأفسَدَه ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/ 320).
الفرع الثَّالث: الجِماعُ بعد السَّعيِ وقَبْلَ الحَلْقِ
إذا جامع المعتَمِرُ بعد السَّعيِ وقبل أن يحلِقَ، فلا تَفْسُد عُمْرَتُه، وعليه هَدْيٌ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/58). ، والمالِكيَّة ((التاج والإكليل)) لمحمد بن يوسف المواق (3/ 167). ، والحَنابِلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 355).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الجماعَ حَصَل بَعْدَ أَداءِ الرُّكْنِ الذي به تتِمُّ أركانُ العُمرةِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 228).
ثانيًا: قياسًا على الوَطءِ في الحجِّ بعد التحلُّلِ الأوَّلِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/445).
ثالثًا: عليه هَدْيٌ لحصولِ الجماعِ في الإحرامِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 228).
المطلب الرَّابع: ما يترتَّبُ على الجماعِ في النُّسُكِ
يترتَّبُ على الجماعِ في الحَجِّ خمسةُ أشياءَ:
أوَّلًا: الإثْمُ.
ثانيًا: فسادُ النُّسُك.
وهذان الأمرانِ سبَقَ بحثُهما.
ثالثًا: وجوبُ المُضِيِّ في فاسِدِه
وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ مِنَ الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 17)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 57). ، والمالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 167)، ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 822)، ((الشرح الصغير)) للدردير ومعه ((حاشية الصاوي)) (2/ 95). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (7/ 388)، ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (4/ 219). ، والحَنابِلة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 549)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/ 333). ، وعلى ذلك أكثرُ العُلَماءِ قال النووي: (قال الشافعيُّ والأصحابُ: ويلزَمُ من أفسَدَ حجًّا أو عُمْرةً أن يمضِيَ في فاسِدِهما وهو أن يُتِمَّ ما كان يعمَلُه لولا الإفسادُ، ونقل أصحابُنا اتفاقَ العُلَماءِ على هذا، وأنه لم يخالِفْ فيه إلَّا داود الظاهري؛ فإنه قال: يخرجُ منه بالإفسادِ) ((المجموع)) (7/388)، ويُنْظَر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/17)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/351). ، وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ قُدامة: (الحجُّ لا يَفْسُد إلا بالجماع، فإذا فسَدَ فعليه إتمامُه، وليس له الخروجُ منه. روي ذلك عن عمر، وعلي، وأبي هريرة، وابن عبَّاس رضي الله عنهم، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي). ((المغني)) (3/ 333).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قَولُه تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ[البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه أمَرَ بإتمامِ الحجِّ والعُمْرة، وأطلق، ولم يُفرِّقْ بين صَحيحِها وفاسِدِها ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/523)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/37).
ثانيًا: أفتى بذلك جمعٌ مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، ولا يُعْرَفُ لهم مخالِفٌ قال ابنُ عثيمين: (لا شكَّ أنَّ الصحابة رضي الله عنهم أعمَقُ منا علمًا، وأسدُّ منا رأيًا؛ فهم إلى الصواب أقربُ منَّا، فنأخُذُ بأقوالهم) ((الشرح الممتع)) (7/159، 160)، وانظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/523).
رابعًا: وجوبُ القضاءِ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: أفتى بذلك جمعٌ مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، ولا يُعْرَفُ لهم مخالِفٌ ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/523)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/159،160).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقل الإجماعَ على وجوبِ القَضاءِ ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ مَن جامَعَ عامدًا في حَجِّه قبل وقوفه بعرفَةَ أنَّ عليه حجَّ قابِلٍ) ((الإجماع)) (ص: 52). ، والنوويُّ قال النووي: (يجب [على] مُفْسِدِ الحَجِّ أو العُمْرةِ القضاءُ بلا خلافٍ، سواءٌ كان الحجُّ أو العُمْرةُ فرضًا أو نفلًا) ((المجموع)) (7/389). ، والشِّربينيُّ ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/523).
ثالثًا: أنَّ النُّسُكَ يَلْزَمُ بالشُّروعِ فيه، فصار فَرْضًا بخلافِ باقي العباداتِ ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/523).
خامسًا: الفِدْيةُ
تجب الفِدْيةُ على من أفسَدَ النُّسُكَ بالجماعِ قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ من جامع عامدًا في حَجِّه قبل وقوفِه بعَرَفةَ؛ أنَّ عليه حجَّ قابلٍ والهَدْيَ) ((الإجماع)) (ص: 52). وقال النووي: (أجمعت الأمَّةُ علي تحريمِ الجماعِ في الإحرامِ، سواءٌ كان الإحرامُ صحيحًا أم فاسدًا، وتجب به الكفَّارة والقضاء). ((المجموع)) (7/290، 414). ، والواجِبُ على من فعل ذلك بَدَنةٌ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة ((حاشية العدوي)) (1/551)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/340). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (7/416)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/522). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/368)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/424). ، وبه قالَتْ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ قُدامة: (يجبُ على المجامِعِ بدَنَةٌ، رُوِيَ ذلك عن ابن عبَّاس، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، ومالك، والشافعي، وأبي ثور) ((المغني)) (3/309، 424). قال النووي: (مَذْهَبُنا أنَّه يلزَمُ من أفسَدَ حَجَّه بَدَنةٌ، وبه قال ابنُ عبَّاس وعطاء وطاوس ومجاهد ومالك والثوري وأبو ثور وإسحق) ((المجموع)) (7/416). وقال الشنقيطي: (وهو قولُ جماعاتٍ مِنَ الصَّحابةِ وغيرهم؛ منهم ابن عبَّاس، وطاوس، ومجاهد، والثوري، وأبو ثور، وإسحاق، وغيرهم) ((أضواء البيان)) (5/35، 36).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
عن عِكرمةَ: ((أنَّ رَجُلًا قال لابنِ عبَّاسٍ: أصبْتُ أهلي، فقال ابنُ عبَّاس: أمَّا حَجُّكُما هذا فقد بطلَ، فحُجَّا عامًا قابِلًا، ثم أهِلَّا مِنْ حيث أهْلَلْتُما، وحيث وَقَعْتَ عليها ففارِقْها، فلا تراك ولا تراها حتى تَرْمِيا الجَمْرَة، وأهْدِ ناقةً، ولتُهْدِ ناقةً)) رواه البيهقي (10067). وصحَّحه الذهبي في ((المهذب)) (4/1922). وعنه أيضًا: ((إذا جامَعَ فعلى كلِّ واحدٍ منهما بَدَنةٌ)) رواه البيهقي (10068).  صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/387)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/386)
ثانيًا: أنَّه وطْءٌ صادف إحرامًا تامًّا، فأوجب البَدَنةَ ((المغني)) لابن قُدامة (3/424).
ثالثًا: أنَّ ما يُفْسِدُ الحجَّ، الجنايةُ به أعظمُ؛ فكفَّارته يجب أن تكونَ أغلَظَ ((المغني)) لابن قُدامة (3/424).
مسألةٌ: الفِدْيةُ في العُمْرةِ:
تجب الفِدْيةُ على من أفسَدَ نُسُكَ العُمْرةِ بالجِماعِ وذلك باتِّفاقِ أهْلِ العِلْمِ. يُنْظَر: ((المجموع)) للنووي (7/ 290، 414). ، والواجِبُ في ذلك شاةٌ، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/58). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 369). ، واختاره ابنُ باز ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/213). وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/186).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ العُمْرةَ أقلُّ رُتبةً مِنَ الحجِّ، فخفَّتْ جِنايَتُها، فوجبَتْ شاةٌ ((المغني)) لابن قُدامة (3/254)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/ 192).
ثانيًا: أنَّها عبادةٌ لا وقوفَ فيها، فلم يجِبْ فيها بَدَنةٌ، كما لو قَرَنَها بالحجِّ ((المغني)) لابن قُدامة (3/254)
مسألةٌ:
يَفْسُدُ نُسُكُ المرأةِ بالجماعِ مُطْلقًا قال ابنُ قُدامة: (أمَّا فسادُ الحجِّ، فلا فرْقَ فيه بين حالِ الإكراه والمطاوعة، لا نعلمُ فيه خلافًا) ((المغني)) (3/309). ، فإن كانَتْ مطاوِعةً فعليها بَدَنةٌ كالرَّجُلِ هذا إذا كان النُّسُكُ حجًّا، أمَّا إذا كان النُّسُك عُمْرةً فعليها شاةٌ. ، فإن كانت مُكْرَهةً، فإنَّه لا يجِبُ عليها هَدْيٌ، وهذا مذهَبُ المالِكيَّة لكن يجِبُ على من أكرَهَها أن يُهْدِيَ عنها. ((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/399)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/169). ، والحَنابِلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/550) ،ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/309). ، وبه قالَتْ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/309)، وانظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/36)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/132).
أ- أدِلَّة وُجوبِ البَدَنةِ على المرأةِ إذا كانت مُطاوِعةً
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
عن عِكْرَمةَ مولى ابنِ عبَّاسٍ: ((أنَّ رَجُلًا وامرأتَه من قريشٍ لَقِيَا ابنَ عبَّاسٍ بطريقِ المدينةِ, فقال: أصبْتُ أهلي, فقال ابنُ عبَّاسٍ: أمَّا حَجُّكُما هذا فقد بَطَلَ، فحُجَّا عامًا قابِلًا، ثم أهِلَّا مِنْ حيث أهْلَلْتُما، وحيث وَقَعْتَ عليها ففارِقْها، فلا تراك ولا تراها حتى تَرْمِيا الجَمْرَة، وأهْدِ ناقةً، ولتُهْدِ ناقةً)) رواه البيهقي (5/168) (10067). وصحَّحه الذهبي في ((المهذب)) (4/1922). وعنه أيضًا: ((إذا جامَعَ فعلى كلِّ واحدٍ منهما بَدَنةٌ)) أخرجه البيهقي (10068).  صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/387)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/386)
ثانيًا: أنَّها أحدُ المُتَجامِعَينِ من غيرِ إكراهٍ، فَلَزِمَتْها بدنةٌ كالرَّجُلِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/309)
ثالثًا: أنَّ الأصلَ استواءُ الرِّجالِ والنِّساءِ في الأحكامِ إلَّا بدليلٍ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/403).
 ب- أدِلَّة سُقوطِ الهَدْيِ عنها إذا كانت مُكْرَهةً
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قَولُه تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَـكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ [النحل: 106]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الكُفرَ إذا كان يَسْقُطُ مُوجِبُه بالإكراهِ، فما دُونَه مِن بابِ أَوْلى ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/194).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ وضع عنْ أُمَّتي الخطَأَ والنِّسيانَ وما استُكْرِهوا عليه )) أخرجه ابن ماجه (2045) واللفظ له، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (8273). حسَّنه النووي في ((المجموع)) (6/521)، وابن تيميَّة في ((مجموع الفتاوى)) (7/685)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/510)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/90): رجاله على شرط الصحيحين، وله شاهد من القرآن، ومن طُرُقٍ أُخَر، وقال ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (25/267): ثابت على شرط الشيخين.
ثالثًا: أنَّه جِماعٌ يوجِبُ الكفَّارةَ، فلم تجِبْ به حالَ الإكراهِ أكثَرُ مِن كفَّارةٍ واحدةٍ، كما في الصِّيامِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/309).

انظر أيضا: