الموسوعة الفقهية

المبحث الخامس: الاشتراطُ في الحَجِّ والعُمْرَةِ


المَطْلَب الأوَّل: حُكْمُ الاشتراطِ في الحَجِّ والعُمْرَة وفائدته
الفرع الأول: حُكْمُ الاشتراطِ في الحَجِّ والعُمْرَة
يصحُّ الاشتراطُ لا تلزَمُ صيغةٌ معيَّنة في الاشتراطِ؛ فله أن يُهِلَّ بالحَجِّ أو العُمْرَةِ، ثم يقول: إنْ حَبَسَني حابسٌ فمَحَلِّي حيث حَبَسْتَني، أو يقول: اللهمَّ مَحَلِّي حيث حَبَسْتَني، قال ابنُ قُدامة: (وغيرُ هذا اللَّفظ مما يؤدِّي معناه، يقومُ مقامَه؛ لأنَّ المقصودَ المعنى، والعبارةُ إنما تُعتَبَر لتأدية المعنى) ((المغني)) (3/266).  وقال ابنُ عُثيمين: (لا يلزَمُه أن يأتيَ بالصيغةِ الواردة؛ لأنَّ هذا مما لا يُتعَبَّد بلفظه، والشيءُ الذي لا يُتعَبَّد بلفظه يُكتَفى فيه بالمعنى) ((مجموع فتاوى ابن عُثيمين)) (22/26). وانظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/266). في الحَجِّ والعُمْرَة، وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (8/310)، وعندهم جائزٌ، قال الشافعي: (لو ثبت حديثُ عُروةَ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم في الاستثناءِ لم أَعْدُه إلى غيره؛ لأنَّه لا يَحِلُّ عندي خلافُ ما ثَبَتَ عن رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم... وهذا ممَّا أستخيرُ اللهَ تعالى فيه) ((الأم)) (2/172). قال البيهقيُّ: (قد ثبت هذا الحديثُ من أوجهٍ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم) ((السنن الكبرى)) (5/221)، ويُنْظَر: ((المجموع)) للنووي (8/310). ، والحَنابِلَة وعندهم مُستحَبٌّ مطلقًا. ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 307)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/265). ، والظَّاهِريَّة وعندهم واجب، قال ابنُ حزم: (ونُحِبُّ له في كلِّ ما ذكرنا أن يشتَرِطَ فيقول عند إهلاله: (اللهمَّ، إنَّ محلي حيث تحبسني), فإن قال ذلك فأصابه أمرٌ ما يَعوُقُه عن تمامِ ما خرج له من حجٍّ أو عُمْرَة؛ أحَلَّ، ولا شيءَ عليه; لا هَدْيٌ، ولا قضاءٌ إلَّا إن كان لم يحُجَّ قط، ولا اعتَمَرَ؛ فعليه أن يحجَّ حَجَّةَ الإسلامِ وعُمْرَتَه) ((المحلى)) (7/99). وقال أيضًا: (هذه آثارٌ متظاهِرَةٌ متواترة لا يَسَعُ أحدًا الخروجُ عنها) ((المحلى)) (7/113). وقال أيضًا: (وهو قول... أبي سليمان) ((المحلى)) (7/114). ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف وممن رُوي عنه أنَّه رأى الاشتراطَ عند الإحرام: عمر، وعثمان, وعلي، وابن مسعود، وعائشة، وعمار بن ياسر، وذهب إليه عبيدة السلماني، وعلقمة، والأسود، وشريح، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي, وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار، وعكرمة. ((المحلى)) لابن حَزْم (7/114)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/265، 266).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((دخل النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم على ضباعة بنت الزبير، فقالت: يا رَسولَ الله إني أريد الحَجّ وأنا شاكية؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وسَلَّم: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني )) رواه البخاري (5089)، ومسلم (1207) واللفظ له.
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
1- عن سُوَيدِ بْنِ غَفَلةَ، قال: ((قال لي عُمَرُ بنُ الخطَّابِ: يا أبا أُمَيَّةَ حُجَّ واشتَرِطْ؛ فإنَّ لك ما اشترَطْتَ، ولله عليك ما اشتَرَطْتَ)) رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح ((المجموع)) (8/309).
2- عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((حُجَّ واشتَرِطْ، وقل: اللهمَّ، الحَجَّ أرَدْتُ، وله عَمَدْتُ، فإنْ تَيَسَّرَ وإلَّا فعُمْرَةٌ)) رواه البيهقي (10412) حسن إسناده النووي في ((المجموع)) (8/309).
3- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها قالت لعُروةَ: ((هل تَسْتَثني إذا حَجَجْتَ؟ فقال: ماذا أقولُ؟ قالت: قل: اللهمَّ، الحَجَّ أردْتُ، وله عَمَدْتُ، فإن يَسَّرْتَه فهو الحَجُّ، وإنْ حَبَسَني حابسٌ، فهو عُمْرَةٌ)) رواه الشافعي في ((مسنده)) (816)، والبيهقي (10414)  صحح إسناده على شرط البخاري ومسلم النووي في ((المجموع)) (8/309).
ثالثًا: أنَّه لو نذَرَ صَوْمَ يومٍ أو أيَّامٍ بِشَرْطِ أن يخرُجَ منه بعُذْرٍ؛ صَحَّ الشَّرْطُ، وجاز الخروجُ منه بذلك العُذْرِ بلا خلافٍ، فكذا الاشتراطُ في النُّسُكِ ((المجموع)) للنووي (8/318).
رابعًا: أنَّ للشَّرْطِ تأثيرًا في العباداتِ؛ بدليلِ قَولِه: إنْ شَفى اللهُ مريضي صُمْتُ شَهْرًا ونَحْوه ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/529).
الفرع الثاني: فائدة الاشتراط
فائدةُ الاشتراطِ: أنَّه إذا حُبِسَ عن النُّسُك بعُذْرٍ؛ فإنَّه يَحِلُّ منه، وليس عليه هَدْيٌ ولا صَوْمٌ، ولا قضاءٌ، ولا غيره، وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (8/311)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/364). ، والحَنابِلَة قال المرداوي: (الاشتراطُ يفيدُ شيئين: أحدُهما: إذا عاقه عَدُوٌّ أو مَرَض، أو ذَهابُ نَفقةٍ، أو نحوه؛ جاز له التحلُّل. الثَّاني: لا شيءَ عليه بالتحلُّلِ). ((الإنصاف)) (3/307)، ويُنْظَر: ((الإقناع)) للحجاوي (1/401). ، واختارَه ابنُ حزمٍ ((المحلى)) لابن حَزْم (7/99رقم 833). ، وابنُ القَيِّمِ قال ابنُ القيِّمِ: (قد شرع اللهُ لعباده التعليقَ بالشُّروط في كل موضعٍ يَحتاجُ إليه العبدُ حتى بينه وبين ربِّه، كما قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم لضباعة بنت الزبير وقد شكت إليه وقت الإحرام، فقال: "حُجِّي واشتَرِطي على ربِّك، فقولي: إنْ حَبَسني حابس فمحلي حيث حبَسْتَني؛ فإنَّ لكِ ما اشترطْتِ على ربِّكِ" فهذا شرطٌ مع الله في العبادة، وقد شرعه على لسانِ رسوله؛ لحاجة الأُمَّة إليه، ويفيد شيئين: جوازَ التحلُّلِ، وسُقوطَ الهَدْيِ) ((إعلام الموقعين)) (3/426). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (أمَّا فائدةُ الاشتراطِ فإنَّ فائدته أنَّ الإنسانَ إذا حصل له ما يمنعُ من إتمام نُسُكه تحلَّلَ بدون شيءٍ، يعنى تحلَّلَ وليس عليه فديةٌ ولا قضاءٌ) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (22/28). وقال أيضًا: (فائدَتُه أنَّه إذا وُجِدَ المانعُ حَلَّ من إحرامِه مجَّانًا، ومعنى قولنا: «مجَّانًا» أي بلا هَدْيٍ؛ لأنَّ من أُحْصِرَ عن إتمامِ النُّسُكِ فإنَّه يلزَمُه هَدْيٌ؛ لقوله تعالى: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ **البقرة: 196**، فإذا كان قد اشترَطَ ووُجِدَ ما يمنعُه من إتمام النُّسُك، قلنا له: حِلَّ بلا شيءٍ، مجَّانًا، ولو لم يَشْتَرِطْ لم يَحِلَّ إلَّا إذا أُحْصِرَ بعَدُوٍّ على رأيِ كثيرٍ من العلماء، فإنْ حُصِرَ بمَرَضٍ، أو حادِث، أو ذَهاب نَفقةٍ، أو ما أشبه ذلك؛ فإنَّه يبقى مُحْرِمًا ولا يَحِلُّ، لكِنْ إن فاته الوقوفُ، فله أن يتحلَّلَ بعُمْرَةٍ، ثم يحُجَّ من العامِ القادِمِ) ((الشرح الممتع)) (7/73). ؛ وذلك لأنَّ للشَّرْطِ تأثيرًا في العبادات، وإنما لم يَلْزَمْه هديٌ ولا قضاءٌ؛ لأنَّه إذا شرَط شرطًا كان إحرامُه الذي فَعَلَه إلى حينِ وُجودِ الشَّرْطِ، فصار بمنزلة مَن أكمَلَ أفعالَ الحَجِّ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/529).
المَطْلَب الثَّاني: متى يُشرَعُ الاشتراطُ؟
يُشْرَعُ الاشتراطُ إذا خاف المانِعَ من إتمامِ النُّسُكِ، وهذا اختيارُ ابنِ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (يُستحَبُّ للمحرم الاشتراط إن كان خائفًا، وإلَّا فلا؛ جمعًا بين الأخبارِ) ((الفتاوى الكبرى)) (5/382). وقال أيضًا: (إن اشترط على ربِّه؛ خوفًا من العارض، فقال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستَني، كان حَسَنًا. فإنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أمر ابنةَ عَمِّه ضباعة بنتَ الزبير بن عبد المطلب أن تشترِطَ على ربِّها لَمَّا كانت شاكيةً، فخاف أن يَصُدَّها المرضُ عن البيت، ولم يكن يأمُرُ بذلك كلَّ مَن حَجَّ) ((مجموع الفتاوى)) (26/105). ، وابنِ القَيِّمِ قال ابنُ القيم: (قد شرع اللهُ لعباده التعليقَ بالشُّروط في كل موضعٍ يَحتاجُ إليه العبدُ حتى بينه وبين ربِّه، كما قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم لضباعة بنت الزبير وقد شكت إليه وقت الإحرام، فقال: "حُجِّي واشتَرِطي على ربِّك، فقولي: إنْ حَبَسني حابس فمحلي حيث حبَسْتَني؛ فإنَّ لكِ ما اشترطْتِ على ربِّكِ" فهذا شرطٌ مع الله في العبادة، وقد شرعه على لسانِ رسوله؛ لحاجة الأُمَّة إليه، ويفيد شيئين: جوازَ التحلُّلِ، وسُقوطَ الهَدْيِ) ((إعلام الموقعين)) (3/426). ، وابنِ باز قال ابنُ باز: (إنْ خاف المُحْرِم ألَّا يتمكَّنَ مِن أداءِ نُسُكه؛ لكونه مريضًا أو خائفًا من عَدُوٍّ ونحوه؛ استُحِبَّ له أن يقول عند إحرامِه: فإنْ حَبَسَني حابسٌ فمَحلِّي حيث حبسْتَني). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/49). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (سُنَّةٌ لِمَن كان يخافُ المانِعَ من إتمام النُّسُك، غيرُ سُنَّةٍ لِمَن لم يَخَفْ، وهذا القولُ هو الصحيح، وهو الذي تجتمِعُ به الأدلَّة؛ فإنَّ الرسولَ صلَّى الله عليه وسَلَّم أحرم بعُمَرِه كُلِّها، حتى في الحُدَيْبِيَة أحرَمَ ولم يَقُلْ: إن حبسني حابسٌ، وحُبِسَ، وكذلك في عُمْرَةِ القضاء، وعُمْرَةِ الجِعْرَانةِ، وحَجَّةِ الوداع، ولم يُنقَل عنه أنَّه قال: وإنْ حَبَسني حابسٌ، ولا أمَرَ به أصحابَه أمرًا مُطلقًا، بل أمر به من جاءت تَسْتفتي؛ لأنَّها مريضةٌ تخشى أن يشتَدَّ بها المرضُ فلا تُكْمِلَ النُّسُكَ، فمَن خاف مِن مانعٍ يَمْنَعُه مِن إتمامِ النُّسُك، قُلْنَا له: اشتَرِطْ؛ استرشادًا بأمْرِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسَلَّم، ومَن لم يَخَفْ قُلْنَا له: السُّنَّة ألَّا تَشْتَرِط) ((الشرح الممتع)) (7/72). وقال أيضًا: (إذا اشترط شخصٌ بدون احتمالِ المانِعِ على القول بأنَّه لا يُسَنُّ الاشتراطُ إلَّا إذا كان يَخشى المانِعَ، فهل ينفَعُه هذا الاشتراطُ؟ فالجواب: على قولين: القول الأول: ينفَعُه؛ لأنَّ هذا وإن ورد على سببٍ، فالعبرةُ بِعُمومِه. القول الثاني: لا ينفَعُه؛ لأنَّه اشتراطٌ غيرٌ مشروعٍ، وغيرُ المشروعِ غيرُ متبوعٍ، فلا ينفَعُ، وهذا عندي أقرَبُ؛ لأننا إذا قلنا: بأنَّه لا يُستَحَبُّ الاشتراط فإنَّه لا يكون مشروعًا، وغيرُ المشروعِ غيرُ مَتبوعٍ، ولا يترتَّبُ عليه شيءٌ، وإذا قلنا: إنَّه يترتَّبُ عليه حُكْمٌ، وهو غيرُ مشروعٍ، صار في هذا نوعٌ من المضادَّةِ للأحكامِ الشرعيَّة) ((الشرح الممتع)) (7/75).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((دخلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم على ضُباعةَ بنتِ الزُّبيرِ، فقالت: يا رَسولَ الله، إنِّي أريد الحَجَّ وأنا شاكيةٌ؟ فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم: حُجِّي واشترطي أنَّ مَحَلِّي حيثُ حبَسْتَني )) رواه البخاري (5089)، ومسلم (1207)
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه إنما أشار إليها بالاشتراطِ لَمَّا رآها شاكيةً، تخافُ المانِعَ من إتمامِ النُّسُكِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (26/105)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/72).
ثانيًا: أنَّ الرسولَ صلَّى الله عليه وسَلَّم أحرَمَ بِعُمَرِهِ كلِّها، حتى في الحُدَيْبِيَةِ أحرَمَ، ولم يَقُلْ: إن حبسَني حابسٌ، وكذلك في عُمْرَةِ القضاءِ، وعُمْرَة الجِعْرَانةِ، وحَجَّةِ الوداع، ولم يُنقَل عنه أنَّه قال: وإنْ حَبَسَني حابِسٌ، ولا أَمَرَ به أصحابَه أمرًا مُطْلقًا، بل أَمَرَ به مَن جاءَت تستفتي؛ لأنَّها مريضةٌ تخشى أن يشتَدَّ بها المرضُ، فلا تُكْمِلَ النُّسُكَ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة(26/105).
فرع أول: تعليقُ التحلُّلِ بمرضٍ ونحوِه
إن قال: إنْ مَرِضْتُ ونحوه فأنا حلالٌ، فمتى وُجِدَ الشَّرْطُ حَلَّ بوجودِه، أمَّا إن قال: فلي أن أَحِلَّ، أو محلِّي حيثُ حَبَسْتَني؛ فهو مُخَيَّر بين البقاءِ على إحرامِه وبين التحلُّلِ، وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة في الأصحِّ ((المجموع)) للنووي (8/315). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/401)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين بن قُدامة (3/529). ، وقرَّرَه ابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (إذا قال: فمحلِّي حيث حبستني، حلَّ بمجَرَّد وجودِ المانع؛ لأنَّه علَّقَ الحِلَّ على شرطٍ فوُجِدَ الشرطُ، فإذا وُجِدَ الشرطُ وُجِدَ المشروط، وأمَّا إذا قال: إن حبسني حابسٌ فلي أن أَحِلَّ، فإنَّه إذا وجد المانِعُ فهو بالخيار إن شاء أحلَّ، وإن شاء استمَرَّ) ((الشرح الممتع)) (7/74). ؛ وذلك لأنَّه في الحالِ الأُولى علَّقَ الحِلَّ على شَرْطٍ فوُجِدَ الشَّرْطُ، فإذا وُجِدَ الشَّرْطُ وُجِدَ المشروطُ، وأمَّا في الثَّانية فإنَّه إذا وُجِدَ المانعُ، فهو بالخيارِ؛ إن شاء أحَلَّ، وإن شاء استمَرَّ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/74).
فرع ثاني: تعليقُ التحلُّلِ بمشيئتِه
لا يصِحُّ أن يُقالَ: لي أنْ أَحِلَّ متى شِئْتُ قال ابنُ عُثيمين: (لو أنَّ رجلًا دخل في الإحرام، وقال: لبيك اللهمَّ عُمْرَة، ولي أنْ أَحِلَّ متى شئتُ، فهل يَصِحُّ هذا الشرط؟ الجواب: لا يصِحُّ؛ لأنَّه ينافي مقتضى الإحرامِ، ومقتضى الإحرامِ وجوبُ المُضِيِّ، وأنَّك غيرُ مُخَيّر، فلسْتَ أنت الذي تُرَتِّبُ أحكامَ الشرع، المُرَتِّبُ لأحكامِ الشرَّعِ هو اللهُ عَزَّ وجَلَّ، ورسولُه صلَّى الله عليه وسَلَّم) ((الشرح الممتع)) (7/75). ؛ نَصَّ على هذا فُقَهاءُ الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (8/317). ، والحَنابِلَة قال ابنُ قُدامة: (جملة ذلك أنَّ التحلُّلَ من الحَجِّ لا يحصل إلا بأحد ثلاثة أشياء؛ كمالِ أفعالِه، أو التَّحلُّلِ عند الحَصْرِ، أو بالعُذْرِ إذا شَرَط، وما عدا هذا فليس له أن يتحَلَّل به. فإن نوى التحلُّل لم يَحِلَّ، ولا يَفْسُدُ الإحرامُ بِرَفْضِه؛ لأنَّه عبادةٌ لا يُخْرَج منها بالفسادِ، فلا يخرج منها برَفْضِها، بخلاف سائرِ العبادات، ويكون الإحرامُ باقيًا في حَقِّه، تلزمه أحكامُه، ويلزَمُه جزاءُ كُلِّ جناية جناها عليه) ((المغني)) (3/332، 333).
 وذلك لأنَّه ينافي مُقْتَضى الإحرامِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/75).

انظر أيضا: