الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّل: التَّسمية


استحبَّ التَّسميةَ عند الوضوءِ، جمهورُ الفُقَهاءِ ([1992] ) وبه قال الثوريُّ، وأبو عُبَيد القاسم بن سلَّام، وابن المُنذِر. ينظر: ((الطهور)) لأبي عبيد (1/140)، ((الأوسط)) لابن المُنذِر (2/10)، ((المغني)) لابن قدامة (1/76). وقال ابن باز: (الوضوءُ له فرائضُ، وله شرائِطُ، ويُستحبُّ في أوَّلِه التسميةُ). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر)) (5/66). وقال ابن عثيمين: (التَّسميةُ في الوضوءِ ليسَت بواجبةٍ، ولكنَّها سُنَّةٌ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/116). : الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/19)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/20). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/383)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/139). ، والشَّافعيَّة ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (1/224)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/47)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/129). ، وهي روايةٌ عند الحنابلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (1/100)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/76). قال المرداوي: (قوله: "وسُنَنُ الوضوءِ عَشرٌ: السواكُ بلا نزاعٍ، والتَّسميةُ". وهذا إحدى الروايات، قال المصنِّف والشارح: هذا ظاهِرُ المذهبِ. قال الخلَّالُ: الذي استقَرَّت عليه الرواياتُ عنه، أنَّه لا بأس إذا ترَك التَّسميةَ) ((الإنصاف)) (1/100). لكنْ قال المرداوي أيضًا: (قال ابنُ رزين في شَرحِه: هذا المذهَبُ الذي استقر عليه قَولُ أحمدَ، واختارها الخرقي وابن أبي موسى، والمصنف والشارح، وابن عبدوس في تذكرته، وابن رزين، وغيرهم، وقَدَّمَها في الرِّعايتين والنَّظْم، وجزم به في المُنتخَب، وعنه أنَّها واجبةٌ، وهي المذهَبُ. قال صاحب الهداية والفصول والمذهب والنهاية والخلاصة ومجمع البحرين: والمجد في شرحه: التسميةُ واجبةٌ في أصَحِّ الرِّوايتين في طهارةِ الحَدَثِ كلِّها؛ الوُضوءِ والغُسلِ والتيمُّم. اختارها الخلَّال وأبو بكر عبد العزيز، وأبو إسحاق ابن شاقلا، والقاضي، والشريف أبو جعفر، والقاضي أبو الحسين، وابن البنا، وأبو الخطاب. قال الشيخ تقي الدين: اختارها القاضي وأصحابُه وكثيرٌ من أصحابِنا، بل أكثَرُهم، وجزم به في التذكرة لابن عقيل، والعقود لابن البنا، ومسبوك الذهب، والمنور، وناظم المفردات، وغيرهم، وقدَّمه في الفروع والمحرر والتلخيص والبلغة والفائق وغيرهم، وهو من مفردات المذهب، وأطلقهما في المستوعب والكافي وشرح ابن عبيدان.) ((الإنصاف)) (1/100).
الأدلة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، يبلُغُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لو أنَّ أحدَكم إذا أتَى أهلَه، قال: بِسمِ اللهِ، اللهمَّ جنِّبْنا الشَّيطانَ، وجنِّبِ الشَّيطانَ ما رَزَقْتنا، فقُضِيَ بينهما وَلَدٌ، لم يضُرَّه )) رواه البخاري (141) واللفظ له، ومسلم (1434).
وجه الدَّلالة:
أنَّه لَمَّا كان حالُ الوِقاعِ أبعدَ حالٍ مِن ذِكر الله تعالى، ومع ذلك تُسنُّ التَّسميةُ فيه؛ ففي سائِرِ الأحوالِ بِطَريقِ الأَولى وقد أورده البخاريُّ في هذا البابِ للتَّنبيهِ على مشروعيَّةِ التَّسميةِ عند الوضوءِ. ((عمدة القاري)) للعيني (2/266).
ثانيًا: أنَّ التَّسميةَ مشروعةٌ عند كثيرٍ من الأمورِ، سواءٌ كانت عبادةً، أو غيرَها؛ فتُشرَعُ عند الأكْلِ، وعند دُخولِ المَنزلِ، والخروج ِمنه، وعند الوَطءِ، والغُسلِ لَمَا رُوِيَ عن يَعلَى بن أُميَّة أنَّه قال: ((بَيْنما عُمرُ بن الخطَّاب يَغتسِلُ إلى بعيرٍ وأنا أستُرُ عليه بثوبٍ، إذ قال عمرُ: يا يَعلَى، أصبُبُ على رأسي؟ فقلتُ: أميرُ المؤمنينَ أعلمُ، فقال عمر بن الخطَّاب: واللهِ لا يَزيدُ الماءُ الشَّعْرَ إلَّا شعثًا، فسمَّى اللهَ- وفي روايةٍ: ((قال: بِسمِ الله))-، ثم أفاض على رأسِه)).  رواه الشافعي في ((الأم)) (2/159)- ومن طريقه البيهقي (5/100)- ومُسدَّد في مسنَده- كما في ((المطالب العالية)) لابن حجر (2/443) (162)- وابن المُنذِر في ((الأوسط)) (2/9) (344). وجوَّد إسنادَه ابنُ كثير في ((مسند الفاروق)) (1/306)، والألباني في ((إرواء الغليل((4/211، وقال البُوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (1/379): رجاله ثقات. ، وغيرِ ذلك من المواضِعِ التي تُشرَع فيها التَّسميةُ؛ فيكونُ الوضوءُ كذلك من الأشياءِ التي يُسَنُّ أن تُسبَق بالتَّسميةِ ((مجلة البحوث الإسلامية)) (56/182- 184).  وقال ابنُ تيميَّة: (ذِكرُ اسمِ اللهِ مشروعٌ في أوَّل الأفعالِ العاديَّةِ، كالأكلِ والشُّربِ، والنَّومِ، ودخولِ المَنزلِ والخلاءِ؛ فلَأَنْ يُشرَعَ في أوَّلِ العباداتِ أَوْلى) ((شرح عمدة الفقه- من كتاب الطهارة والحج)) (1/168).

انظر أيضا: